يجول الامين العام للامم المتحدة كوفي انان على دول المنطقة من أجل وضع الخطوات التنفيذية للقرار الدولي الرقم 1701، المتعلق بوقف الحرب الاسرائيلية على لبنان. وزار انان الذي يفترض ان يقدم في نهاية الجولة تقريرا الى مجلس الامن عن مهمته الدول المعنية مباشرة بالقرار، لبنان واسرائيل وسورية وايران. كما زار الدول الداعمة لتنفيذ القرار، الاردن والسعودية والقاهرة، اضافة الى رام الله. وعرج الامين العام على الدوحة، في طريقه الى ايران وعودته منها، لاسباب تقنية. لكن الدوحة حاولت ان تظهر هذه المحطة كجزء من مهمته، فاعلنت انها ستخرق الحصار الجوي على لبنان، في ما يشبه التحدي لاسرائيل وسترسل قوات لتنضم الى"يونيفيل"، في ما يشبه سلوك الدول الكبيرة! وهي استأذنت اسرائيل لخرق الحصار ولم تتحداها، وستظل دولة صغيرة حتى لو ارسلت كل جيشها الى لبنان، وستظل في حاجة للحماية الاميركية مهما انفقت من فائض مواردها الطبيعية! لنتجاوز هذا الاستغلال الفج لمهمة الامين العام الغاية في التعقيد والصعوبة، نظرا الى الازمات المرتبطة بها والى كثرة الاطراف المعنيين بها. يمكن ان نلاحظ، من التصريحات العلنية لانان، ان القضايا الاكثر تعقيدا التي جاء من اجلها ما تزال بعيدة عن الحل. علما ان هذه القضايا محصورة في القرار ال 1701. كما ان التقدم الوحيد المسجل على الارض، والمتمثل بتعزيز"يونيفيل"، يرتبط بارادة الدول المساهمة، خصوصا الغربية، اكثر بكثير من ارتباطه بالجولة. اسرائيل ما تزال متمسكة بشروطها لرفع الحصار عن لبنان، وهي شروط مرتبطة بتبادل الاسرى ومنع دخول السلاح الى غير القوى الشرعية اللبنانية. وسورية لا تزال تسعى الى تخطي الجانب المتعلق بها في القرار، اي الترسيم في مزارع شبعا واعلان التزامها عدم مرور اسلحة الى لبنان عبر اراضيها، من اجل فك العزلة عنها عبر السعي الى مفاوضات مع اسرائيل تتضمن بالضرورة عودة الى"التطبيع"مع اميركا واوروبا. وايران تحاول مقايضة الليونة العلنية في تنفيذ القرار الدولي بانتزاع حق التخصيب، بمفاوضات او من دونها. القرار ال 1701 ينص على كيفية احلال السلام في لبنان. ويضع نوعا من خريطة طريق تنفيذية لهذا الهدف. وباستثناء نصه على استقلال لبنان وسيادته، تظل غالبية بنوده ذات طابع تقني. اي ان انان يحاول ان يضح خطة تنفيذية لبنود تقنية من اجل معالجة القضايا السياسية المعقدة والمترابطة التي تعصف في الشرق الاوسط. واذا كانت الجولة ستنتهي الى ارساء هدوء امني، قد يطول او يقصر، فقد تحقق بعض النتائج الآنية. لكن الاستقرار، كما تظهر الاحداث اليومية في المنطقة العربية يحتاج الى اكثر من معالجة تقنية. انه يحتاج الى معالجة سياسية، ينبغي ان تنخرط فيها الاممالمتحدة ومجلس الامن. هذه المعالجة تستند الى مبادىء بسيطة. تؤكدها الدول العربية يوميا: اقامة الدولة الفلسطينية والانسحاب الاسرائيلي من الاراضي العربية المحتلة، في مقابل السلام مع اسرائيل. وما لم تلتزم الأممالمتحدة ومعها مجلس الامن بتنفيذ هذه المبادىء، وفي اسرع وقت ممكن، ستكون لانان ولخليفته في الاممالمتحدة جولات كثيرة لاحقة لمعالجة ازمات فرعية تزداد تعقيدا. لان الحلول التقنية، مهما كانت البراعة في صوغها، لن تحل محل الحلول السياسية... لكن في الانتظار تزداد شعوب المنطقة إحباطا ويأسا، بما قد يوصلها الى نقطة اللاعودة في طريق الحلول العقلانية.