في جو مدهش يذكر بالصالونات الأدبية العريقة ذات التقاليد الثقافية والفنية الراسخة وبحضور التلفزيون والصحافة الهولندية، مع الجمهور العريض الذي ملأ صالة العرض، افتتح في غاليري "المدرسة القديمة" المعرض المشترك لثلاثة فنانين"هولنديين وعراقي"في مدينة سترو وسط هولندا. الفنانون هم: كوري بوس المنغمرة بالطبيعة وستار كاووش ذو الرؤية الزرقاء والنحات جو رامكوس المهووس بالمادة الخام العتيقة. وعلى طاولة أنيقة وضعت مجموعة من الكتب الملونة تضم أعمال الفنانين الثلاثة والى جانبها البطاقات البريدية التي زينتها أعمالهم المعروضة في الصالة. كل شيء هادئ تحاول الفنانةپكوري بوس أن ترسم جوهر الطبيعة الهولندية بألوانها المائية وبتقنيتها المميزة. وهي تعمل دائما وفي جميع لوحاتها خارج المرسم وفي كل الظروف المناخية، لأنها تعشق أشعة الشمس التي تتخلل الغيوم والأفق المفتوح حيث تنسدل السماء فوق حقول القمح الذهبية الواسعة. إنها لا تبحث عن التفاصيل حتى حين ترسم المنخفضات المائية في الشمال الهولندي أو حين ترسم البحر والممرات المائية الضيقة، بل ترسم كل ذلك بفرشاتها العريضة وبمساحات واسعة حيث تنتج أعمالاً متماسكة من حيث البناء والشكل. إنها تتوحد مع الطبيعة ولذلك لا تقحم أشخاصاً أو أي كائنات أخرى في أعمالها، وهي بذلك تذكّرنا برسام الطبيعة الروسي الشهير ليفيتيان الذي رسم لوحاته الساحرة من دون إدخال أي كائن بشري او حيواني على قماشاته الملونة. لا توجد في لوحاتها أية حركة، و كل شيء هادئ، ومن خلال نظرة هذه الفنانة للعزلة وإشارتها الباذخة للهدوء وغياب التفاصيل، ثم حساسيتها في استخدام اللون تحلق فوق الطبيعة لترسم عالمها المدهش والجميل في صمت عريض هو استجابة لنداء الطبيعة الأخضر الذي يخلقه الماء في وحدته الساهمة. درست الفنانة في أكاديمية"منيرفا"في مدينة خروننكن شمال هولندا وفي أكاديمية"وليم دي كوننغ"في مدينة روتردام جنوبهولندا. أغنية لها حكاية الفنان ستار كاووش بعد معارضه الكثيرة التي أقامها في مختلف المدن الهولندية وحضوره الواضح في الوسط التشكيلي الهولندي، يقدم في هذا المعرض لوحات مختلفة الحجوم بمناخاتها الزرقاء الشفافة وتكوينات الشخوص التي جاءت لتكمل حميمية المشهد وتسرد لنا حكاية عن الجمال، عن المطر الملون الذي يغسل مناخ اللوحات، عن الأصابع المرتعشة وهي تتحرك فوق وجوه الشخصيات. ثم عن العيون المتقابلة وخصلات الشعر المنسابة بنعومة. تقول عنه الناقدة الفنية ماريام تنهام:"أشكاله المميزة وإيقاعات خطوطه المنحنية تساهم في خلق تأثيرها على القماشة، إضافة الى ألوانه الخضراء والزرقاء الهادئة بعيداً من صخبه اللوني السابق". لوحاته في هذا المعرض أشبه بأغنية رومانسية حالمة حيث أستخدم الفنان كاووش تقنيات عديدة في تنفيذها لتقترب بعض أجزاء اللوحات من الأعمال الغرافيكية. ألوانه الغنية بتدرجاتها وكذلك انحناءات الخطوط المتقاطعة والنظرات الساهمة للشخصيات يساهم في إيجاد هذه الحميمية والعاطفة الباذخة. درس كاووش في أكاديمية الفنون الجميلة في بغداد. البحث عن الجمال ينتمي الفنان جو راماكرس الى عائلة فنية معروفة في هولندا، وهذا الفنان الذي يحافظ على بريق أعماله، يحرص على ظهور بعض المناطق الخضراء المعتقة على سطح وتضاريس بعض برونزياته، حيث يعطي هذا القدم قيمة إضافية لأعماله النحتية. إذ تبدو بعض منحوتاته كما لو انها مادة خام وجدت كاملة من دون ان تمسها يد أو تعمل عليها أداة. إيقاعات مرنة وحركات رشيقة للأعمال التشخيصية التي ينفذها وتكوينات متوازنة ومشذبة لأعماله التي تقترب من التجريد، أما سطوح أعماله المتعددة الأوجه فتحيلنا الى المراحل المتعددة التي ينفذ بها هذه الأعمال. وعلى رغم القيمة الفنية الرفيعة التي تتمتع بها أعمال هذا الفنان، إلا انه لم ينل الشهرة التي يستحقها، كما حدث مع جماعة الكوبرا أو غيرها من الجماعات الفنية في هولندا. إذ يعد هذا الفنان واحداً من النحاتين الذين يعدون على أصابع اليد الواحدة في هولندا ويتفوق كثيراً على كارل ابل أحد مؤسسي جماعة الكوبرا والكثير من معاصريه.