ذهب الفيلم الوثائقي "عبدالله" الذي تعرضه قناة "العربية" على حلقات، بعيداً في عرض الأبعاد الاستراتيجية لسياسة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز. إذ تناول الفيلم الذي بدأ عرضه أول من أمس، في الحلقتين الأوليين الخطوط العريضة للنهج السعودي، وتحديداً دور خادم الحرمين في صوغ هذا النهج منذ كان ولياً للعهد، ووصولاً لاعتلائه سدة الحكم. جاء عرض المعلومات في هاتين الحلقتين أشبه ب"شريط سينمائي"سريع، حاول السيطرة على طرفي معادلة لم يكن الجمع بينهما أمراً سهلاً، وهما عرض المسارات المتعددة للسياسة السعودية، وأهمية"التفاصيل"التي تحتويها هذه المسارات. إذ أن التطرق لقضية بحجم زلزال الحادي عشر من أيلول سبتمبر 2001، والموقف السعودي من الأزمة، لم يكن كافياً له أن يكون في الربع الأول من الحلقة الأولى، فضلاً عن جمع قضايا ترسيم الحدود السعودية - اليمينة، ولوكربي، والحرب الأميركية على العراق، والعلاقات السعودية الإيرانية، وغيرها في حلقة واحدة. هذا الزخم من العناوين جاء على حساب"التفاصيل الصغيرة"، التي حاول الفيلم أن يوفرها، وتضمنتها في شكل عام مجمل إشارات الضيوف من الرؤساء والمسؤولين، وإن كان فضول المُشاهد لا يتوقف عن التطلع الى معرفة المزيد. بدأ الفيلم في حلقته الأولى بحديث ولي العهد السعودي الأمير سلطان بن عبدالعزيز، الذي أكد أن"الحزم صفة رئيسية لمن يقود أمة"، وهو ما جاء مقدمة منطقية لبقية الفقرات المتضمنة المبادرات والجهود التي قادها خادم الحرمين، والتي تأخذ في مجملها شكل"الحلول الاستباقية"للأزمات السياسية، إذ تتكئ جميعها على عنصر"الحزم"كأساس لأي ديبلوماسية فاعلة. كلا الحلقتين جاءت عامرة بالضيوف، وأيضاً بمحاولة عرض أكبر كمية ممكنة من المعلومات، والتي كانت تصطدم في النهاية ب"حاجز الوقت"، غير أن خروج الديبلوماسيين عن"الديبلوماسية"في حديثهم، كان أجمل ما التقطه المُشاهد المتطلع بطبعه لأي"خروج عن النص". وجاء ذلك واضحاً في حديث ولي العهد السعودي عن اتفاق ترسيم الحدود بين السعودية واليمن، إذ روى انه عندما أُبلغ عن تعديلات يمنية على بعض البنود، اتصل"في الساعة السادسة صباحاً بالرئيس اليمني علي عبدالله صالح، وأيقظته من النوم، وتحدثت معه بما سمعت، وأكد لي عدم تعديل أي بند في الاتفاقية". وفي هذا السياق تحديداً كان الضيوف هم"المتحدثون الرئيسيون"، إذ ابتعد المُشاهد عن أي نمطية في التعليق الوثائقي على الأحداث، عندما جاءت القضايا المصنفة إعلامياً ب"الأرشيفية"، بعيدة من كل ما هو أرشيفي، كما هي المعلومات التي تضمنها حديث الأمين العام لمجلس الأمن الوطني الأمير بندر بن سلطان عن الجهود السعودية في قضية لوكربي، وربطها بجهود نيلسون مانديلا، وتحليله لمغزى توحد الجهود السعودية والجنوب أفريقية لحل الأزمة الليبية. وهنا يرى المُشاهد أن الأمير بندر لم يكن سفيراً لبلاده في واشنطن فحسب، بل سفيراً ل"المهمات الصعبة". كشف الفيلم الوثائقي في هاتين الحلقتين عن أكثر من"مفاجأة سياسية"، كان أبرزها تهديد الملك عبدالله بن عبدالعزيز بقطع العلاقات السعودية ? الأميركية، بسبب ما اعتُبر انحيازاً من جانب الإدارة الأميركية تجاه إسرائيل، وتفريطاً بالحقوق الفلسطينية المشروعة، إضافة إلى حديث وزير الخارجية الأميركي الأسبق كولن باول للأمير بندر بن سلطان في اليوم التالي لأحداث الحادي عشر من أيلول، بأن"العلاقات السعودية - الأميركية ستمر بأيام صعبة". كثيرة هي التفاصيل التي تضمنتها بداية هذا الفيلم الوثائقي الغني والجديد من نوعه، والمُشاهد سينتقل في الحلقات المقبلة من رؤية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز لآفاق العلاقات الدولية، إلى"تفاصيل أكثر دقة"تتعلق بحياة الملك الشخصية، والتي يتوقع ان تطرح معها"مفاجآتها". * الجزء الثالث يعرض اليوم في الساعة 19 بتوقيت غرينتش