الاندفاع الذي يبديه مدير أعمال نانسي عجرم، جيجي لامارا، للفت انتباه الاعلاميين في لبنان والعالم العربي الى أداء نانسي لأغنية "مستنياك" المعروفة للمغنية عزيزة جلال، والى الأسلوب الغنائي الخاص الذي تعتمده نانسي في ذلك الأداء، كان يمكن أن يكون أكثر فائدة وتأثيراً لو أنه وُظّف في سبيل أغنية"اللي كان"الخاصة بنانسي والتي تنتمي الى عالم الغناء الجميل و"الثقيل"نسبياً قياساً بالأغاني الخفيفة الشائعة للمغنية الشابة... فجيجي لامارا يريد من خلال اندفاعه ذاك أن يرسم لوحة أخرى، أو أقلّه أن يضيف خطوطاً جديدة في لَوْحة نانسي عجرم الادائية لدى الجمهور على اعتبار أن أغنية"مستنياك"ثقيلة إيقاعاً وتلحيناً، وترتبط بذاكرة الجمهور العريض كواحدة من الأغاني الخالدة، وتالياً فإن أداء نانسي لها قد يوحي ب"ثقل"ما في صوتها يفيدها في تعميق صورتها كمغنية تحسن الأغاني المتطلبة لا الأغاني العابرة فقط. ربما يكون اندفاع جيجي لامارا مبرراً، مع أنه يناقض توجهه السابق الذي كان يتحاشى غالباً وضع نانسي في قوالب غنائية"طربية"لا لنقص في صوتها، وإنما لاصرار عنده على أن نانسي ينبغي أن تغني عُمرَها ولجمهور من عمرها. ويمكنه أن يكمل الاندفاع ولا سيما بعد صدور"مستنياك"في البوم مع بعض الأغاني الخاصة التي لاقت رواجاً كبيراً بصوت نانسي عجرم الرقيق والخصب معاً... لكن أغنية"اللي كان"هي التي تحتاج تركيزاً اعلامياً وحتى اعلانياً عليها، أولاً لأنها أغنية من النوع الجديد على صوت نانسي، وثانياً لأنها تحمل شخصية نانسي الشبابية، وثالثاً لأن اللحن الذي وضعه وليد سعد بخبرة قوية ومعرفة أكيدة بإمكانات حنجرة نانسي أراد من خلاله تقديم انطباع بأنه ملحن يستطيع انجاز ألحان جديدة بنكهة"طربية"لصوت جديد يمكن إظهار بعض مساحاته"الطربية"فلا يبقى محصوراً بالمساحة الأدائية المعروفة عنه في الأغاني الشائعة... وبقليل من إمعان النظر يسهل التمييز بين صوت نانسي الحيوي والمتحرك والمتلوّن و"الخاص"في أغنية"اللي كان"، وصوتها الذي يحاول أن يقول شيئاً أو يفعل شيئاً بأغنية لم يبق صوت عربي، نسائي أو ذكوري، إلا وأنشدها في لحظة من لحظات الحفلات الحية على مدى عقدين تقريباً في العالم العربي، فلا يصل هذا الصوت مبتغاه إلا قليلاً، وقليلاً جداً. ف"مستنياك"أُشبعت احساساً أدائياً بأصوات كثيرة، وربما لم يبقَ فيها مكان لأداء مغاير إلا اذا قُيّض لها صوت أكبر وأوسع عاطفة من صوت نانسي بكثير، يأتيها أدائياً من مواقع مختلفة أصلاً وفصلاً عن موقع نانسي ... في"اللي كان"تمارس نانسي حضورها الأدائي الخاص: لا تقلّد أحداً ولا تتماهى مع أحد ولا تحاول أن تسترضي ذائقة أحد أو ذائقة فئة معينة من الجمهور، ولهذا فإن الأغنية أصابت في عقل أغلب الجمهور العربي وقلبه محبة، وشغلت حيّزاً من انتباهه الفني. أما في أغنية"مستنياك"فبدت نانسي تمارس حضوراً أدائياً آخر لا علاقة عضوية لها به، خصوصاً بعد تكوينها حضورها المحبب، وتوقيعها الغنائي المعروف. صحيح أن الخطأ الأبرز في أغنية"اللي كان"هو تكرار لحن المطلع في مقاطع الأغنية من دون أي تلوين، والاكتفاء بتبديل الكلمات فقط، ما حجّم الأغنية ووضعها في سياق أدائي محدود على جَمَاله، بينما كانت"مستنياك"متعددة الألوان النغمية والأدائية، لكن الصحيح أيضاً هو أن"مستنياك"كشفت محدودية صوت نانسي أمام أغنية بأبعاد عميقة وغنية، بينما أفسحت أغنية"اللي كان"المجال أمام احتمال جَمَالي قد يصبح أغنى وأعمق اذا عرفت نانسي استغلاله في صوتها. اللي كان... من صوت نانسي عجرم في أغنية"اللي كان"... هو أكبر من اللي كان من صوتها في"مستنياك"... ولو لم يدر جيجي لامارا!