تعتبر مشكلة البطالة أحد أهم التحديات التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث نسبة العاطلين من العمل هي الأعلى في العالم. وبحسب إحصاءات منظمة العمل الدولية، بلغت نسبة البطالة 12.2 في المئة عام 2006، مقارنة بپ5.2 في المئة في جنوب آسيا، و8 في المئة في أميركا اللاتينية، و9.8 في المئة في أفريقيا. وتبلغ نسبة العاملين من مجموع السكان في المنطقة نحو 47.3 في المئة وهي الأقل أيضاً في العالم، إضافة إلى كونها أقل نسبة مشاركة في قوى العمل في العالم، إذ بلغت نسبة المشاركة في قوى العمل فقط 53.9 في المئة. ويعكس تدني نسبة المشاركة في قوى العمل قلة مشاركة المرأة في سوق العمل، فواحدة من كل ثلاث نساء فقط تُعتبر فاعلة في سوق العمل. وتظهر هذه المعلومات مدى تفاقم مشكلة البطالة في المنطقة. ومن المتوقع ان تزداد تعقيداً في المستقبل القريب. فالنمو السكاني هو الأسرع في العالم والحاجة باتت أكثر إلحاحاً لتحقيق أكثر من 100 مليون فرصة عمل جديدة خلال العقدين المقبلين. أما أهم الأسئلة المطروحة في هذا الإطار فتدور حول ماهية الأسباب التي أدت إلى تفشي مشكلة البطالة ووصولها إلى مستويات خطرة في الكثير من بلدان المنطقة وماذا يمكن عمله لمواجهة هذه المشكلة ومواجهة التحديات المقبلة. هناك ثلاثة أسباب رئيسة أدت إلى تفاقم مشكلة البطالة في المنطقة. يتعلق الأول بانخفاض قدرة القطاع العام على تشغيل الأيدي العاملة العربية، خصوصاً حديثي التخرج منهم. فالقطاع العام يشغل حالياً حوالى ثلث العاملين في المنطقة. ويعاني هذا القطاع من كبر الحجم وانخفاض الإنتاجية. ومن المتوقع ان يقل مستوى مساهمة هذا القطاع في التشغيل في المستقبل القريب في ظل برامج التخصيص المنفذة في الكثير من البلدان العربية. ويتمثل السبب الثاني في محدودية حجم القطاع الخاص وعدم قدرته على تحقيق فرص عمل كافية للأيدي العاملة المتوافرة في المنطقة، إذ تشكل القيود المباشرة وغير المباشرة المفروضة على الاستثمار وعدم توافر البيئة الاقتصادية والسياسية المناسبة وسيطرة الدولة على الاقتصاد مشكلة أساسية أمام توسع هذا القطاع ولعبه دوراً أساسياً في دفع عجلة التنمية وتحقيق فرص عمل للأيدي العاملة المتزايدة في المنطقة. ويتعلق السبب الثالث بجودة التعليم ونوعيته في المنطقة، إذ تعاني بلدان عدة من توجه غالبية الشبان والشابات إلى التعليم في المجالات التقليدية سعياً وراء التشغيل في القطاع العام. ويفتقر التعليم في الكثير من البلدان العربية إلى التركيز على الجوانب الفنية والمهنية المطلوبة حالياً في أسواق العمل. والنتيجة ان التعليم في هذه البلدان لا يتوافق مع حاجات سوق العمل وأولوياته. ويواجه الكثير من الشبان والشابات عدم القدرة على الوصول إلى التعليم، خصوصاً التعليم الجامعي، بسبب محدودية الموارد المالية وارتفاع أكلاف التعليم الجامعي. ومما يزيد مشكلة البطالة تعقيداً افتقار غالبية البلدان العربية إلى المؤسسات والسياسات الفاعلة في أسواق العمل العربية وغياب شبكات الضمان الاجتماعي. وساهمت الهجرة إلى دول الخليج في الحد من مشكلة البطالة في بلدان كالأردن وفلسطين ومصر وسورية ولبنان والمغرب. إلا ان آفاق الهجرة إلى هذه الدول بدأت بالتضاؤل مع تطبيق برامج توطين الوظائف والمنافسة الشديدة مع الأيدي العاملة الغربية على فرص العمل المتوافرة في أسواق العمل الخليجية. ويُشار إلى ان من تتوافر لديهم إمكانية الهجرة هم من حملة الشهادات العليا والمهارات المميزة في البلدان العربية. أما الأيدي العاملة ذات المهارة المتدنية فآفاق الهجرة من أجل العمل محدودة جداً أمامهما وتتركز في قطاعات التنظيف والبناء حيث المنافسة من اليد العاملة الآسيوية كبيرة. ومن أجل إيجاد حلول جذرية لمشكلة البطالة وتحقيق فرصة عمل كافية للنمو المرتفع في القوى العاملة العربية حلولاً إبداعية، كما يتطلب توحيداً وتنسيقاً للجهود بين كل الأطراف المعنية، سواء كانت حكومات أو مؤسسات في القطاع الخاص أو نقابات واتحادات عمالية أو مؤسسات دولية. لقد حان الوقت لتكون مشكلة البطالة في العالم العربي محل اهتمام وطني ورسمي. وفي هذا الإطار لا بد من التفكير في الكثير من العوامل التي تساهم في الحد من هذه المشكلة. هناك، أولاً، ضرورة تحقيق محرك اقتصادي جديد لإيجاد فرص العمل المطلوبة والابتعاد من الاعتماد على القطاع العام. وهذا يكون عبر تعزيز قدرات القطاع الخاص وتوجيه الاستثمار باتجاه المشاريع التي تحتاج إلى أيد عاملة كبيرة، والتركيز على المشاريع الصغيرة والمتوسطة الحجم والعمل الخاص كأداة لتحقيق مزيد من فرص العمل، خصوصاً للشبان والشابات والمنخرطين الجدد في أسواق العمل. وتبرز، ثانياً، ضرورة إصلاح النظام التعليمي والعمل على إرشاد الطلبة حول حاجات سوق العمل في البلدان العربية وأولوياتها. وهناك، ثالثاً، تحسين التدريب المهني والفني من أجل تحسين مهارات وقدرات الأيدي العاملة. ويبرز، رابعاً، إصلاح مؤسسات سوق العمل وسياساتها وتفعيلها، ولا بد من التذكير بأن الفشل في مواجهة مشكلة البطالة في العالم العربي من الممكن ان يؤدي إلى تداعيات اجتماعية وسياسية قد تعجز الحكومات العربية عن السيطرة عليها. فمن جهة، سيعني تكرار فشل هذه الحكومات في إيجاد حلول جذرية لهذه المشكلة ممارسة الشارع مستقبلاً ضغوطاً من أجل إسقاطها. ومن جهة أخرى، يعني الفشل مزيداً من المشكلات الاجتماعية، خصوصاً لدى الشبان والشابات وارتفاع معدلات الجريمة وعدم الاستقرار الاجتماعي في المنطقة. * خبير اقتصادي في "مركز كارنيغي للشرق الأوسط" - "مؤسسة كارنيغي للسلام العالمي".