"رينارد": هدفنا اللقب .. والدوسري يتحسن    فيصل بن بندر يرعى حفل الزواج الجماعي الثامن بجمعية إنسان .. الاحد القادم    «حرس الحدود» بعسير ينقذ مقيمين تعطلت واسطتهم البحرية وتعرض أحد أفرادها لوعكة صحية    ولي العهد يُتوَّج بلقب "شخصية العام 2024" من المركز الثقافي للتراث العربي    السعودية حذّرت ألمانيا 3 مرات من منفّذ حادثة الدهس    ضبط 20159 مخالفا لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود خلال أسبوع    فلامنجو يستهدف لاعب الأهلي    البديوي يرحب بتبني الأمم المتحدة لقرار بشأن التزامات إسرائيل المتعلقة بأنشطة الأمم المتحدة والدول الأخرى لصالح الفلسطينيين    محمد آل فلان في ذمة الله    «عكاظ» تنشر توصيات اجتماع النواب العموم العرب في نيوم    ضيوف خادم الحرمين يشيدون بعناية المملكة بكتاب الله طباعة ونشرًا وتعليمًا    مونديال ( 2034 ) السعودي    مراكز سورية لتسوية أوضاع جنود وضباط النظام السابق    ضيوف الملك من "البوسنة": مواقف المملكة مشهودة    أمريكا تنجو من كارثة «شلل» الحكومة الفيدرالية    القبض على مقيم بالطائف لترويجه مادة "الشبو"    ارتفاع سعر الروبل أمام العملات الرئيسية حتى 23 ديسمبر الجاري    أمطار خفيفة على جازان وعسير والباحة    المملكة ومصر .. شراكة استراتيجية تضخ استثمارات ب15 مليار دولار    انطلاق مؤتمر جمعية "علوم المختبرات" في الرياض .. غدا    المملكة تدين حادثة الدهس التي وقعت في ألمانيا    وزير الطاقة يرعى الحفل الختامي لجائزة كابسارك للغة العربية    المركز الوطني للعمليات الأمنية يواصل استقباله زوار معرض (واحة الأمن)    حضور ثقافي كبير في أول أيام ملتقى القراءة الدولي بالرياض    «الجوهرة».. أيقونة رياضية بمعايير عالمية تحت الأضواء في «كتاب جدة»    تاليسكا يؤكد اقتراب رحيله عن النصر    اليوم ليلة الحسم في المملكة أرينا: ومواجهة أوسيك وفيوري لتوحيد ألقاب الوزن الثقيل    "الهجّانة" والمركبات الكهربائية.. التاريخ والمستقبل    البرنامج الثقافي لمعرض جدة للكتاب يسلط الضوء على علاقة الفن بالفلسفة    سينما الخيال العلمي في العالم العربي.. فرص وتحديات في معرض الكتاب    230 فارساً وفارسة يتنافسون على كأس التحدّي للقدرة والتحمل في الرياض    القوات الخاصة للأمن البيئي تواصل استقبال زوار معرض (واحة الأمن)    الأمم المتحدة: الأزمة الإنسانية في السودان «غير مسبوقة»    بايرن ينهي عام 2024 بفوز كاسح على لايبزيغ بخماسية قاسية    الأمر بالمعروف في جازان تفعِّل المعرض التوعوي "ولاء" بالكلية التقنية    ضيوف الملك من "الجبل الأسود" يشيدون بجهود المملكة في خدمة الإسلام والمسلمين    توقيع مذكرة تعاون بين النيابة العامة السعودية والأردنية لتعزيز مكافحة الجريمة والإرهاب    شيخ شمل قبائل الحسيني والنجوع يهنى القيادة الرشيدة بمناسبة افتتاح كورنيش الهيئة الملكية في بيش    عسير: القبض على مخالفين لنظام الحدود لتهريبهما 15000 قرص خاضع لتنظيم التداول الطبي    نائب رئيس نيجيريا يغادر جدة    الأمير محمد بن ناصر يفتتح شاطئ الهيئة الملكية بمدينة جازان للصناعات الأساسية والتحويلية    %20 من المستثمرين شاركوا في الاكتتابات العامة بالمملكة    مدير عام الشؤون الإسلامية في جازان يتفقد مسجد العباسة الأثري بمحافظة أبي عريش    وزارة التعليم تنظم ورشة عمل "المواءمة مع التغيير والتحول في قطاع الخدمات المشتركة" في جازان    إمام الحرم المكي: الرسل بعثوا دعاة إلى الخير وهداة للبشر    البدء بأعمال صيانة جسر تقاطع طريق الأمير نايف مع شارع الملك خالد بالدمام ... غدا السبت    5 إستراتيجيات لإنهاء حرب روسيا وأوكرانيا    الحصبة.. فايروس الصغار والكبار    مدربون يصيبون اللاعبين    تقطير البول .. حقيقة أم وهم !    «سكن».. خيرٌ مستدام    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالفيحاء ينقذ مراجعاً عانى من انسداد الشرايين التاجية    أدوية إنقاص الوزن قد تساعد في القضاء على السمنة لكن مخاطرها لا تزال قائمة    انفراد العربيّة عن غيرها من لغاتٍ حيّة    السيسي: الاعتداءات تهدد وحدة وسيادة سورية    التجارة تضبط 6 أطنان مواد غذائية منتهية الصلاحية بمستودع في جدة    وزير الدفاع يستقبل نائب رئيس الوزراء وزير الدفاع الأسترالي    رئيس الوزراء العراقي يغادر العُلا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عن الموقف العربي من قضية دارفور
نشر في الحياة يوم 20 - 03 - 2007

أعربت الجامعة العربية عن قلقها من العنف في إقليم دارفور في السودان ولكنها، وعلى غرار أعضائها من الدول العربية، فشلت في دعم تحرّك دولي لحماية المواطنين السودانيين في دارفور. وعلى الرغم من الحدود الضيقة التي تغطى من خلالها قضية دارفور في وسائل الإعلام العربية، فإن أخبار المجازر بدأت تتناهى إلى مسامع الجمهور العربي بحلول نهاية العام 2003. وفي العام 2004 أدانت لجنة تحقيق تابعة للجامعة العربية في دارفور علناً الاعتداءات على المدنيين باعتبارها"انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان". غير أن البيان سُحب وأُزيل لاحقاً من موقع الجامعة العربية الإلكتروني عقب رد فعل سلبي من الحكومة السودانية. ومنذ ذلك التاريخ، دعت الجامعة العربية الأسرة الدولية مراراً إلى ضرورة التحلي بالصبر في التعاطي مع الخرطوم على رغم موت أكثر من مئتي ألف مدني في دارفور نتيجة للاستراتيجية العسكرية التي اتبعتها الحكومة السودانية والتي تقوم على استهداف السكان المدنيين.
وقد دعمت الجامعة العربية، أقله كلامياً، قوة الاتحاد الإفريقي الضعيفة التجهيز والمنتشرة في دارفور التي وصفتها بانتظام بأنها الحل الأمني الوحيد القابل للحياة لأزمة دارفور. ولكن عملياً، وطوال أعوام، كانت سياسة الجامعة العربية متماشية كلياً مع الموقف الرسمي السوداني الرافض لأي قوة دولية أخرى للمساعدة في وضع حد للمجازر المرتكبة بحق المدنيين المسلمين في دارفور.
وبعد عامين، وفي خطوة غير مسبوقة تعرضت لوابل من الانتقادات بسبب عدم تحرّكها، استغلت الجامعة العربية قمة الخرطوم التي عقدت في آذار مارس 2006 لتتعهد بمبلغ 150 مليوناً لقوة الاتحاد الإفريقي التي هي بأمس الحاجة إليه. غير أنه بعد مضي عام لم تساهم الدول العربية سوى بمبلغ 15 مليوناً أي مجرد عشرة في المئة من تعهدها.
