الفوز ب "كعكة" الشباب يمر عبر معركة عاتية هذه الأيام، ولكنها معركة لا تسمع فيها سوى قرقعة لوحة مفاتيح جهاز الكومبيوتر. جهات متعددة فطنت أخيراً وفي وقت واحد إلى أهمية اجتذاب الشباب، الشريحة العمرية التي تمثل ما يزيد على خمسين في المئة من مجموع سكان مصر وستكون المتحكمة في مقاليد الأمور في المستقبل القريب. البعض يرى أن مخاطبة الشباب والتحاور معهم ومن ثم استقطابهم إلى دوائره الفكرية أو السياسية أو الدينية أو حتى الاقتصادية هي نوع من"تربية الكوادر"أو"ضمان الاستمرارية لهذه الاتجاهات من طريق نقلها وزرعها في الأصغر سناً". وبغض النظر عن المسميات، فإن قوى سياسية ودينية وحقوقية عدة تبذل جهوداً حثيثة حالياً لاجتذاب الشباب المصريين، وربما"اتقاء شرهم"عبر الطرق الأقرب اليهم. ولعل المدونات الشخصية أو ال blogs التي ذاع صيتها في مصر والدول العربية في العامين الماضيين أثبتت لكل من يهمه الأمر أن الطريق الأمثل للوصول إلى الشباب، وتمكينهم، أو التحاور معهم، أو معرفة معلومات عنهم، أو كسب ثقتهم، أو غسل أدمغتهم سيمر حتماً بطريق أو بآخر عبر بوابة الإنترنت. ويشير تقرير صدر قبل أيام عن الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان القاهرة إلى أن"ظاهرة التدوين المصرية تحولت خلال السنتين الأخيرتين إلى ملمح لا تخطئه العين من ملامح الثورة التقنية الجديدة وكيفية استخدام الانترنت أداة نشر وتعبير حرة، وطريقة للاحتجاج السياسي بدرجة لم تكن تتوقعها الحكومة المصرية، وحققت بعض المدونات شهرة في أوساط مستخدمي الانترنت تقترب من شهرة بعض وسائل الإعلام التقليدية وأصبحت مصدراً أساسياً للمعلومات خصوصاً التي لا تبرزها وسائل الإعلام الرسمية، الأمر الذي جعل السلطات تنتبه إليها". وعلى رغم لعبة"القط والفأر"التي تلعبها الحكومة المصرية مع الشبكة العنكبوتية، شهد الحزب الوطني الحاكم الذي واجه انتقادات كثيرة لابتعاده المزمن عن الشباب في الآونة الأخيرة صحوة تقنية تحسب له، إذ ضم موقع الحزب على شبكة الإنترنت جزءاً خاصاً بالشباب يحمل عنوان"ملتقى شباب الوطني". للوهلة الأولى يعتقد الشاب الزائر أنه في صدد دخول موقع"روش"من مواقع الدردشة والتواصل مثل"ملتقى التوظيف"،"فرافيش"،"خلي بالك"،"بنت مصر"وغيرها من العناوين الشبابية التي توحي بأنها منزهة عن الأغراض السياسية، ولكن بقليل من التفحص نجد أن عدداً من الشركات والمؤسسات التي تعلن مثلاً عن وظائف شاغرة لديها من خلال موقع الحزب تشير إلى أن الوظائف المعروضة تأتي"تلبية لبرنامج الرئيس مبارك الانتخابي الهادف إلى توفير أربعة ملايين ونصف مليون فرصة عمل للشباب خلال السنوات الست المقبلة". ولما كان البحث عن عمل في زمن البطالة كثيراً ما يمر من خلال الإنترنت، فقد عمد الكثير من الجهات إلى استقطاب الشباب عبر هذه البوابة، سواء من خلال مواقع توظيف مباشرة أم من خلال مؤسسات دولية ومحلية أيقنت أن الطريق إلى تمكين الشباب يبدأ من القضاء على الفقر أو على الأقل تقليصه، ومن الممكن أن يكون ذلك بالمعرفة التقنية التي تيسر مهمة العثور على عمل. فمثلاً"اقتدار"- وهو اسم البرنامج التابع لبرنامج الأممالمتحدة الإنمائي - يهدف إلى مساعدة الدول العربية على استخدام تكنولوجيا المعلومات في خفض نسب الفقر. وتقول