دافع العاهل الإسباني الملك خوان كارلوس، في مستهل زيارته المثيرة للجدل لمدينتي سبتة ومليلية المحتلتين شمال المغرب، عن خطوته هذه التي أثارت احتجاجات واسعة في المغرب، وقال ان زيارته لسبتة التي بدأت أمس"التزام... كان عليّ الوفاء به". واقتحم متظاهرون مغربيون غاضبون مركز العبور"باب سبتة"الذي يفصل الامتداد الطبيعي للأراضي المغربية عن سبتة، وتقدموا بضعة أمتار اقيمت عليها حواجز أمنية وجمركية، ما اعتُبر سابقة في تصعيد خلافات البلدين. وفي موقع محاذ لمليلية على الساحل المتوسطي شمال شرقي البلاد قادت تنظيمات غير حكومية ونواب في البرلمان ومنتخبون محليون تظاهرات في مركز"بني أنصار"الذي يبعد بضعة أمتار عن مليلية المحتلة. وعرض شهود لوقائع اقتحام المركز الحدودي في سبتة فقالوا إن الحشود الغاضبة التي ضمت آلاف المتظاهرين الذين انطلقوا من تطوان والمضيق والفنيدق ومنطقة بن يولش التي تطل على جزيرة"ليلى"وكانوا يحملون الأعلام المغربية ويرددون"سبتة ومليلية والصحراء مغربية"، تمكنوا من الوصول الى المركز الحدودي على رغم تطويقه بقوات الأمن التي انتشرت بكثافة في المعابر والهضاب والساحات المؤدية الى"باب سبتة". غير أن المتظاهرين توقفوا أمام الجانب الإسباني للحدود. وقال نشطاء ان المتظاهرين لم يكونوا يقصدون تحطيم الحواجز وانما توجيه"رسالة قوية"الى السلطات الإسبانية تؤكد اعتبار الزيارة مرفوضة وذات طابع استفزازي"لا يخلو من إهانة المشاعر المغربية". وزاد غليان الجموع التي احتشدت أمام المركز الحدودي بالتزامن مع بدء زيارة العاهل الاسباني والقائه خطاباً في بلدية المدينة جاء فيه أن زيارته"التزام ووفاء"أمام سكان سبتة. وأعلن خوان كارلوس أ ف ب في خطاب القاه امام المجلس البلدي في المدنية التي تحظى بحكم ذاتي:"كان عليّ التزام لا بد من الوفاء به ازاء سبتة وسكان سبتة وسلطاتها وكذلك ازاءنا نحن الملك". وتابع:"لم أرغب في مرور مزيد من الوقت من دون أن آتي إلى سبتة لاعبّر لكم عن تعاطفنا ودعمنا". لكنه لم يتطرق مباشرة إلى الاستياء الذي اثارته زيارته في الرباط. واضاف"نحن بلد مندمج تماماً في الاتحاد الأوروبي الذي يكن صداقة صريحة مع جيرانه وتعاوناً وثيقاً مع العالم أجمع". وشكر سكان المدينة"لاستقبالهم الحار"، معتبراً أن سبتة تمثل نموذجا في مجال"التعايش"بين الثقافات والأديان. ويختم الملك الإسباني زيارته لسبتة مساء قبل أن يتوجه اليوم الثلثاء الى مليلية ثاني مدينة اسبانية في شمال المغرب. وقال رئيس الوزراء المغربي عباس الفاسي في اثناء جلسة للبرلمان المغربي خصصت لزيارة العاهل الاسباني لسبتة ومليلية،"ان على اسبانيا أن تدرك أن زمن الاستعمار قد ولّى". كذلك وصف أعضاء مكتب مجلس المستشارين الزيارة ب"المستفزة التي تضرب في العمق الأعراف والتقاليد الدولية، وتخدش التقدير الكبير الذي يكنه الشعب المغربي لإسبانيا". وأكدوا في الاجتماع الذي رأسه مصطفى عكاشة، رئيس المجلس، أن توقيت هذه الزيارة"غير بريء ويحمل دلالات استفزازية غير مسبوقة". ورد مسؤولون ونواب في الرباط على كلام الملك خوان كارلوس عن الوفاء لسكان سبتة بأنه يجب أن يكون وفاء لمتطلبات الصداقة، في ضوء احترام الحقائق القانونية والتاريخية والجغرافية للمدينتين المحتلتين. ودعوا الرأي العام الإسباني إلى الضغط على حكومته لتلافي تصعيد الأزمة القائمة بين البلدين. وأفاد عائدون من مدينة سبتة أن السلطات الاسبانية طلبت الى السكان عدم ارسال ابنائهم الى المدارس بالتزامن مع زيارة العاهل الإسباني ووزعت آلاف الصور له ولعقيلته الملكة صوفيا لحملها إبان الزيارة، كما نشرت اعداداً متزايدة من قوات الأمن لتلافي أي انفلات. وقال ناشطون من سبتة ان السلطات داهمت منازل اشخاص معروفين بولائهم للمغرب وعمدت إلى ترحيلهم أو احتجازهم في أماكن خاصة الى حين انتهاء الزيارة خوفاً من تنظيم تظاهرات ضدها. بيد أن الدخول الى المدينة عبر باب سبتة اقتصر أمس على المغاربة العاملين هناك في قطاعات التجارة والخدمات، على عكس الايام العادية التي يفد على المدينة آلاف الزوار من سكان المناطق المجاورة الذين يجلبون السلع الاستهلاكية والالكترونية وأنواع المنتجات المختلفة التي تعرض في اسواق المدن المجاورة بكثافة ملحوظة. وتخشى السلطات الاسبانية تنفيذ خطة مقاطعة هذه المنتجات، ما قد يخنق اقتصاد المدينة ويصيب تجارتها بالكساد. وحرص منظمو التظاهرة الحاشدة على تسليم القنصل الاسباني في تطوان خيمنس أوغارتي بياناً وصفوا من خلاله الزيارة بأنها"ترمي الى تعكير صفو علاقات البلدين"وانها"تكرس المنطق الاستعماري"في التعامل مع قضايا الشعوب. وعرض البيان الى وقائع بهذا الصدد تطاول اكتساح القوات الاسبانية جزيرة ليلى في عام 2003 وزيارة رئيس الوزراء الاسباني خوسي لويس ثاباتيرو سبتةالمحتلة ثم زيارة خوان كارلوس الحالية، وأكد البيان العزم على استرجاع المدينتين المحتلتين"مهما كلّف ذلك من تضحيات جسيمة". ورجحت المصادر ان تعيد زيارة العاهل الاسباني للمدينتين المحتلتين ملفات خلافية الى الواجهة، في مقدمها ان نشطاء حقوقيين دعوا مرات عدة حكومة مدريد الى تقديم اعتذار الى سكان الريف والشعب المغربي حول استخدام الغازات السامة والاسلحة المحظورة في مواجهات بين القوات الاسبانية والمقاومة المغربية في عشرينات القرن الماضي.