ماذا سيكتب المؤرخون عما ذُكر عن الخلافات بين القادة العسكريين الاميركيين والبريطانيين خلال الحرب على العراق لاسقاط صدام حسين؟ حتى الآن ظهرت بعض الخلافات التي وصفت بانها"سطحية"، وانبثقت عن الرؤية السياسية المختلفة للقيادتين السياسيتين في واشنطن ولندن فقط. لكن يُعتقد بان التاريخ سيكشف مستقبلاً"هوة كبيرة"بين الطرفين تُشبه الى حد ما"الكراهية"و"الاحتقار"التي تبادلها كل من الجنرال دوايت ايزنهاور القائد العام لقوات الحلفاء في الحرب العالمية الثانية والذي قاد حملة تطهير اوروبا من النازية انطلاقاً من بريطانيا العام 1944، والفيلدمارشال مونتغومري الذي قاد القوات البريطانية والكندية في الحملة تحت قيادة ايزنهاور. وفي معرض يُقام في جامعة ادنبرة، على هامش مؤتمر عن المراسلين الصحافيين اثناء الحرب، تُعرض وثيقة اميركية التي هي عبارة عن ملاحظات كتبها كونيليوس رايان المراسل الحربي الاميركي من اصل ايرلندي وضمنها مقابلاتين مع ايزنهاور ومونتغمري ونظرة كل منهما الى الآخر. والكراهية بين القائدين العسكريين الاميركي والبريطاني معروفة منذ نحو 60 عاماً، لكنها المرة الاولى التي تُكشف فيها التفاصيل والكلام الموثق لكل من الضابطين. وروى كورنيليوس الذي غطى، من الجانب الاميركي، حملة تحرير اوروبا، في كتاب"اطول يوم"الذي باع عشرات الالف النسخ وصور سينمائياً وتلفزيونياً، ما جرى في الحملة. واتبعه بكتاب آخر باسم"المعركة الاخيرة"، وضمنهما مقابلات مع القادة العسكريين، في طليعتهم ايزنهاور ومونتغمري، الذين شاركوا في القضاء على جيوش هتلر واحتلال برلين. وتتناول الوثيقة المعروضة في ادنبرة، والتي كُتبت العام 1963، ما سجله كورنيليوس بخطه عن مقابلته لايزنهاور الذي"ثار وزمجر"عندما ورد اسم مونتغمري. ووصف القائد الاميركي نظيره البريطاني بانه"مختل عقلياً"مجنون. وقال ايزنهاور لمحاوره"لا تنسى انه مونتغمري اناني ويعتقد بانه الوحيد الذي لا يرتكب خطأ وهو دائماً على حق وان كل ما يقوم به يكون دقيقاً وكاملاً وصائباً على رغم ان ذاكرته تخونه مرات عدة". وكانت العلاقات بين الطرفين تدهورت منذ اللقاء الاول بينهما العام 1942، عندما اظهر مونتغمري ضيقه من ان ايزنهاور يدخن في حضوره... من دون ان يردع الضيق البريطاني القائد العسكري الاميركي عن تناول السيجارة تلو الاخرى... ولم يغفر اي منهما للآخر هذه الواقعة. وكان مونتغمري مزهوا كثيراً بنفسه، بعد النصر الذي حققه في معركة العلمين وعندما قاد القوات الحليفة لطرد جيوش هتلر بقيادة الفيلد مارشال رومل، من مصر وشمال افريقيا. وكتب كورنيليوس نقلاً عن القائد البريطاني قوله"انه ايزنهاور حيوان سياسي لم يقد جيوشه في اي معركة على الاطلاق... انه شاب طيب فقط وليس جندياً جيداً ابداً". ونقل كونيليوس عن مونتغمري وصفه لايزنهاور بقوله ان"التاريخ سيُسجل انه كان قائداً اعلى للحملة لكنه كان سيئاً جداً في الميدان". واضاف"لم تكن لديه الخبرة للمنصب وقد عرفت ذلك منذ البداية". وكان رئيس وزراء بريطانيا اثناء الحرب العالمية الثانية ونستون تشرشل قال عن مونتغمري في مذكراته"انه في الخسارة لا يخسر... وفي الانتصار لا يُطاق"، كما اشار الى انه كان القائد الحقيقي لحملة تحرير اوروبا. يُشار الى ان الشعب الاميركي كافأ ايزنهاور على النصر بانتخابه رئيساً العام 1952 في حين اكتفت بريطانيا، في العام 1946، بتكريم مونتغمري بمنحه لقب فيسكونت وبجعله رئيساً لاركان الجيوش البريطانية في المملكة المتحدةوالمستعمرات.