انتشرت الديموقراطية في العقد الأخير من القرن الماضي، في أنحاء العالم، لا سيما في الجزء الذي كان الحزب الشيوعي يتسلط عليه. وبرزت استثناءات قليلة، منها الصين، حيث نجح الشيوعيون في تخطي التحدي الذي فرضته تظاهرات الطلاب في ساحة تيان آن مين، في 1989، بسبب الإجراءات العسكرية الصارمة. ويتزايد، حالياً الضغط في سبيل إرساء الديموقراطية، وإن بوسائل مختلفة. والمثال على ذلك هو المؤتمر السابع عشر الحالي للحزب الشيوعي الصيني. فهو دليل على جهود الحزب الحثيثة للحفاظ على حكم الحزب الواحد في وقت يزداد فيه الإلحاح في طلب الحرية والديموقراطية بين شرائح الشعب الصيني، من الطبقة الوسطى إلى الطبقتين الغنية والفقيرة. وتغير المجتمع الصيني في العمق منذ أن أرسى الزعيم السياسي ماو زيدونغ تشي تونغ النظام الشيوعي في 1949. فأحد أكثر البلدان فقراً في العالم، حينها، يبرز في حلة قوة عظمى. ولا شك في أن هذا التغيير إيجابي. وتدين الصين به إلى إصلاحات دينغ هسياو بينغ منذ 1978، فزاد إجمالي الناتج المحلي في الصين ثلاث مرات أثناء 29 سنة. وأنجزت الصين أوسع تقليص للفقر في التاريخ. تواجه الصين مشكلات عظيمة تختبر قدرة زعماء الحزب الشيوعي، الحاليين والقادمين، على الحفاظ على احتكار السلطة، أوليغارشية غير منتخبة. ويواجه الحزب أكبر تحد هو الفساد، المتفشي في صفوفه. والطبقة الوسطى في الصين، وهي الأكثر ثقافة وانفتاحاً على العالم، تشكو التضييق على الحرية، وحظر المناقشة والقمع. وعلى خلاف الهند، لا يملك المواطنون الحق في الحصول على المعلومات فيستخدمون بعض الأحيان شبكة الإنترنت للتنفيس عن الكبت يستخدم 180 مليون شخص شبكة الإنترنت في الصين نظير 60 مليون شخص في الهند والإجراءات التي فرضتها بكين على المدفوعات والمحادثات على شبكة الإنترنت قاسية جداً. وتمارس الطبقة الثرية ضغطاً بطريقة مختلفة من أجل إرساء الديموقراطية. ففي الأسبوع الماضي، كتب المحرر الصيني وو زونغ في أحد أفضل المواقع الإلكترونية التي تعنى بالتطورات في القارة،"إيجيا تايمز أونلاين"، مقالاً مهماً تحت عنوان:"كيف تجلب البورصة الديموقراطية إلى الصين". فقال إن"الرسملة الكاملة في سوق الصين للأوراق المالية تفوق اليوم إجمالي الناتج المحلي في هذا البلد". وأضاف:"من الممكن أن يفوق عدد الصينيين الذي يعملون في تجارة الأوراق المالية عدد أعضاء الحزب الشيوعي الذي يبلغ 73 مليوناً. ففي السنوات العشر الماضية، جذب الحزب أكثر فأكثر الرأسماليين الحمر لينتسبوا إليه. وتختبر الحشود المشاركة في نشاطات سوق الأوراق المالية، معمودية الديموقراطية. وتعتبر طبيعة سوق الأوراق المالية باستثناء تلك التي تدير النشاطات غير الشرعية، ديموقراطية، ويجرى التعامل مع كل مستثمر بالتساوي". وتابع:"يملك كل شخص رأيه الخاص ويتخذ قراراته الشخصية. ومع ذلك، من الممكن أن يعزز التدريب على الديموقراطية الذي يخضع إليه عدد كبير من المستثمرين الصينيين في الأوراق المالية، توجُّه البلد المحتمل نحو إرساء الديموقراطية في المستقبل". واحتجاجات الفقراء وثوراتهم هي مصدر الضغط الثالث على طريق إرساء الديموقراطية. وعلى رغم القضاء تقريباً على الفقر المدقع، إلا أن توزيع المداخيل في الصين هو الأكثر جوراً في العالم. والانقسام الحضري ? الريفي يتفاقم. وحال المزارعين تتردى. وأقر أمين عام الحزب الشيوعي، هو جينتاو ورئيس الوزراء، وين جياباو، بالحاجة الملحة إلى معالجة المشكلات هذه. و"المجتمع المتناسق"وپ"التطور العلمي"ركيزتان في التقرير الذي قدمه هو جينتاو إلى مؤتمر الحزب الشيوعي الصيني. وأنفقت الحكومة مبالغ كبيرة على مكافحة الفقر. ويقتضي التطبيق الفاعل لخطط الحكومة اتخاذ إجراءات جذرية لمكافحة الفساد. ومن غير الممكن إنفاذ هذه الإجراءات في غياب الديموقراطية والشفافية والمسؤولية على المستويات المحلية. وعلى رغم هذا، تلوح في الأفق تباشير تغيير سياسي. والسؤال يتناول"متى تصل الديموقراطية". ووعد هو جينتاو بإرساء ديموقراطية أوسع داخل الجنوب. ولعل أهم إنجازات الحزب الشيوعي الصيني، في السنوات المقبلة، هو تمكنه من طي حكم الحزب الواحد سلماً ومن غير فوضى. عن سوديندرا كولكارني،"إينديان إكسبرس"الهندية، 21/10/2007