نجاح النسخة الأولى من منتدى الأعمال الذي نظمته وكالة التجارة الإيطالية في المملكة العربية السعودية    استهلاك الكهرباء في القطاع السكني بلغ 161,207 جيجاواط ساعة خلال عام 2024م    تطورات الذكاء الاصطناعي في المملكة العربية السعودية تمهد الطريق لبناء المهارات وفرص النمو    بأمر ترامب.. البدء بإجراءات تصنيف "الإخوان" منظمة إرهابية    القبض على شخصين لترويجهما 3 كيلو جرامات من نبات القات المخدر    أكثر من 13.9 مليون مرة أداء للعمرة خلال شهر جمادى الأولى    أمير منطقة الجوف يرعى اللقاء الثالث والستين من "ليالي الجوف"    عنبر المطيري تُشعل «وهج القصيد» في أمسية شعرية تحت مظلة الشريك الأدبي    الأمم المتحدة تطلق عملية لانتخاب أمين عام جديد لها    الصين تحذر من أنها "ستسحق" أي محاولات أجنبية للتدخل في شؤون تايوان    إنقاذ طفل يعاني من انسداد خلقي في المريء بتبوك    بطل فريق هنكوك السعودية سعيد الموري يشارك في رالي جدة بدعم مجموعة بن شيهون وشركة الوعلان للتجارة    ولي العهد والعاهل الأردني يناقشان التطورات    القيادة تهنئ رئيس مجلس رئاسة البوسنة والهرسك ورئيسة سورينام    ضبط مخالفين لنظام البيئة في القصيم    خالد بن سلمان يرأس وفد المملكة في اجتماع مجلس الدفاع الخليجي    التأكيد على أهمية ضمان مسار حقيقي للتوصل إلى حل الدولتين    أمير الرياض يستقبل مديري الشرطة ودوريات الأمن    من ذاكرة الزمن    «حراء».. أصالة التاريخ وروح الحداثة    «الشؤون الإسلامية» تختتم الدورة العلمية لتأهيل الدعاة في كينيا    عبدالعزيز بن سعد يُدشِّن خدمات "مدني الحفير"    ذروة استثنائية في المسجد الحرام    «غزة الإنسانية» توقف أعمالها بعد منعها توزيع المساعدات    أمير نجران يثمّن حصول مستشفى الملك خالد على الدرع الذهبي من "ELSO"    زيارة تاريخية تصنع ملامح مرحلة جديدة    حماس تعلن تسليم جثة أسير إسرائيلي.. نتنياهو يحذر من خرق اتفاق وقف النار    «الجوازات» تصدر 25,646 قراراً بحق مخالفين    علماء: مذنب يقترب من الأرض مطلع يناير    "الداخلية" تسهم في إحباط محاولة تهريب مخدرات    «حقوق الإنسان» تطالب بالتحقيق في استهداف «عين الحلوة»    موسكو تطالب بجدول زمني لانسحاب الاحتلال    انتهاء تسجيل العقارات ب«مكة» و«الشرقية» غداً    388.1 مليار ريال استثمارات الأجانب    أزمة اللغة بين العامية والفصيحة    المسرح الشبابي    «مركز الموسيقى» يحتفي بإرث فنان العرب    دك شباك الشرطة برباعية.. الهلال يعزز صدارته للنخبة الآسيوية    المملكة وإيطاليا يوقعان مذكرة تفاهم في المجالات الرياضية    خماسي الريال الغاضب يهدد بإقالة المدرب ألونسو    تعزيز تنافسية بيئة الأعمال    تماشياً مع الأهداف العالمية للصحة والتنمية.. الربيعة: السعودية حريصة على حماية حقوق التوائم الملتصقة    غزال يقتل أمريكية أنقذته    جورجية تفقد النطق بسبب السجائر الإلكترونية    الصادرات غير البترولية تقود نمو التجارة السلعية للمملكة    الهلال يتفنن برباعية على حساب الشرطة العراقي    صامطة تنهي المعاناة بشبكة تصريف للأمطار    اتهامات بانتهاكات واسعة في الفاشر ومساع دبلوماسية لإنهاء الحرب    وزير الرياضة يوقع مذكرة تفاهم مع السيد أنطونيو تاياني للتعاون في المجالات الرياضية بين المملكة وإيطاليا    دعم مشروع القائد ورؤيته التي تعمل على استقرار العالم    الموافقة على نظامي الرياضة والرقابة والمالية وإقرار إستراتيجية التخصيص    الحقيقة أول الضحايا    أمير تبوك يستقبل سفير دولة الكويت لدى المملكة    الشؤون الإسلامية في جازان تُشارك في اليوم العالمي للطفل    104% زيادة بتوثيق عقود الشركات    117 دقيقة لأداء العمرة    تحت رعاية عبدالعزيز بن سعود.. تكريم المتقاعدين من منسوبي الأحوال المدنية    «الحج»:«نسك عمرة» منصة موحدة وتجربة ميسرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاعتراف المنتزع والتطبيع المفروض
نشر في الحياة يوم 16 - 12 - 2007

ليس هناك خلاف بين الباحثين في علم النفس السياسي حتى الإسرائيليين منهم أن الشخصية الإسرائيلية شخصية معقدة.