ومن الجدير ذكره هنا، أن أزمة دارفور المندلعة منذ العام 2003 تتزامن مع ارتفاع أسعار النفط ارتفاعاً قياسياً بلغ ذروته 74 دولاراً للبرميل الواحد في تموز يوليو 2006 ما أدى إلى ارتفاع فائض المداخيل العربية الى مستويات قياسية. لكن لم يتلقَ سكان دارفور منها سوى مبالغ ضئيلة. كما لم يقدم العرب الأعضاء في الاتحاد الإفريقي، على غرار مصر والجزائر، دعماً فعلياً لقوة الاتحاد. وعلى رغم أنهم ما انفكوا يدعمون كلامياً الهيئة الافريقية على الساحة الدولية فإنهم لم يقرنوا قولهم بفعل ملموس، أو بموقف يهدئ من روع النظام السوداني ويساعده في التنصل من الضغط الدولي عبر قوة أصلب عوداً يمكنها أن تحمي السكان المدنيين بفعالية أكثر.
وهكذا تبقى قوة الاتحاد اليوم تعتمد الى حد كبير على تمويل الاتحاد الأوروبي. ومنذ العام 2004، دعم الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء قوة الاتحاد بأكثر من 520 مليون دولار. وقد قدمت كندا وحدها مساعدة إنسانية لدارفور ودعماً مالياً لقوة الاتحاد الافريقي أكثر من كل الدول العربية مجتمعة.
أما على الأرض، فلم تقدم الدول العربية سوى 76 عنصراً من أصل سبعة آلاف يشكلون عديد قوة الاتحاد. وارسلت مصر 34 مراقباً عسكرياً في حين أرسلت الجزائر 13 وليبيا 9 وموريتانيا 20 بهدف مراقبة أرض توازي بمساحتها حجم فرنسا.
ومن جهة أخرى، نشطت الدول العربية على قدم وساق في الأمم المتحدة على رغم أن نشاطها بدا موجهاً لعرقلة قرارات مجلس الأمن والتي كان من الممكن أن تساعد في وضع حد لعذاب سكان إقليم دارفور. فمنذ العام 2004 عمدت آخر دولتين عربيتين غير دائمتي العضوية في مجلس الأمن، أي الجزائر وقطر، اللتين تحدثتا وصوتتا باسم كل الدول العربية إما إلى تخفيف حدة القرارات لمصلحة الخرطوم أو إلى الامتناع عن التصويت بما يشكل رسالة لا لبس فيها مفادها عدم دعم الضحايا المدنيين.
كما أن الدولة التي تمثل العرب حالياً في مجلس الأمن، أي قطر، امتنعت عن التصويت على القرار 1706 الذي صدر في آب اغسطس 2006 والداعي إلى انتشار قوات الأمم المتحدة في دارفور. وأعلنت الدول العربية أنه كان من المفترض عدم ادخار أي جهد لضمان"رضا"السودان. وفي الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول سبتمبر 2006 وفي دعم لسياسات الخرطوم، دعا ممثل السودان الأسرة الدولية إلى دعم"السودان الشقيق"في جهوده. ولا شك في أن الإشارة إلى السودان كجار"شقيق"هي إشارة عادلة ولكن من الصعب أن يفهم المرء لماذا يتعيّن على التضامن العربي أن يمتد إلى حد الدفاع عن نظام يشن حملة قتل جماعي ضد مواطنيه.
وتدعم الدول العربية الحكومة السودانية في رفضها قوة حفظ سلام محايدة تابعة للأمم المتحدة معللة موقفها، شأنها شأن الخرطوم، عبر تكرار الرأي القائل إن وجود قوة دولية في دارفور يمثل تهديداً للسيادة السودانية. والغريب أن أياً من الحكومات العربية لم يلاحظ التناقض في هذا الموقف المشترك نظراً إلى أن النظام نفسه في الخرطوم الذي يرفض قوات حفظ السلام في غرب السودان يرحب بقوة دولية قوامها عشرة آلاف في جنوب السودان ويعتبرها عنصراً أساسياً للحفاظ على سلام لم يجف حبر توقيعه بعد في المنطقة. ولماذا لا يسأل أحد عن سبب اعتبار السيادة مشكلة في غرب البلاد وليس في جنوبها؟
فالرئيس البشير صرّح متجاهلاً بعثة الأمم المتحدة في جنوب البلاد أن السودان يعارض أشد المعارضة قوات حفظ السلام في دارفور إلى حد أنه دعا إلى"المقاومة والجهاد"إذا ما وطئت قوة الأمم المتحدة الثانية أرض بلاده. ولا يخدم قبول العالم العربي بسياسة الكيل بمكيالين التي تعتمدها الخرطوم انتقاده لسياسة الكيل بمكيالين التي تمارسها الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. علاوة على ذلك، ستثبت الأيام المقبلة مدى قصر نظر سياسة دعم معارضة السودان للامم المتحدة وكيل الاتهامات للأمم المتحدة حول مزاعم غياب حيادها: فدعم وصف قوات الأمم المتحدة بأنها قوات"غازية"لا يهدف إلا الى إضعاف جهود الآلاف من قوات الامم المتحدة في هضبة الجولان السوري المحتل وسيناء المصرية والجنوب اللبناني التي تراقب تطبيق اتفاقيات السلام وقرارات وقف العمليات العسكرية الهشة.
