عشية عقد القمة العربية سألت الأخ عمرو موسى، الأمين العام لجامعة الدول العربية، عن الوضع اللبناني فقال إن لبنان سيُبحث في داخل الاجتماع المغلق. فهمت من هذا الكلام أن موضوع لبنان يراوح مكانه، ولا تقدم هناك، لذلك سيكون البحث فيه"مغلقاً"منعاً للفضيحة. هي فضيحة اللبنانيين قبل غيرهم، فهم لا يزالون منقسمين وعاجزين عن الاتفاق، وكل فريق له حكومة تمثله كما رأينا في مؤتمر القمة، وتنكر شرعية الحكومة الأخرى، وهو ينتظر دعماً من الخارج ضد خصومه فيما يدفع كل لبناني من الأطراف المختلفة كافة الثمن من رزق يومه وآمال غده. الأمين العام اكثر ديبلوماسية من ان يقول مثل هذا الكلام، فأقوله نيابة عنه وعن كل الناس. وكنت سألت السيد عمرو موسى عن المواضيع غير المبادرة العربية، وتحدثنا عن لبنان باختصار، وانتقلنا الى العراق فأعادني الأمين العام الى اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة في أوائل هذا الشهر لأن القمة ستكمل في الرياض بما اتفقوا عليه في القاهرة. باختصار الموقف العربي العام هو ان حديث الأمن لا يكفي، بل يجب ان يكون هناك حل سياسي عناصره معروفة، هي عدم تقسيم العراق تحت أي مسمى، وتوزيع الثروة في شكل عادل على جميع المواطنين، وإعادة النظر في الدستور بنيّة تعديله، وحل الميليشيات، ومراجعة قانون اجتثاث البعث. وأشرت إلى الوضع البائس للاجئين العراقيين داخل بلادهم وفي الخارج، فقال الأمين العام ان الموضوع على جدول الأعمال، وقد بحث فيه مع مفوض الأممالمتحدة للاجئين، وسيكون هناك اجتماع دولي عن اللاجئين العراقيين في جنيف في منتصف الشهر المقبل. كل القضايا المهمة على جدول الأعمال، وبعضها، مثل دارفور، سيطرح في اجتماعات جانبية للقادة اصحاب العلاقة، كما ان القمة ستبحث في مبادرات لتطوير المجتمع وتحديثه. وبدا الأمين العام متفائلاً في شكل خاص بتفعيل مجلس الأمن العربي الذي يتألف من عدد صغير من الدول العربية بالتداول، ويكون في حالة انعقاد دائم لمنع النزاعات العربية، وتشكيل قوات عربية للتدخل حيث تقتضي الحاجة بالتنسيق مع مجلس الأمن الدولي. وتبقى المبادرة العربية لحل النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي هي الأساس، مع اعتراف جميع الأطراف بأن حل القضية الفلسطينية سيفتح الطريق أمام حل كل مشكلة أخرى. وبقدر ما عندي ثقة بأن الجانب العربي يريد حلاً سلمياً، ويعني ما يقول، فإن ثقتي بالجانبين الأميركي والإسرائيلي معدومة. المبادرة العربية عمرها خمس سنوات، إلا ان الإدارة الأميركية لم تتذكرها إلا عندما وقعت، فالاهتمام المفاجئ بها لا يمكن عزله عن الفشل الأميركي المطبق في العراق، وعن المواجهة مع ايران، وحاجة الولاياتالمتحدة الى حلفاء في المنطقة يساعدونها اذا انفجر الوضع. وفي حين ان وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس صادقة في كلامها، وتريد حلاً على أساس دولتين، فلسطين وإسرائيل، تعيشان جنباً الى جنب بسلام كما تعهد الرئيس بوش، فإن وزيرة الخارجية ليست كل الإدارة، ونائب الرئيس ديك تشيني ألقى بثقله كله مع إسرائيل، وكان خطابه في مؤتمر اللوبي اليهودي او وكر الجواسيس، قبل أسبوعين، بذيئاً سأعود إليه بتفصيل في هذه الزاوية فهو تذكر قتلى إسرائيل في حرب الصيف، ولم يذكر مئات القتلى من المدنيين اللبنانيين الأبرياء. والدكتورة رايس عجزت في النهاية عن إقناع رئيس وزراء إسرائيل بالبحث في القضايا الأساسية مع الرئيس محمود عباس، فهو قَبِل فكرة اجتماعهما كل أسبوعين، وأصر على ان يكون البحث في قضايا إنسانية وأخرى أمنية والابتعاد عن عناصر الحل الأهم مثل القدس والحدود والمستوطنات وحق اللاجئين في العودة. أولمرت قَبِل المبادرة العربية ولم يقبلها، فهو لا يريد البحث فيها، وإنما يرجو ان تجمعه قمة مع القادة العرب، خصوصاً الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وأقول انه يحلم أو يهذي. هي شنشنة إسرائيلية رأيناها مع أرييل شارون، وتبقى مع أولمرت، وللقارئ على سبيل التذكير: مبادرة الأمير عبدالله بن عبدالعزيز، ولي العهد السعودي في حينه، أقرت بالإجماع في قمة بيروت في آذار مارس 2002، وحملت بعد ذلك اسم المبادرة العربية، وكان ابو عمار يريد حضور القمة، وهدد شارون انه اذا ترك الأراضي الفلسطينية فلن يسمح له بالعودة إليها. مجرم الحرب الإسرائيلي رد على المبادرة في الشهر التالي من العام نفسه، أي في نيسان ابريل بإطلاق عملية عسكرية ضد الفلسطينيين باسم"الدرع الدفاعي"، وأعاد احتلال المدن الفلسطينية، وترك ابو عمار محاصراً في المقاطعة. وفي نيسان من 2003 انتهت محادثات الولاياتالمتحدة ضمن ما عُرف في وقت لاحق بالرباعية، أي مع ورسيا والاتحاد الأوروبي والأممالمتحدة بصدور خريطة الطريق، وغابت المبادرة العربية عن الساحة الدولية. وبعد سنة اخرى، وتحديداً في نيسان 2004 تبادل بوش وشارون رسائل يُفهم منها ان الولاياتالمتحدة تعطي إسرائيل حق البقاء في المستوطنات، أي ان بوش اعطى شارون أراضي فلسطينية لا يملكها، ولم يقطعه ارضاً في تكساس، أو مزرعته هناك. هذه معلومات غير متنازع عليها، فأنا لا أُبدي رأياً، وإنما أقول بأبسط عبارة ممكنة ما نقول في لبنان"الكلب اللي بدّك تجره على الصيد، لا فيه ولا في صيدو". الإدارة الأميركية تحاول جر إسرائيل الى العملية السلمية، أو ان الدكتورة رايس وحدها تحاول، غير اننا نعرف ان في موضوع اميركا وإسرائيل الذَنَب يهزّ الكلب، فأُعيد القارئ الى مؤتمر ايباك وخطاب ديك تشيني في كلاب إسرائيل وجواسيسها، ليقدّر لنفسه حجم فرص نجاح المبادرة العربية.