قبل فترة وجيزة، شرع محرك البحث الشهير "غوغل" في بث صور وأفلام فيديو لمسار الحياة اليومية في عدد من شوارع المدن الاميركية، في خدمة أطلق عليها اسم"ستريت فيو"Street View وترجمتها"مشاهد الشارع". وحينها، أثار الأمر نقاشاً واسعاً قادته جماعات الدفاع عن الحريات الفردية - بما فيها تلك التي يفترض أن يتمتع بها الأفراد أثناء وجودهم في الأمكنة العامة - التي اتهمت محرك"غوغل"بانتهاك الخصوصيات والحريات الفردية. وأخيراً، وصلت عين"ستريت فيو"الى مونتريال وغيرها من المدن الكيبيكية ليصبح مواطنوها ضحايا لهذه"اللعبة العبثية"بحسب تعبير بعض الصحف المحلية في مقاطعة"كيبيك"، التي اندلع فيها جدل واسع عن تلك الخدمة. وكذلك اهتمت معظم وسائل الإعلام الكندية بهذا الأمر. ففي مطلع تشرين الاول اكتوبر الجاري، لاحظ الكثير من المارة في مونتريال، سيارة خاصة من قسم الخرائط في محرك"غوغل"، التي تعرف باسم"مابس"والتي ألحقت بها خدمة"ستريت فيو". حملت تلك السيارة شعار"غوغل"وعلت سطحها كاميرا خفية متعددة الزوايا ومزودة هوائياً يبلغ علوه نحو أربعة اقدام. وقد جابت السيارة شوارع مونتريال ملتقطة صوراً لكل ما يقع تحت عدستها من أفراد وجماعات وحدائق، على غرار ما فعلته في عدد من المدن الاميركية سابقاً. كاميرا الخليوي تُصوّر"ستريت فيو" والتقط أحد المارة في مونتريال صورة سيارة"ستريت فيو"بواسطة كاميرا هاتفه النقال، وعمد إلى توزيعها على وسائل الاعلام. يشار الى ان خدمة"ستريت فيو"تتيح لمستخدمي الانترنت أن يروا شوارع مدنهم بكل معالمها وتفاصيلها وكأنهم يتجولون فيها. واللافت في هذه الخدمة انها تستبدل البحث في العالم الافتراضي للانترنت بالبحث عن العالم الحقيقي على تلك الشبكة عينها. وفي تفاصيل خدمة"ستريت فيو"، أنها تظهر عند دخول مستخدم الانترنت الى موقع"غوغل"ثم الولوج الى قسم"الخرائط". عندها، تظهر على الشاشة خدمة"ستريت فيو"باعتبارها أحد خيارات المشاهدة في قسم الخرائط. وبنقرة على العناوين التي تتوافر فيها تلك الخدمة في الخريطة، تظهر صور الشوارع والاحياء فيها. وغالباً ما تقدّم تلك الصور على هيئة بانورامية 360 درجة بحيث تظهر التفاصيل من زوايا مختلفة، ويمكن الدخول الى المزيد من التفاصيل، بحسب الأشرطة المتوافرة عن المكان. هكذا يستطيع المتنزه مشاهدة المتاجر والمطاعم والمؤسسات العامة والخاصة والحدائق العامة وغيرها من الاماكن التي يرغب في التوجه اليها. وكذلك يستطيع تكبير المشهد وتصغيره، عبر تحريك"الماوس"على خريطة الشارع. ويتيح ذلك النوع من الزيارات الافتراضية للمتنزه الوهمي، مشاهدة آلاف الاشخاص الحقيقيين الذين قد لا يعرفون أنهم يقعون ضحية عدسة"غوغل"على"الشبكة الخفية". غداة انتشار الخبر عن كاميرا"ستريت فيو"، عكست الصحف الكندية ردود فعل متباينة في اوساط الرأي العام. وعلت الأصوات تتراوح بين المديح والاستنكار، علماً ان بعض الصحف خصص مساحة لاستطلاع