فاجأ الملك عبدالله بن عبدالعزيز في كلمته السنوية أمام مجلس الشورى، الجمهور السعودي والخارج العربي والإسلامي والعالمي بالقول إن المرأة السعودية سيكون لها حق الترشح للمجالس البلدية في الانتخابات المقبلة، كما أنها ستدخل إلى مجلس الشورى. وقد ذكر الملك أنه استند في المصير إلى تمكين المرأة إلى رأي العلماء بالمملكة من داخل هيئة كبار العلماء ومن خارجها، كما استند إلى تاريخ المرأة المسلمة في العمل في قضايا الشأن العام منذ أيام النبيّ صلى الله عليه وسلم والراشدين. واستند أخيراً إلى تجربة المرأة في السعودية، والتي تجلّت عن عمل جاد وتبصر ورأي سديد، ونجاح بارز. والواقع أن هذا التمكين للمرأة من جانب السلطات، وفي مجال التنمية السياسة بالذات، ما كان ينبغي أن يكون مفاجئاً، كما عرضت ذلك وسائل الإعلام العربية والعالمية. فالمعروف أن السلطات أشركت المرأة في مؤتمرات الحوار الوطني على مدى السنوات الماضية وكان من موضوعات الحوار المشاركة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وعندما كانت المرأة تتحدث في مؤتمرات الحوار، كانت «سيدات الأعمال» قد صرن جزءاً مهماً في مجتمعات الأعمال، ومنتخبات في الغرف التجارية، فضلاً عن المهمات الإدارية والفنية الكثيرة في التعليم والصحة. لقد قال الملك عبدالله بن عبد العزيز انه استشار العلماء، وإن إقدار المرأة يجري بحسب الشرع وأحكامه. وقد جاء في القرآن الكريم: «خلقكم من نفسٍ واحدة» - وجاء: «ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف». وجاء في الحديث قوله صلوات الله وسلامه عليه: النساء شقائق الرجال. ولذا فإن الأساس الشرعي - كما ذهب لذلك جلالة الملك - ثابت، وللعلماء السعوديين وغيرهم تأليفٌ في ذلك. ويُضاف إلى الأساس الشرعي والتجربة التاريخية، التجربة الحاضرة في حياة المملكة من جهة، وفي حياة مجتمعات العرب والمسلمين من جهةٍ أخرى. ولذا فإن هذه الخطوة المهمة عندما جاءت، جاءت على أسس ثابتة لا زعزعة فيها ولا تردد. وهذه الثقة هي التي تنفي عن الخطوة مقولات التأخير وفوات الأوان. إن أي تجديد وتطوير يقتضي دراسة الخطوات والتداعيات، والآثار الممكنة والمحتملة. وتجربة المملكة، والتجارب العربية والإسلامية ما أثارت قلقاً، ولا كانت لها نتائج سلبية على مجتمعات العرب والمسلمين، ولا على رؤية العالم الخارجي لهم. بل إن العالم الخارجي ذاته عرف نساءً سعوديات تولين مناصب كبرى وسامية، وكانت لهن إنجازات لا يمكن نكرانها. ولهذا كله لا يحسن الحديث عن التأخير والفوات، ما دامت هذه الخطوة قد حصلت، وما دامت لها تلك الآثار الخطيرة على المجتمعات، والتي كان ينبغي حسبانها قبل الإقدام عليها. وقد عرفنا من أخبار وكلام الجهات الإعلامية والثقافية السعودية، انه حتى في مجلس الشورى، كانت للنساء أدوار. إذ هناك الآن 12 سيدة ذوات مهمات استشارية، يؤدينها بطريقة مرضية. ولنبحث الأمر من جانب آخر معاكس إذا صح التعبير. فمن المحافظين - وحتى من يسمون بالليبيراليين - من يأخذ على هذه الخطوة الرائعة أنها تأخرت وعندما حصلت وقعت تحت الضغوط من الداخل والخارج. وليس شيء من ذلك صحيحاً، ولا عيب فيه إن صح من بعض الوجوه، مما يدخل في باب التلاؤم مع المتطلبات المجتمعية العربية والإسلامية. وولي الأمر هو الذي يملك تقدير الاحتياجات، والإقدام على تلبيتها. وهو عندما يقوم بذلك يكون مؤدياً للواجب ورائداً في توجيه الرأي العام إلى ضرورة هذه المسألة أو تلك. ومنذ ما عرف باسم عصر النهضة العربية، تحتل قضية إقدار المرأة وتمكينها مكاناً بارزاًَ في الأفكار والكتابات، وهي تقول على العموم بثلاثة أمور: الحق الإنساني، والحق الإسلامي، والاعتراف بالإمكانات بدلاً من تعطيل طاقات نصف المجتمع. فالأمر غير محتاج للضغوط بل هي مطالب واحتياجات، يأتي التلاؤم مع السياقات لجهة تحقيقها، مفيداً في الاستقرار، ومفيداً في التنمية والتكامل الاجتماعي والثقافي والإسلامي. ففي العمليات الاجتماعية والسياسية الزاخرة، يعتبر التلاؤم المتفهم والحازم في الوقت نفسه، محققاً لأغراض كبرى لا تفيد فيها المجازفة، ولا يخدم فيها التصلب والتوقف. فالأمر كما قال رسول الله صلوات الله وسلامه عليه: إن المُنبتّ لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى! لقد كان نهج الملك عبدالله بن عبدالعزيز ومنذ كان ولياً للعهد: الإصلاح والتغيير. وخطوة تمكين المرأة وإقدارها سياسياً فيها من الأمرين، أمر الإصلاح، وأمر التغيير باتجاه الأحسن والأفضل والأكثر إنصافاً وعملاً، للجديد الواعد والمتقدم.