تحدّى الزوج زوجته "العصرية" ل "تتفضل" وتتولى، طوال شهر، توزيع مصاريف البيت، وفق الاولويات التي تراها مناسبة. هي تكره الارقام، ولكنّها قبلت التحدي. والمطلوب هو ان تنجح في ادّخار جزء بسيط من الموازنة الشهرية، "من دون تجويع أفراد العائلة...". لكن كيف؟ فولداها يتباهيان في انهما ينجحان في"سحب"مصروفهما مضاعفاً منها كل شهر عبر إدخالها في متاهات مصاريفهما:"نعم، أعطيتني 20 ألفاً، لكني اشتريت ربطة خبز للبيت"ويشدّد على الكلمة الأخيرة... أو"البابا استعار منّي خمسة آلاف ليرة"ويعيد الجملة كاملة. لا يسع فاتنة، الأم 39 سنة، أن تفشل، وإلاّ فالثمن سيكون باهظاً وپ"متنوّعاً"، من الشماتة والسخرية في كل مناسبة، إلى"الخدمات"التي تُطالب بها تعويضاً عنه. فقررت أن تتشدد في الدفع من خلال تحديد الأولويات لكل فرد من أفراد العائلة، وضبط المصاريف لئلاّ تصاب الموازنة بالعجز. أولويات متناقضة ... منذ أن تسلّمت مهمتها، بدا التناقض واضحاً: كل واحد يريد أولوياته أولاً. الزوج، وائل، لا يتراجع قيد أنملة عن الجرائد اليومية والاتصالات الخليوية المطّاطة"تسهيلاً لعمله كمحام". ابنها، فريد 17 سنة، أصرّ على ابدال جهازه الخليوي العتيق وزيادة مخصص وقود السيارة،"لأنكِ وعدتني بذلك الشهر الماضي"، لكنها لم تكن تحمل همّ"الإدارة"، وقتذاك. وهاني، ابنها الثاني 13 سنة، يذكّر بعلاماته المرتفعة ومكافأته بقضاء نهاية الأسبوع في منتجع شتوي في منطقة فاريا،"لأني درسْتُ لكِ كل دروسي"...، فضلاً عن الأكل خارج المنزل ب"ذرائع"مختلفة. أما فاتنة فمن أولوياتها المخصص الشهري لكل ولد، قسط التأمين الطبي العائلي، بدل أتعاب الخادمة، قسط سيارتها الجديدة التي اشترتها"لأعطي القديمة لفريد"، فاتورة هاتفها الخليوي الذي"يستعمله أولادي اكثر مني"، وفاتورة"موبايل فريد"، واخيراً، اجرة مصفف الشعر الذي يحافظ على مظهرها لائقاً إلى حد ما، طوال أيام العمل. أما مصروف الطعام فأولوية مشتركة، وفكرّت الأم بالتوفير فيه بالاعتماد على طبخ الحبوب والتخفيف من اللحوم، على رغم احتجاج الولدين أن"هذا الاكل لا يشبع". فتردّ عليهما بسخط:"كأن اللحم المشوي يحتل مساحة في المعدة أكبر مما يحتلها العدس والخضار". ... وما العمل؟ جمعت فاتنة أسرتها حول"عشاء عمل"، كانت خططت له طوال يومين، والحضور الشخصي إلزامي. وحول المائدة، كانت المفاجأة: أوراق مطبوعة بأولويات كل فرد، وإجمالي كلفتها المقدّرة مقارنة بالموازنة الشهرية العامة، تماماً مثل دفتر المحاسبة... وليعيد كل منهم النظر في أولوياته. نظر ذكور الأسرة بدهشة إلى أنثاها المدبّرة، وقد علقوا في"فخّها". لن يقبل أي منهم باتهامه باختراق الموازنة وبتحميله المسؤولية عن"ديون"قد تنجم عن هذا الخلل. أخذت الأولويات تتبدل على الفور والمتطلبات تنحسر في شكل لافت... ولو بعد جدل طويل وعسير أحياناً. ولم يتبقّ منها إلاّ ما يستحق تأمينه: الهاتف الخليوي الجديد انتظر مناسبة اخرى، النادي الرياضي استبدل برياضة كرة السلة في الحيّ،"ويك أند"جبلي عند صديق الطفولة حلّ محل"الويك أند"في فاريا... وبقي الزوج متمسّكاً بالجريدة اليومية، لأنها"القوت اليومي لدى كل لبناني". أمسكت الوالدة"الاقتصادية"الآلة الحاسبة وخرجت بنتيجة ان الموازنة الشهرية بأمان، معلنة"نجاحها"بكل اعتزاز. ثم رمت كل الأوراق في حضن زوجها، معيدة إليه المهمة المتعِبة.