أثارت تصريحات رئيس الحكومة الإسرائيلية ايهود اولمرت عن "التغير الثوري" في مواقف دول عربية محورية "كما بدت في قمة الرياض" و"احتمالات إبرام اتفاق سلام بين إسرائيل والعالم العربي في غضون خمس سنوات"، أكثر من سؤال وعلامة استفهام في شأن جديتها وقدرة قائلها على اتخاذ أي خطوة سياسية، فيما كرسي رئاسة الحكومة يتأرجح تحته. وزادت علامات الاستفهام خصوصاً في ضوء مضمون البيان الصادر عن مكتب اولمرت مساء أول من أمس رداً على البيان الختامي للقمة العربية، وهو مضمون قالت صحيفة "هآرتس" انه "تميز بالفتور وتجاهل ما جاء في قرارات الرياض، مكتفياً بدعوة الدول العربية المعتدلة إلى الاجتماع مع إسرائيل لغرض التحاور"، فيما اعلن كبار الوزراء في حكومته رفضهم التعاطي مع المبادرة ما لم يتم تعديل صيغتها جذرياً. ورأى مراقبون ان اولمرت حاول في ظهوره الإعلامي تخفيف حدة الانطباع في العالم بأن إسرائيل ترفض اليد العربية الممدودة للسلام، وفي الداخل بأنه غير قادر على تحريك حجر إزاء تدهور شعبيته، فأطلق تصريحات"متفائلة"في ظاهرها، لكنه ضمّنها الموقف الإسرائيلي المعهود من قضايا الصراع الرئيسة، بل أضاف اليها رفضاً جديدا لإخلاء البؤر الاستيطانية العشوائية، مشترطاً ذلك بتنفيذ الفلسطينيين أولاً استحقاقات المرحلة الأولى من"خريطة الطريق"الدولية، أي تجريد الفصائل من السلاح ونبذ كل أشكال العنف. وأعرب اولمرت في حديثه للصحف العبرية الثلاث الكبرى أمس لمناسبة الفصح اليهودي، عن رغبته في إطلاق حوار مع المملكة العربية السعودية ودول عربية معتدلة أخرى في أعقاب قرار القمة العربية في الرياض إعادة تفعيل المبادرة العربية للسلام. وقال لصحيفة"هآرتس"إنه ستسعده المشاركة في لقاء قمة إقليمي يمنح الدعم للمفاوضات المباشرة بين إسرائيل والفلسطينيين. واشاد بشخصية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز على تدخله في العملية السلمية ومبادرته إلى دفعها. واعتبر اولمرت قمة الرياض"أمراً جدياً"، وقال:"نحن لا نوهم أنفسنا... المضمون مهم... نحن لا نوهم أنفسنا... إنهم يريدون العودة إلى حدود 1967 ويريدون تطبيق حق العودة، لكن من المهم أيضاً أن ننظر إلى الأجواء وإلى السياق وإلى الاتجاه... إننا حيال سيرورة ساهمت في تحديدها الحرب في لبنان، سيرورة أدت إلى أن يبدأ العالم العربي بإدراك أن إسرائيل ليست كبرى المصائب والمشكلات التي يواجهها". وأضاف ان"السعودية هي التي ستقرر في نهاية المطاف قدرة العرب على التوصل إلى تسوية مع إسرائيل"، معتبراً استعداد السعوديين للتدخل العلني وقيادة العملية السياسية أمراً مثيراً للاهتمام:"لا نبالغ في هذا الشأن لكننا أيضا لا نلغي أهميته... سنتصرف بفطنة وبحذر من خلال استعداد لخلق دينامية تحسن العملية وتعززها". وقال اولمرت لصحيفة"يديعوت أحرونوت"إنه يدفع العملية السياسية"بشكل صحيح ومسؤول ومتوازن... أعمل على تحقيق اختراق في هذه العملية... وأومن بذلك ولدي قناعة بأن هناك أملاً حقيقياً بأنه في غضون السنوات الخمس المقبلة تستطيع إسرائيل التوصل إلى اتفاق سلام شامل بينها وبين أعدائها... مع كل العالم العربي". وأضاف ان ثمة أموراً لم تحصل في الماضي"تنضج الآن وعلينا أن نعرف كيف نستغل هذه الفرصة وندفعها بحكمة ومسؤولية". واعتبر القمة العربية واللقاءات مع الرئيس محمود عباس تندرجان في إطار المعطيات الجديدة، وقال:"اننا إزاء نشاط سياسي مكثف يخلق بالتأكيد بداية لهذا الاحتمال". وتطرق اولمرت إلى الملف الفلسطيني، وقال إن الفلسطينيين يقتربون من"نقطة الحسم"وعندما يصلونها ستكون هناك انطلاقة تعقبها تحولات تاريخية. ولمح إلى ان إسرائيل تعد لعملية عسكرية في قطاع غزة حيث يتواصل تهريب السلاح وتتعاظم قوة"حماس"وتحسن قدراتها على إنتاج قذائف صاروخية،"وكل هذه الأمور تقلقنا جداً". وهدد سورية من عواقب شن هجوم على إسرائيل، وقال ان دمشق تدرك ان إسرائيل ستكون مستعدة لكل طارئ وستعرف كيف سترد على كل احتمال أو تطور. وعندما سئل عن الصواريخ السورية القادرة على بلوغ كل بقعة في إسرائيل، قال اولمرت:"في الحرب على لبنان امتنعنا عن ضرب البنى التحتية، لكن على سورية أن تعي أنها ليست لبنان... مع ذلك أقول إننا لسنا معنيين بالحرب، وأريد أن أؤمن ان سورية أيضاً ليست معنية بها". ورد زعيم حزب"ميرتس"اليساري يوسي بيلين على تصريحات اولمرت"السلامية"بالاستخفاف، وقال إن الحكومة الإسرائيلية عاجزة عن مواجهة المستوطنين الذين احتلوا وسط مدينة الخليل وعن إخلاء بؤر استيطانية عشوائية"فكيف لاولمرت أن يتحدث عن سلام شامل خلال خمس سنوات". ووصف كلام رئيس الحكومة هذا ب"الهراء الذي لا يلائم شخصاً ذكياً مثل اولمرت". ونصحه بعدم الحديث عن سلام لا يتطلع إليه وليس قادرا على تحقيقه، مضيفا:"من يعلم كيف ستكون صورة الوضع بعد خمسة أعوام... وهل يعتقد اولمرت حقاً انه باق في هذا المنصب حتى ذلك الوقت... تحديد خمسة أعوام هو كالإعلان عن خمسين عاماً". وتساءل:"كيف لاولمرت أن يصف قرار القمة العربية بالتاريخي ويعلن في الآن ذاته ان السلام سيتحقق بعد خمسة أعوام بدلاً من أن يدخل في مفاوضات للتسوية الدائمة مع الرئيس الفلسطيني".