الآراء حول ما تقدمه"ستريت فيو". ومثلاً، أبدت ربيكيا جيشكي المتحدثة باسم"مؤسسة الحدود الالكترونية العالمية"Electronic Frontier Foundation، وهي إحدى المجموعات المدافعة عن الحياة الخاصة على الانترنت، رأياً مفاده"أن خدمة"ستريت فيو"تعتدي على خصوصية الافراد والجماعات، وتلتقط صورهم في غفلة منهم، وهم في حالات ربما يعارضون الكشف عنها أمام جمهور الانترنت لسبب أو لآخر". ووصفت ذلك الأمر بأنه"عمل غير مشروع... وكان في إمكان"غوغل"الانتظار بعض الوقت الى حين العثور على طريقة تكنولوجية افضل لتمويه التفاصيل المضرة بالافراد". وفي سياق مشابه، اعتبر جيفر ستودارت رئيس"لجنة حماية الحياة الخاصة"في كندا، ان"ستريت فيو"تشكل خرقاً فاضحاً لقانون كندا وسيادتها أيضاً. وهدد بإثارة هذه المخالفة"الخطيرة"أمام القضاء. وفي تعليقها على ظهور سيارة"ستريت فيو"في مونتريال، حملت جريدة"ناشيونال بوست"National Post بشدة على ما سمته"التعدي على حقوق الانسان، والذي أقل ما يقال فيه انه سرقة منظمة وممنهجة وعن سابق تصور وتصميم، ويراد بها ايذاء الاشخاص وتعريضهم للسخرية والنيل من كرامتهم". وأشارت الصحيفة الى أن"غوغل تفقد الكثير من صدقيتها وشهرتها العالمية وانها تتوجه نحو الأسوأ، إذا استمرت في وصف عمل"ستريت فيو"بأنه يندرج في اطار المعلومات والتسلية والترويح عن النفس". وسألت"ناشيونال بوست"عن"الفائدة من عرض صور لأشخاص بطريقة غير مألوفة أو مؤذية أو غير اخلاقية، كتلك التي أظهرت البعض في أوضاع حميمية، وسيدات يستلقين شبه عاريات تحت اشعة الشمس، وشخص يتبول الى جانب حائط او غير ذلك من اللقطات المشينة والمخلة بالآداب العامة". دفاعاً عن"غوغل" في المقلب الآخر من النقاش الكندي عينه، رأى كثيرون ممن كتبوا تعليقاتهم في صحف مونتريال، وكذلك ممن نشروا آراءهم على الانترنت أن خدمة"ستريت فيو"تؤدي مهمة رائعة ومثيرة للدهشة. فهي تختصر ما يجري في شوارع مونتريال وتعرضه على الانترنت بكل ما فيه من حركة الناس وازدحام السير وغيرهما. وكذلك تؤدي خدمة عامة للسياح الاجانب لأنها تمكنهم من التعرف الى معالم المدينة الاثرية والتراثية والتاريخية والفنية بسهولة، كما تقدم لهم دليلاً الكترونياً يتضمن خريطة مفصلة عن شوارع مونتريال وأحيائها ومراكز الخدمات المالية والاجتماعية والصحية فيها. وكذلك تتيح خدمة"ستريت فيو"إمكان طباعة أي مشهد، ما يغني المتنزه او السائح عن اضاعة الوقت في عناء البحث والتفتيش في مصادر أخرى. وثمة من اتخذ مواقف وسطية، فأثنى على"ستريت فيو"من النواحي الفنية والاعلامية والخدماتية، من دون أن يبرروا لپ"غوغل"افتئاتها على حريات الافراد والنيل من حرياتهم وحقوقهم الخاصة. والمفارقة ان مؤسسة"إيميرسيف ميديا"Immersive Media التي كُلّفت من "غوغل"التقاط الصور في مدن قارة أميركا الشمالية، التي تشمل الولاياتالمتحدةوكندا، نفت وجود سيارة مكلفة بمهمات تصويرية في مونتريال.