أيام قليلة وينعقد مهرجان دمشق السينمائي الدولي في دورته الجديدة التي تنطلق مطلع الشهر المقبل، هي أيام قليلة كما يبدو للوهلة الأولى، ولكنها أيام لا تشبه سابقاتها. فمع هذه الدورة سيتكرس المهرجان سنوياً، وستعقد دورته كل عام بدلاً من مرة كل عامين كما جرت العادة منذ عقود. هذه الوضعية الجديدة التي ينتقل إليها المهرجان استدعت شد الأحزمة بقوة من جانب القائمين عليه، فهي تعني زيادة في الانتاج السينمائي السوري كي يساوي مشاركة الدولة المضيفة، وتؤكد من جهة أخرى أن المؤسسة العامة للسينما لا تزال تحتضن الانتاج السينمائي في سورية حتى اللحظة. محمد الأحمد رئيس مهرجان دمشق، والمدير العام للمؤسسة، كان حين التقيناه قد ودع للتو، وفداً فرنسياً برئاسة الملحق الثقافي الفرنسي كان قصده لبحث مشاركة بلاده في المهرجان. قال الأحمد رداً على سؤال حول ما إذا كانت هناك مشكلة في حجم الانتاج السينمائي السوري لتغطية متطلبات مهرجان أصبح سنوياً:"منطقياً ليس لدينا أي مشكلة انتاجية، لأننا نقوم بانتاج فيلمين أو ثلاثة كل عام، ونحن نشارك هذا العام بفيلمين هما"خارج التغطية"لعبداللطيف عبدالحميد، و"الهوية"لغسان شميط. كما ان لدينا مجموعة كبيرة من الأفلام التي أنجزت، وستكتمل عملياتها الفنية في العام المقبل، أذكر منها:"دمشق يا بسمة الحزن"لماهر كدو، وپ"حسيبة"لريمون بطرس، وپ"سبع دقائق إلى منتصف الليل"لوليد حريب عن سيناريو لحسن سامي اليوسف. وهناك فيلم جديد آخر لعبداللطيف عبدالحميد في عنوان"أيام الضجر". ومعنى هذا انه ستكون لدينا أربعة أفلام جديدة للعام 2008. ونحن عادة نشارك في المهرجان بفيلمين كي نتيح الفرص لمشاركات أخرى لدول عربية وأجنبية. إذاً ليس لدينا أي مشكلة انتاجية على الاطلاق، مع الرغبة في أن يكون لدينا كم من الأفلام المنتجة أكبر مما هو عليه الآن. لدينا ثلاثة مشاريع للعام المقبل، وهي"حافة الهاوية"لواحة الراهب، و"الرواية المستحيلة"لسمير ذكرى عن رواية لغادة السمان بالاسم ذاته وقد وافتنا الأديبة غادة السمان بموافقتها على أفلمة روايتها، كما يوجد لدينا مشروع مشترك مع القطاع الخاص بعنوان"موزاييك دمشقي"عن رواية لفواز حداد من المتوقع أن يتولى حاتم علي إخراجها إلى السينما". تخلف ما... وبماذا يجيب محمد الأحمد عندما يقال أمامه إن السينما السورية متخلفة. فيما هو يرد ببساطة معلقاً:"من قال هذا الكلام معروف تماماً، انه فنان اذا كان قد حقق شيئاً مميزاً في سجله السينمائي، فهو ما أنتج له في مؤسسة السينما مع احترامي الشديد لمخرجين يشكلون علامات مميزة في السينما السورية. فلنتابع رحلة صاحب هذا الكلام الاخراجية بكامل أبعادها، ولن نبذل جهداً كبيراً قبل ان نكتشف أن أهم ما قام به في مسيرته السينمائية كان من انتاج المؤسسة. أما ما حققه خارجها، فهو بكل بساطة فن متواضع لم يخاطب النخبة، ولم يصل إلى القاعدة العريضة. وأما الأستاذ نبيل المالح، ففي إمكان أي مدقق حصيف أن يكتشف انه حين يراد الاحتفال بتاريخه، وبما قد حقق، ستذكر له عناوين مثل"الفهد"وپ"بقايا صور"وپ"الكومبارس"وأفلام قصيرة كلها من انتاج المؤسسة. نعم المؤسسة"مأكولة مذمومة"وهي تفضلت على كل هذه الأسماء التي نسمع بها الى درجة انها اذا توقف انتاجها ولا سمح الله ستجد الغالبية العظمى من المخرجين يمضون أوقاتهم في