والشخصية الإسرائيلية هي وريثة الشخصية اليهودية، لأنه قبل إعلان قيام دولة إسرائيل عام 1948 لم يكن هناك من يطلق عليهم إسرائيليين. كان هناك يهود فقط، بعضهم اعتنق الصهيونية كإيديولوجية سياسية تؤمن بحق اليهود في إقامة دولة يهودية خاصة بهم، وبعضهم الآخر رفض أن يعتنقها.
لماذا أثيرت اليوم مشكلة تعقد الشخصية الإسرائيلية؟ يرد ذلك إلى المطالب التي أعلنها ايهود أولمرت رئيس وزراء إسرائيل قبيل انعقاد مؤتمر أنابوليس وهي ثلاثة مطالب.
المطلب الأول الاعتراف الفلسطيني والعربي ب"يهودية"دولة إسرائيل. والمطلب الثاني موجه الى الدول العربية كي تمارس التطبيع مع الدولة الإسرائيلية. والمطلب الثالث موجه الى السلطة الفلسطينية كي تعمل على تفكيك البنية التحتية للمقاومة الفلسطينية، أي القضاء - بكل بساطة - على فصائل المقاومة سواء كانت تنتمي ل"فتح"أو ل"حماس".
والسؤال الذي ينبغي إثارته هنا: ما هو المقابل الذي ستدفعه إسرائيل في مقابل تحقيق هذه المطالب؟ والإجابة لا شيء! مجرد وعد تافه بمواصلة المفاوضات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية سعياً لإنشاء كيان غامض غير محدد الملامح اسمه الدولة الفلسطينية.
كيف يمكن تفسير هذا السلوك التفاوضي الإسرائيلي الغريب، والذي لا سابقة له في الخبرات التفاوضية للدول؟
لا يمكن في رأينا فهم هذا السلوك بغير رده - كما أسلفنا - إلى الطبيعة المعقدة للشخصية اليهودية. ونحن نعلم سلفاً أن هناك اعتراضات في علم النفس الاجتماعي المعاصر على بحث"الشخصية القومية"، وذلك على أساس أن هذا المفهوم عادة ما يستخدم للتضخيم من شأن بعض الشعوب، أو للتهوين من قدر شعوب أخرى.
ولكنني بعد أن أتيح لي مسح التراث العلمي لأبحاث الشخصية القومية وأنا بصدد تأليف كتابي"الشخصية العربية بين مفهوم الذات وتصور الآخر"القاهرة 1973، اقتنعت بأنه يمكن استخدام مفهوم الشخصية القومية بطريقة علمية لو عرفنا أن هناك ثلاثة مفاهيم أساسية لدراستها وهي:"البناء الأساسي للشخصية"والذي يركز على التنشئة الاجتماعية في فترة الطفولة المبكرة وتأثيرها من بعد على سلوك البالغين. وارتبط هذا المفهوم باسم المحلل الأميركي النفسي الشهير كاردنر. والمفهوم الثاني هو"الشخصية المنوالية"Modal وهو يعني أكثر السمات النفسية والاجتماعية شيوعاً بين أفراد مجتمع ما ويرتبط هذا المفهوم باسم الأنثروبولوجي الأميركي رالف لينتون. والمفهوم الأخير هو"الطابع الاجتماعي"والذي يميز بين الطابع الاجتماعي Character والطابع الفردي. ويرتبط هذا المفهوم باسم المحلل النفسي الماركسي الأميركي إريك فروم. وفي تقديرنا أن استخدام أي من هذه المفاهيم بشكل منهجي منضبط يمكن أن يؤدي إلى الفهم العلمي لشخصية قومية ما.
