يسأل العارفون بموقف إيران من الوضع اللبناني ما إذا كان زعيم تيار"المستقبل"النائب سعد الحريري عاد من واشنطن بضوء أخضر أميركي لإجراء الانتخابات الرئاسية في لبنان بالتوافق. ويرى هؤلاء ان الجانب الإيراني ينظر الى الوضع في لبنان انطلاقاً من المشهد السياسي الإقليمي ويعتبرون ان الاميركيين يخسرون في كل المنطقة ويسعون الى الحؤول دون خسائر جديدة لهم في لبنان. وتعوّل السياسة الإيرانية على إعادة تنشيط الاتصالات الإيرانية ? السعودية، حول عدد من القضايا، خصوصاً لبنان. ويرى المطلعون على سياسة طهران أن بعد زيارة وزير الخارجية منوشهر متكي المملكة وزيارة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد ولقائه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، ثم زيارة وزير الاستخبارات الايرانيالرياض، بات دور المسؤولين السعوديين ان يزوروا طهران. وإذ تشير الأوساط العارفة بموقف طهران الى ان الاتصالات بينها وبين الرياض قائمة ومستمرة حول بعض قضايا المنطقة واستمرار التوافق على الحؤول دون الفتنة بين المسلمين، فإن الجانب الايراني يتوقع زيارة قريبة، على رغم عدم وجود موعد محدد، لوزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل للبحث في شؤون المنطقة ولبنان، مشيرة الى أن متكي اتفق مع سعود الفيصل على لقاء من هذا النوع خلال اجتماعهما في نيويورك في أيلول سبتمبر الماضي على هامش مشاركتهما في أعمال الجمعية العمومية للأمم المتحدة، لكن الزيارة لم تتم حتى الآن على رغم اعتقاد طهران انها تستطيع أن تلعب دوراً في التعاون مع الرياض حول عدد من القضايا ومنها تحسين العلاقة السورية ? السعودية. ويرى العارفون بالقراءة الإيرانية للمشهد الإقليمي أن الجانب الاميركي يتراجع في الساحات كافة في المنطقة كالآتي: - ان المؤتمر الدولي الذي ستدعو اليه الادارة الاميركية من أجل تحريك عملية السلام على المسار الفلسطيني سيفشل نظراً الى مقدماته، فضلاً عن أنه يتجاهل سورية ومطالبها، فواشنطن، بدلاً من أن تسعى الى الحصول على تنازلات من اسرائيل لمصلحة الفلسطينيين تضغط على الرئيس الفلسطيني محمود عباس ليقدم التنازلات. وهذا يعني انه سيعود من المؤتمر خائباً، في مقابل إسقاط الجانب الاميركي حركة"حماس"كقوة أساسية على الساحة الفلسطينية. وهذا سيضطر عباس وحركة"فتح"الى معاودة الحوار مع"حماس"مقابل الفشل الأميركي في الحصول على تنازلات من اسرائيل. - ان السياسة الأميركية في العراق لا تحتاج الى كبير عناء من أجل اكتشاف قصورها وفشلها في السيطرة على الوضع، إذ تستمر في العجز عن السيطرة على الوضع الأمني هناك وسط الحديث عن حاجتها الى التعاون مع الأطراف الإقليمية الأخرى من أجل معالجة وضع العراق واضطرار واشنطن الى الحوار مع دول الجوار وتطبيق توصيات تقرير بيكر ? هاملتون. - ان السياسة الأميركية الضاغطة على سورية لم تفعل فعلها وواشنطن مضطرة للعودة الى صيغ التعاون والحوار مع سورية في الإطارين العراقي والإقليمي. ان سياسة التلويح بالحرب والعقوبات عبر مجلس الأمن تجاه ايران تراجعت بقوة، خصوصاً حين عجزت أميركا وفرنسا عن حشد الموقف الأوروبي، خلال الاجتماع الاخير لدول الاتحاد الاوروبي من أجل قرار أوروبي ودولي لفرض عقوبات على ايران، بعدما كانت فرنسا تصدرت السعي الى عقوبات جديدة. وهذا شكل فشلاً للسياستين الفرنسية والأميركية عززته عودة وكالة الطاقة الدولية الى الإمساك بالملف النووي الإيراني، ما يعني سحب هذا الملف من مجلس الأمن الذي من المرجح ألا يعود اليه نهائياً، مع الانطلاقة الجديدة للتعاون بين طهران ووكالة الطاقة الدولية. - ان قمة دول آسيا الوسطى المحيطة ببحر قزوين، في حضور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، شكلت حدثاً مهماً كرّس التعاون بين هذه الدول، ومنها ايران، على معالجة شؤون