المقاهي بانتظار فرص عمل لن تأتي. المؤسسة وعلى رغم كل المشكلات التي تعترضها، أسوة بما هو موجود في مؤسسات أخرى، تبقى المدرسة السينمائية الحقيقية التي تخرجت فيها أسماء وأفلام واتجاهات ينظر اليها باحترام شديد في يومنا هذا". أوصياء! وعما إذا كان يمكن أن يفهم من هذا الكلام انهم يعتبرون أنفسهم في المؤسسة العامة للسينما أوصياء على السينما السورية، يقول الأحمد:"اطلاقاً! نحن في المؤسسة العامة للسينما ننادي عبر كل الوسائل الإعلامية بضرورة اكتمال المشروع السينمائي الوطني، ذلك انها المؤسسة غير قادرة وحدها أن تنهض بهذا المشروع السينمائي، فلا بد من تضافر الجهود والخبرات مع المؤسسات الأخرى، مثل الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، وشركات الإنتاج الخاصة، لا يمكن مؤسسة ومهما علت قيمتها، ومهما بلغ مخزونها المادي، أن تنهض بمشروع سينمائي وحدها. لقد تحدثنا مطولاً حول هذه النقطة، ثمة من يقول إن المؤسسة تريد الاستئثار لنفسها بالانتاج السينمائي. نحن ننادي بتشجيع القطاع الخاص ليمد يده عوناً على غرار ما يدور اليوم من نهضة في الدراما التلفزيونية، وعن كم انتاجي واسع الطيف. وهذا الكلام إن كان صحيحاً، فإنه لم يكن في الإمكان أن يتحقق في التلفزيون لو لم يسمح للقطاع الخاص، عبر إجراءات تشجيعية، بالمضي في المشروع الوطني للدراما". وعن سؤال حول إمكان تجاوز هذه الأزمة التي تعصف بالسينما السورية، وعما اذا كان تحويلها الى هيئة عامة قد يحل المشكلة من جذورها، يقول الأحمد:"لا أجد أن هناك رغبة بتحويل المؤسسة إلى هيئة عامة، ذلك أن المشكلة لا أراها متموضعة هنا. المشكلة الحقيقية كما أراها، تكمن في ايصال قناعة مفادها ان الانتاج السينمائي في سورية يجب أن يخطو في اتجاه آخر. بمعنى أنه كفانا تجارب خاصة ضيقة الاتجاه لا تخاطب الناس ولا تحقق المعادل الموضوعي لما هو متعارف عليه في الانتاج السينمائي من أنه في نهاية المطاف يجب أن يكون مشروعاً رابحاً كي يكفل للمشاريع الأخرى أن ترى النور، فما من فيلم في الدنيا ينتج إلا والهدف منه هو استعادة ما انفق عليه من جيوب المنتج بغية الإقلاع بمشاريع أخرى. هذه هي القاعدة السينمائية الذهبية أنّى حللت، وعدا ذلك من يخرج فيلماً خاسراً، تغلق الأبواب في وجهه، ومن ينجح باسترداد الأموال المرهونة في فيلمه تفتح له هذه الأبواب". ويضيف الأحمد معلقاً على هذه النقطة:"بكل أسف كل الأوراق التي تم تدارسها من جانب السينمائيين لم تشر إلى هذه النقطة والتي هي في رأيي المفتاح السحري للخروج من الأزمة". الصالات وعن سؤال يتعلق بتحميل المؤسسة العامة للسينما مسؤولية تحديث الصالات السينمائية في سورية يقول الأحمد:"المؤسسة ليست مسؤولة من قريب أو من بعيد عن موضوع الصالات. ومع هذا فإن كل طلب إلينا من تسهيلات في هذا المجال قمنا بتنفيذه بأكثر مما طولبنا، ولكن على الدوام تعودنا أن تلقى المشكلة على كاهل الدولة. من جهتنا نحن حققنا كل ما طلب منا من إلغاء لمرسوم حصر الاستيراد، ومن إعفاء الصالات التي تريد التحديث من الضرائب، إلى تخفيض لرسوم الفيلم، ولكن الاستجابة التي وعدنا بها من أصحاب الصالات لم تكن بالمستوى المأمول. نحن لا نملك السلطة لفرض أي أمر عليهم، ولو ملكناها فهي لا يمكن أن تكون إلا إلى جانبهم". وعن فرضية تتردد دائماً