لا قاعدة واضحة تحكم حركة أطفال الشوارع في دول عربية، لكن أبرز ملامحها في السعودية يأخذ شكل استغلال المواسم والأماكن الدينية، ويظهر حول المساجد المنتشرة في المدن، إلى جانب تقاطعات إشارات المرور. وتختلف أشكال تسول الأطفال باختلاف الزمان والمكان، وحتى الجنسية. ويعمد المتسولون الأفارقة من الأطفال إلى استدرار عطف المارة عبر عرض إعاقاتهم الجسدية من أجل الحصول على"غلة"اليوم. وتشوب إعاقات هؤلاء الأطفال شبهات متعددة، إذ توجه اتهامات إلى شبكات تدير مجموعات من المتسوّلين وتصل إلى حدّ اتهام هذه الشبكات بالوقوف وراء الإعاقات التي يعاني منها الأطفال، إذ تقوم ببتر أحد الأطراف وإحداث عاهات دائمة تُعبر عن حال الطفل وسبب وجوده في الشارع. نوع آخر من استدرار العطف يلجأ إليه متسولون آخرون وهو شرح المعاناة التي يعيشونها، وظروفهم الأسرية الصعبة، والتي تتمثل بديون متراكمة على الأسرة، وعدم القدرة على سداد إيجار البيت، ومرض أحد الوالدين أو موته. ولا يحتاج الأطفال في الحال هذه إلى كثير من الجهد في الإقناع، إذ تتكفل براءتهم، ودموعهم البائسة في حسم المسألة لمصلحتهم. وإذا كان مصطلح"أطفال الشوارع"بمفهومه العام يتجاوز حال التسول، إلى التشرد، والنوم على الأرصفة، فإنه في الحال السعودية يكاد يقتصر على زاوية التسول، والتي تتم بتنظيم كبير، حيث يجتمع الأطفال المتسولون عند المساجد، أو إشارات المرور في وقت واحد، إذ يقوم المشرف عليهم بترتيب هذه العملية، والتي تشتمل في أساسها على مكان السكن الذي يتكدس فيه عدد كبير من الأطفال"غالبيتهم من الأجانب وتحديداً من الجنسيات الإفريقية واليمنية"، وتوزيعهم على نقاط العمل، ثم أخذهم بعد نهاية الفترة المحددة لهم، بعد مصادرة ما يجنونه، ما يحوّلهم إلى"موظفي شوارع". ولا تعني ظاهرة"العمل المنظم"في استغلال الطفولة للحصول على المال، انتفاء وجود حالات خارجة عن هذا النسق، وتتم في شكل فردي، ومن مواطنين يدفعون أطفالهم إلى التسول، إلا أنها تبقى محصورة نسبياً. وتساهم الحركة في موسمي الحج والعمرة في تدفق أعداد كبيرة من الناس، بعضهم لا يلتزم أنظمة الإقامة والعمل، ويتخلّف عن العودة إلى بلاده. وتبدأ بعدها نواة"مافيا التسول"في التشكّل، وتتركز في الأحياء العشوائية، لتبدأ بعدها رحلة الوصول إلى"جيوب المحسنين"، كما يساهم تهريب الأطفال اليمنيين تحديداً إلى السعودية في ضخ موارد بشرية تدعم حركة التسول. ولا يجد الواقف عند إشارة المرور، لو دفعه الفضول لمعرفة اسم الطفل المتسول، أو الأسباب التي دفعت به إلى الوقوف تحت أشعة الشمس الحارقة، أو تركه المدرسة وبيعه قوارير الماء، أي إجابة. إذ تبدو التعليمات مشددة في هذا الجانب، ولذا لم يتردد أحدهم عند سؤاله عن سبب وقوفه بالقول:"ليس لك شأن"، وهنا تبدو الخصوصية الفردية احدى ضرورات العمل، إذ الخيار المطروح لمن يتعامل معهم، إما التبرع وإما الصمت. وأوضح مركز البحوث والدراسات في كلية الملك فهد الأمنية بعض النتائج التي توصلت إليها دراسات سابقة تشير إلى أن 68 في المئة من الأطفال الباعة عند إشارات المرور في الرياض غير سعوديين، وأن معظم أعمار الأطفال تتراوح بين 6 و8 أعوام، ويتحدرون من أسر غير ملتزمة التعليم. وأشارت النتائج إلى عدد من العوامل المؤدية إلى"حال أطفال الشوارع"، تتعلق بالأبعاد الاقتصادية والاجتماعية المتصلة بالأسرة، إذ إن شعور الطفل بعجز الأسرة عن دفع تكاليف التعليم يؤدي به إلى تركه، والتوجه إلى العمل، إضافة إلى الأزمات المالية التي يتعرض لها معيل الأسرة، واليتم، والعنف الأسري، والتمييز بين الأبناء، اذ ذهب عدد من الباحثين إلى أن العنف تجاه الأطفال وما يعانيه بعضهم من ضرب، وحرمان، يدفع بهم إلى الهروب من منازلهم.