الطابع المزدوج
لو عدنا الى تحليل طبيعة الشخصية اليهودية لقلنا على سبيل الإجمال إنها تعتمد على إدراك الذات لنفسها، ونعني إدراك اليهود لأنفسهم، وإدراكهم للأغيار Gentiles بالتعبير اليهودي أو"الاغيار"أي من ليسوا يهوداً بعبارة أخرى.
وكشف بموضوعية نادرة عن هذه الشخصية اليهودية المعقدة باحث يهودي ولد في حيفا عام 1934 هو جاي غونين Jay Gonen الذي تلقى تعليمه في علم النفس في الولايات المتحدة الأميركية وأصبح أستاذاً في جامعة روشستر.
وألّف غونين كتابين مهمين. الأول عنوانه"الهوية اليهودية: منظور نفسي اجتماعي"الصادر في كاليفورنيا عام 1977، والثاني عنوانه"تاريخ نفسي للصهيونية"الصادر في نيويورك عام 1975.
ويتميز غونين بأنه من أكثر العلماء اليهود موضوعية في تعرضه لمفهوم الذات اليهودية. ونجح في أن يضع يده على مفتاح أساسي لفهم الشخصية اليهودية، من خلال تركيزه على مفهوم الذات والنظرة إلى الآخر. ويقرر أنه استمراراً لتقاليد دينية وممارسات ثقافية واجتماعية ممتدة، يفرق اليهود بين أنفسهم وغير اليهود. فاليهودي تقليدياً يعتبر أنه يعمل عقله وفكره في المقام الأول، في حين أن غير اليهودي يمكن أن يقنع بالأعمال اليدوية التي لا يقبل اليهودي ممارستها باعتبارها مهينة له.
ومن هنا يمكن القول إن التفرقة الحاسمة بين اليهود و"الأغيار"تعد أساسية لفهم أعماق الشخصية اليهودية، وأبعاد الشخصية الإسرائيلية من بعد. وهذه التفرقة هي التي شكلت سمة أساسية لليهود، وهي إحساسهم بالسمو إزاء"الأغيار"الأقل تعليماً وثقافة. وكذلك الشعور بالدونية إزاء المعاملة الاجتماعية من قبل"الأغيار"التي يتعرض لها اليهود، والتي تحمل في طياتها الاحتقار.
والتفت تيودور هرتزل إلى هذه السمة فكتب في يومياته بتاريخ 22 تموز يوليو 1895 تحت عنوان"مبحث في النفسية القومية""ان اليهود الذين هم شعب محتقر تواقون للإحساس بالشرف والكرامة. ومن هنا فإذا استطاع شخص أن يعبئهم تحت هذا الشعار، فإنه يمكن أن يقودهم".
وهكذا أقنع هرتزل اليهود بأنه لا سبيل أمامهم سوى تبني الصهيونية كإيديولوجية سياسية تؤدي مع الزمن إلى إنشاء دولة إسرائيل التي سيحسون تحت علمها بالشرف والكرامة.
نشأت الدولة عام 1948، ولكنها أظهرت هويتها منذ اللحظة الأولى باعتبارها دولة استعمارية احتلالية عنصرية. وارتكبت عشرات المذابح ضد الشعب الفلسطيني لاقتلاعه من أرضه التاريخية.
وها هي اليوم في مؤتمر أنابوليس وبعد كل الجولات الدامية التي خاضتها ضد العرب، وبعد هزيمتها الساحقة في حرب تشرين الأول أكتوبر 1973 تناور وتداور وتراوغ حتى لا تعطي الشعب الفلسطيني حقه المشروع في إقامة دولته المستقلة.
على العكس هي تتقدم بمطالب مستحيلة توجهها للعرب عموماً وللفلسطينيين خصوصاً وكأنهم جيش مهزوم تريد أن تنتزع منهم الاعتراف بيهودية الدولة وتسعى بلا ثمن مدفوع ومن دون مقابل الى فرض التطبيع على الدول العربية. أليس في ذلك ترجمة عملية للطابع الأصلي للشخصية اليهودية، ونعني إحساسها المتضخم بذاتها، واحتقارها لغيرها؟
* كاتب مصري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.