فحواها ان المؤسسة العامة للسينما إنما تسعى دائماً الى ابتلاع المبدعين على طريقتها، يقول محمد الأحمد:"نحن لا نفكر لا بابتلاع مبدعينا، ولا بأي منطق من هذا النوع. نحن نريد لمبدعينا الاحترام، وأن نوفر كل الوسائل التي تضمن لهم خروج أفلامهم بالسوية المتوخاة. وللحق أقول في شكل صريح وبعيد من أي تزويق أو تجميل ان مخرجينا حين يحققون فيلماً طيباً، يكون منسوباً إليهم، أما في حال تعرض الفيلم لمشكلة ما، ولم يحقق الرضى المطلوب، فإن المسؤولية تقع على عاتق المؤسسة. يمكن القول إنني أشعر بسعادة غامرة لأنه منذ استلامي إدارة المؤسسة حقق الجميع أفلامهم، ربما باستثناء محمد ملص الذي أراد إخراج فيلم للمؤسسة اعترضت عليه زوجته السابقة، وهددتنا برفع دعوى قضائية ضدنا لأنه يمس حياتها الشخصية، وكانت محقة حين اعترضت على الصورة التي أرادها لها ملص. نحن لا نبتلع مبدعينا، بل نوفر الفرص لهم ونقاتل من أجلهم حين نناقش موازنات أفلامهم. نحن نتحمل دلالهم باستمرار ونطلب إليهم أن يستوعبوا الآلية الصعبة التي نعمل من خلالها، من دون أن نضعهم في صورة هذه المصاعب بغية التفرغ لمشاريعهم الابداعية، وكي لا يصابوا بإحباطات من أي نوع". وعما إذا كان هناك مدللون في المؤسسة، وبالتالي ما اذا كان هناك فئة مخرجين مروضين وفئة متمردين، يقول محمد الأحمد:"إطلاقاً، أنا على مسافة واحدة من الجميع، ولم أتصرف يوماً منذ ان استلمت إدارة المؤسسة، انطلاقاً من شعور شخصي يربطني بهذا الشخص أو ذاك. لقد آمنت منذ البداية ان الفترة التي سأرأس فيها المؤسسة، سواء قصرت أم طالت، ستكون فترة يجب أن يعمل فيها الجميع من دون استثناء. أما أنا كشخص، فمن حقي أن أحب هذا المخرج أكثر من ذاك، ولكن ليس من حقي أن أمنحه حقاً ليس من حقوقه. لم أقدم على هذا الأمر في يوم من الأيام، وأنا كلي ايمان بأن كل الزملاء المخرجين يمتلكون رؤى وأفكاراً يجب تبنيها وتقديم يد العون لها كي ترى النور، لكن الشيء الذي أود إضافته هو أنني اكتشفت المسائل عن قرب وعرفت حقيقة الأمور، وأنا لا أريد توجيه اللوم إلى أحد، وليس في نيتي تقويمات من أي نوع، لكن العمل في المؤسسة صعب للغاية، والمطلوب مني منح فرص للجميع، وهذا ليس في متناول اليد. هو لم يكن في استطاعة أي شخص جاء قبلي ولن يكون لمن سيجيء من بعدي. نعم هكذا تجد نفسك في حالة صدام غير قائم على أبعاد موضوعية أو فكرية أو حتى انسانية. انه صدام الفرصة التي حجبت، والتي ليس في الإمكان منحها على الدوام". وحول مواصلة نبيل المالح ومحمد ملص تهجمهما على المؤسسة، وعما إذا كان هناك وجه حق في سلوكهما يقول الأحمد:"مشكلة ملص تحدثنا عنها للتو، فنحن لم نستطع أن نقلع بمشروعه للأسباب التي ورد ذكرها، وكل الوثائق بحوزتنا، وهي تحت الطلب. أما بالنسبة الى المالح، فليس هناك أي مشكلة خاصة بيننا، فلطالما ربطتني به صداقة. المشكلة أن لديه عقد توزيع لأفلامنا لدى محطة"أوربت"، وهو لم يقم بتسديد حصة المؤسسة حتى يومنا. لقد دعوته للتكريم في مهرجان دمشق المقبل في حفل الافتتاح، وهذا برهان على أننا لسنا على خلاف إنساني معه. أنا مدير عام مؤسسة لا يمكنني أن أتهاون معه بخصوص مال عام، ومن أقل واجباتي التي قمت بها ان ادعوه لتسديد التزاماته نحو المؤسسة، ولو كان الأمر بيني وبينه شخصياً لما تفوهت بكلمة واحدة".