المنسقة الإقليمية لپ"اقتدار"نجاة رشدي إن أحد أبرز البرامج عنوانه"أجيالكم"ويهدف إلى تمكين الشباب العرب من خلال مساعدتهم على تحقيق طموحاتهم عبر تقنية المعلومات والاتصالات وتحسين سبل وصولهم إلى المعلومات والتشبيك والحصول على تعليم أفضل ومن ثم الحصول على فرص عمل أفضل. ولأن في مصر العديد من الأماكن النائية التي لا تتوافر فيها أجهزة الكومبيوتر الشخصية أو مقاهي الإنترنت، تم التفكير في"وحدة تقنية معلومات متنقلة"تجوب القرى والمناطق المصرية بحثاً عن شباب راغب في محو الأمية التقنية. ليس هذا فقط، بل إأن هذه الوحدة المتنقلة - والتي أصبحت حقيقة من خلال التعاون بين وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وبرنامج الأممالمتحدة الإنمائي - تقوم كذلك بمهمة محو الأمية الرقمية لدى سكان المناطق التي تزورها من خلال برامج مخصصة على اسطوانات مدمجة. وتشير مصادر في الوزارة إلى أن هذه الوحدة"تشكل برنامجاً شاملاً للمساواة في الفرص المتاحة في مجال تكنولوجيا المعلومات بين الأفراد في المجتمعات النائية وغيرهم في المناطق الحضرية، إذ تقدم دورات في مجالات تعليم المهارات الأساسية لاستخدام الكومبيوتر، والاتصال بالإنترنت، إضافة إلى صقل المهارات التي يتطلبها سوق العمل". وعلى رغم أن تأهيل الشباب للالتحاق بسوق العمل ومن ثم المساهمة في القضاء على الفقر أو على الأقل السيطرة عليه من أبرز الأدوار التي ألقيت على عاتق الإنترنت، فلأنها تحمل الكثير من أجل تمكين الشباب. وإذا كان العصر الحالي يلقب بپ"عصر المعلومات"فإن المعلومات لا تقتصر فقط على الرقمي منها أو التكنولوجي، ولكنها تمتد كذلك إلى المعلومات الخاصة بحقوق الإنسان التي يجهلها الكثيرون. وقبل أيام، دشنت منظمة"يونيسف"التابعة للأمم المتحدة موقع"أصوات الشباب"باللغة العربية على شبكة الإنترنت، ويهدف إلى"تزويد المستخدمين من الشباب والمراهقين الناطقين باللغة العربية بثروة صديقة للشباب وفاعلة ومشوقة من القضايا الاجتماعية والقضايا المتعلقة بحقوق الإنسان ضمن مجتمع عالمي على شبكة الإنترنت، إضافة إلى تزويدهم مورداً آمناً ومسانداً للتفاعل الفوري، إذ يستطيعون الاستكشاف والمناقشة والمشاركة في قضايا تتعلق بحقوق الإنسان والحقائق الاجتماعية وغيرها من القضايا. كما سيعمل على تسهيل التواصل بين الشباب وصناع القرار". موقع"يونيسف"الجديد يهتم بقضايا التمييز ضد الإناث والتوعية بمرض الإيدز وغيرهما، ولكنه اختار الطريق العنكبوتي ليجذب الشباب إليه كما لم يجعل ساحته قاصرة على قضاياه المحددة مسبقاً فقط بل جعلها مفتوحة لتشمل المواضيع التي يطرحها مرتادو الموقع والتي تجد نفسها بطريقة أو بأخرى تصب في جدول أعمال المنظمة الدولية. وإذا كان صناع القرار عموماً ينظرون إلى فئة الشباب والمراهقين على أنهم من أسباب تدهور الأحوال المجتمعية وأنهم شر لا بد منه، وليس باعتبارهم إضافة إيجابية للموارد والقدرات، فإن جهات أخرى عدة انتهزتها فرصة للانتفاع منها، فمثلاً جماعة"الإخوان المسلمين"التي ما زالت محظورة في مصر لم تألُ جهداً في الوصول للشباب من خلال الإنترنت، حتى أن موقعها الرئيس حين تعرض للحجب بادر القائمون عليه إلى إقامة حفنة من المواقع الأخرى التي تحمل أسماء مختلفة وجميعها يضع جمهور الشباب نصب عينيه.