المنطقة خصوصاً امدادات النفط والأنابيب نظراً الى حاجة هذه الدول الى مرور الإمدادات الى الخليج الفارسي، ما أدى الى تكريس اتفاقات ذات أهمية استراتيجية على هذا الصعيد تضع مصالح هذه الدول فوق مصلحة بعضها مع الولاياتالمتحدة الأميركية. - ان روسيا بوتين، وفي ظل استمرار الخلاف على مشروع الدرع الصاروخية الأميركي، حققت قفزة مهمة بزيارة الرئيس الروسي طهران على رغم الضغوط الأميركية عليه بعدم إتمام هذه الزيارة التاريخية لأنها أول زيارة لرئيس روسي منذ عام 1943 أيام الاتحاد السوفياتي. وكرست الزيارة تعاوناً روسياً- ايرانياً لم يسبق ان حصل يشمل الملف النووي، في سياق الإصرار الروسي على استعادة موسكو دورها على الساحة الدولية والذي باتت واشنطن ترى فيه عودة الى الحرب الباردة. وتلفت الأوساط نفسها الى ما قاله مرشد الثورة الاسلامية السيد علي خامنئي أثناء استقباله بوتين عن رغبته بتعاون بين روسيا قوية وإيران قوية، ما يعني قيام ثقل دولي في وجه واشنطن في إطار هذا التعاون. - ان خسائر واشنطن تتعاظم في آسيا. فهي على وشك خسارة أفغانستان وربما باكستان بفعل سياساتها التي أدت الى تنامي دور الاسلاميين المتطرفين، بدليل الحملات المستمرة في أفغانستان على قوات التحالف، والتفجيرات المتواصلة ضد حكم الرئيس برويز مشرف وأخيراً ضد عودة بينظير بوتو. - ان أخطاء السياسة الاميركية في المنطقة تتكاثر وآخرها استفزاز تركيا عبر قرار الكونغرس تحميل أنقرة مسؤولية المجازر ضد الأرمن، ما سبّب مشكلة بينها وبين واشنطن. ونتيجة لهذه القراءة الإيرانية للواقع الإقليمي وموقع الولاياتالمتحدة فيه، يرى العارفون بموقف طهران، انه اذا صح ان موقف واشنطن بات اقرب الى دعم التوافق على انتخابات الرئاسة في لبنان،"فهذا يعني انهم بدأوا يدركون انهم سيخسرون من حصول الفراغ ثم الفوضى، وبالتالي يسعون الى التسوية في لبنان، لأن الفوضى تؤدي الى خسارة إضافية لهم تضاف الى خسائرهم في المنطقة". هل يعني هذا ان الفريق الذي يقف في مواجهة السياسة الأميركية، أي ايران وسورية وپ"حزب الله"والمعارضة سيربح من الفوضى اذا حصلت في لبنان مقابل خسارة الأميركيين؟ الأوساط العارفة بالموقف الايراني تقول:"سيخسرون أقل. الجميع سيخسر. لكن، هناك طرف لن تكون خسارته مثل الطرف الآخر، الأميركي. وعلى كل حال فإن التوافق بين اللبنانيين هو الصيغة الأفضل ويجب ان يتم من دون تدخل خارجي". إلا أن الأوساط نفسها تشير الى أن الأميركيين"يحاولون التعويض عما خسروه عبر الحديث عن قواعد أميركية في لبنان واتفاقات معه". وحين يقال للأوساط العارفة بموقف طهران ان حديث القاعدة العسكرية الأميركية في لبنان نفته الحكومة والأميركيون أنفسهم وأن فريق الأكثرية يخشى من أن يكون الهدف من وراء افتعال الحملة على قاعدة أميركية، غير مطروحة اصلاً، تمهيداً لعمل أمني كبير من الفريق الآخر ضد لبنان تحت شعارات كبرى وتحت عنوان اتهام فريق الأكثرية بعقد اتفاقات عسكرية مع الأميركيين لوصمهم بالعمالة وما شابه، تجيب الأوساط المطلعة على الموقف الإيراني مع ابتسامة معبرة:"ربما كانت الحملة ضد قاعدة أميركية... رداً على طلب زعيم تيار"المستقبل"النائب سعد الحريري أثناء زيارته واشنطن الحماية من الأميركيين". وحين يأتي الرد بأنه طلب الحماية السياسية ضد الاغتيالات التي لا تتوقف وانه تحدث عن دور الجيش وقوى الأمن في هذه الحماية بالمعنى الأمني، تعتبر الأوساط العارفة بالموقف الإيراني انه"على رغم كل ذلك، فإن الأميركيين يقومون بتسليح الجيش ويرسلون الأسلحة الى لبنان". ويضيف المطلعون على الموقف الإيراني إلى ذلك قولهم ان واشنطن تصر على بقاء رئيس الحكومة فؤاد السنيورة على رأس الحكومة المقبلة، وهذا يعتبر تدخلاً في الشؤون اللبنانية، لأن اسم رئيس الحكومة يجب ان يترك الى اتفاق مع رئيس الجمهورية الجديد.