وعندما ذهب الممثل الأميركي جورج كلوني إلى دارفور لنشر الوعي العام حول الوضع المزري للنساء المسلمات اللواتي تعرضن للاغتصاب والأطفال المعذبين الذين يعيشون في مخيمات لاجئين بائسة، هاجم أحد الأعضاء العرب كلوني لعدم صواب تشخيصه للصراع السوداني، رافضاً فكرة أن يقوم ممثل بتقديم النصح حول ما يجب القيام به في السودان ومصرحاً:"علينا أن نتوجه إلى طبيب بارع لا إلى ممثل كي يتمكن هذا الطبيب من أن يصف لنا العلاج المناسب".
والمفارقة أنه عندما عاين طبيب بارع جراح دارفور رفضته الدول العربية أيضاً. ففي العام 2005 عين أمين عام الأمم المتحدة حينها كوفي عنان لجنة خبراء لتقييم الوضع في إقليم دارفور السوداني. وأعد الخبراء مطلع العام 2006 تقريراً سرياً تمت الإشارة فيه إلى ارتكاب 17 سودانياً جرائم ضد الإنسانية في دارفور. وأفاد التقرير أن الجهات كافة في دارفور خرقت حظر السلاح من خلال تزويد الحكومة الميليشيات بالسلاح وتصعيد المتمردين للقتال. غير أن الدول العربية جمدت اقتراحات اختارها معدو التقرير لفرض عقوبات على كل من المسؤولين السودانيين وقادة الميليشيات.
وعندما كانت الجزائر تمثل الدول العربية في مجلس الأمن عمدت حتى إلى معارضة إنشاء لجنة التحقيق الدولية التابعة للأمم المتحدة والمكلفة معرفة ما إذا تم ارتكاب عمليات إبادة جماعية في دارفور. وقد بررت الجزائر موقفها بالقول إنه نابع"من الحرص على الفعالية وبغية معالجة الطابع الطارئ والخطير للأزمة". لكن الطابع الطارئ والخطير للوضع لم يدفع العالم العربي لتحريك ساكن طيلة سنوات الصراع.
وبصفته سفيراً وعضواً غير دائم في مجلس الأمن لسنتين، ما انفك عبد الله بالي يكرر باسم الدول العربية مواقف الحكومة السودانية في دارفور. وفي رسالة إلى مجلس الأمن في أيلول 2004 كتب بالي"إن مشروع قرار الأمم المتحدة رقم 1556 الموجود أمامنا اليوم والداعي إلى نزع سلاح ميليشيا الجنجويد يطرح مشاكل ... وبنظرنا فهو لا يُنصف حكومة السودان التي قامت بمبادرات وأفعال تصب في الاتجاه الصحيح".
في الواقع، ومنذ القرار 1556، لم يؤد"الاتجاه الصحيح"الذي تتبعه الحكومة السودانية سوى إلى ارتفاع عدد القتلى الأبرياء في دارفور حيث لقي بعضهم حتفه على يد سلاح الجو السوداني الذي قصف قرى مدنية. هذا ولا تزال الحكومات العربية تدعم مرتكبي المجازر بدلاً من الضحايا المدنيين.
* كاتب لبناني ومسؤول في مجموعة الأزمات الدولية - بروكسيل


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.