منذ نحو أربع سنوات، شكّل منح جائزة نوبل للنساء قضية تابعتها وسائل الإعلام، لم يلبث ضجيجها أن خفت. ومن الأسباب أن حظّ العالم أو الأديب الذكر منها كحظ عدد كبير من العالمات والأديبات. وهو الأمر الذي استدعى بحثاً في ما إذا كان هذا"التمييز"بين الجنسين متعمّداً أم عرضياً. ولم يتمخّض البحث عن نتائج تخدم القضية وترفعها إلى جهات عليا لبتّها. والحق أن عدد العلماء من الذكور هو أكبر منه للإناث، وأن عدداً من النساء نال قسطه من الجائزة، في مجالات الآداب والسلام والعلوم. ويبدو أن المنافسة على"الجائزة"بين الذكور والإناث، انتقلت إلى مجال ما زال يُعتبر في مناطق كثيرة من العالم أنه من خصوصية النساء، ألا وهو المنزل. ففي المطبخ وغرفة النوم والعلاقات العاطفية، وغير ذلك من"منتجات"البيوت والأسر والمجتمع، ما يشغل بال أهل العلم والصحافة وأصحاب الأقلام. وهذه"المنتجات"، مادية كانت أم معنوية، تشكل دوافع لهؤلاء للعمل على إيجاد حلول تيسّر نمط العيش تارة، وتقديم نظرة جديدة إليها تارة أخرى، بغية الخروج عن المألوف أو الرتابة اليومية. فقد اكتشفت مايو ياماموتو، من المركز الطبي العالمي في اليابان، طريقة لاستخراج مادة"الفانيلين"، أي أساس الفانيليا، من روث البقر. ولا شيء يدعو للتقزّز، بحسب مجلة"ساينس"الأميركية التي نشرت مقالاً عن رابحي"جائرة نوبل التهكمية"، IgNobel Prize، وتُلفظ"إيغْ نوبل" هذه السنة، وهي السنة السابعة عشرة. لا شيء يدعو إلى التقزّز، ربما لأن العالمة استخرجت المادة من فضلات حيوان، يدرّ بدوره غذاء هو الحليب الذي يدخل في صنع المثلجات وغيرها من المآكل الشهية. وقد نالت ياماموتو"جائزة نوبل التهكمية"للكيمياء. وخلال الاحتفال في جامعة هارفرد، قدّمت مثلجات بفانيليا ياماموتو، حملت اسمها. والحفلة ترعاها مجلة الطرائف العلمية"حوليات الأبحاث الغريبة". وذهبت"نوبل الوضيع"للطب إلى اختصاصي الأشعة، البريطاني براين ويتكومب، والفنان الأميركي دان ماير أنتيوخ، عن توصيفهما الأعراض الجانبية لابتلاع السيف وهي مخاطرة تُعرض في السيركْ، عادة، وتسببه بألم الحنجرة ونزيف الأمعاء. ولكشفهما سرّ تجعّد الشراشف، نال الجائزة أكاديميان من جامعتي هارفرد وسانتياغو في تشيلي، هما لاكشمينرنايان ماهاديفان وأنريكيه فيلابلانكا، في مجال الفيزياء. والشراشف أيضاً شكلت مجال بحث الهولندية جوانا فان برونزويك، من جامعة أيدنهوف للتكنولوجيا. فانتزعت جائزة البيولوجيا عن اكتشافها الأسباب التي تدعو البراغيث إلى التجمّع والتكاثر في أغطية السرير. وعندما أثبت خوان تورو وخوسيه توربالون ونوريا غاليس، من جامعة برشلونة في أسبانيا، أن الجرذان تعجز عن التفريق بين اللغتين اليابانية والهولندية، عند نطق كلماتها بالعكس، نالوا"جازة نوبل التهكمية"عن الألسنيات. واستحقّت الأسترالية غليندا براون جائزة الأداب عن مقالها"ذا"ومرادفها"أل التعريف"بالعربية لصعوبة ترتيبها أبجدياً. ففي الإنكليزية، تُلفظ"ذَ"، بينما تبدأ بحرف"تِ"كتابة، وهذه معضلة! وأما جائزة التغذية فمُنحت للباحث في السلوك البشري، براين وانسينك، من جامعة كورنويل، عن اختراعه صحن شورباء يظل ممتلئاً، طالما بقي المستخدم سارحاً في الأكل. وقد استخدم"جهازه الخادع"لمراقبة أشخاص أثناء الأكل من دون وعي. وبنتيجة الدراسة، ألّف كتاب"الأكل بلا وعي: نأكل أكثر مما نفكّر". تكاد كل المواضيع التي استحقت"جائزة نوبل التهكمية"هذه السنة، ان تجد بيئتها في المنزل. فهل تجدد ربّته يوماً نظرتها إلى القرش الأبيض أو الفلس، أو الهللة الذي تعثر عليه خلف الخزانة وتخبّئه لليوم الأسود، فتفوز بجائزة نوبل للاقتصاد، مهما كانت متواضعة؟ ولكنْ، هل لا يزال القرش الأبيض يستطيع أن يغطّي سواداً في هذه الأيام الحالكة؟