ليس من السهل إقناع أدباء عالميين كبار، بعضهم حائز على جائزة نوبل، في ان يشاركوا في كتاب جماعيّ يعود ريعه الى أطفال لبنان الذين عانوا الكثير خلال الحرب التي شنتها اسرائيل على وطنهم. لكن الكاتبة اللبنانية المقيمة في لندن مي غصوب استطاعت، مع فريق دار الساقي، أن تقنع عدداً غير قليل من الكتّاب العالميين في ان يكتبوا عن هذه الحرب بحرية تامة أو ان يقدموا نصوصاً غير منشورة ليضمّها كتاب جماعي هو عبارة عن"مختارات"بالانكليزية في عنوان"لبنان، لبنان". استطاع فريق دار"الساقي"ان ينجز الكتاب خلال أقل من شهر، وواجه صعوبات جمّة، فالحرب كانت دائرة على الأرض، والقضية اللبنانية كانت الشغل الشاغل دولياً وكان الاعلام العالمي يتابع الوقائع بحذر، معتبراً ان الحرب هي بين اسرائيل وحزب الله. في مثل هذا الجو الملتبس كان من الصعب حقاً ان تطلب دار مثل"الساقي"من كتّاب عالميين ان يشهدوا على هذه الحرب. لكنّ النتيجة بدت مثمرة وإذا بالكتاب يضمّ نصوصاً لأسماء عالمية كبيرة: هارولد بنتر، جون لوكاريه، بول أوستر، ف إس نايبول، دوريس ليسنغ، أورهان باموق، حنيف قريشي، ألبرتو مانغويل وسواهم... وضمّ الكتاب ايضاً نصوصاً لكتّاب عرب من أمثال: أدونيس، محمود درويش، حنان الشيخ، الطاهر بن جلون، عباس بيضون، ألكسندر نجار، حسن داوود، هدى بركات، مي غصوب وسواهم... بعض النصوص العالمية لم ترتبط بالحرب، وشاء أصحابها ان يعبّروا من خلالها عن تضامنهم مع لبنان وأطفاله. وهذه بادرة لافتة جداً. فالشهادة على الحرب لا تحتم كتابة نصّ عن الحرب. هكذا نقرأ قصصاً وقصائد ونصوصاً حرّة تنشر للمرة الأولى، وقد اخترنا باقة منها نقدمها الى القارئ بالعربية. أما الكتّاب العرب فتناولوا في معظمهم الحرب وآثارها ولكن في طريقة ذاتية جداً وبعيداً من أي خطابية أو حماسة. قد يأخذ البعض على هذه"الانطولوجيا"أو"المختارات"غياب بضعة أسماء لبنانية أو عربية أو فرنسية وسواها، لكن اللائمة لا تقع على أحد، لا على الدار ولا على الذين أعدوها. فالظروف التي رافقت وضع هذه"المختارات"كانت غاية في الصعوبة، عطفاً على ان أي"مختارت"توضع تظلّ"ناقصة"في معنى ما، أو وقفاً على خيارات واضعيها ورؤيتهم وذائقتهم. ولعلّ"المختارات"هذه لم يكن هدفها ترسيخ صورة عن طبيعة النصوص التي كتبت خلال الحرب، وفيها، بل غايتها هي أن تكون ذريعة أدبية لخلق مناخ يلتقي فيه أدباء من هنا وهناك وهنالك من أجل الاحتفاء بأطفال لبنان. لبنان، لبنان"كتاب جميل حقاً، وليت كل نصوصه الأجنبية تترجم الى العربية، فبينها نصوص فريدة وبديعة، اضافة الى الشهادات التي تقدمها النصوص الاخرى التي كتبت في جوّ الحرب. إنها مختارات"أدبية يمكن ان تُقرأ بمتعة، مع صرف النظر عن المناخ الذي جمعها في الكتاب. ولم يخل الكتاب من الرسوم والتخطيطات بالألوان والأسود والأبيض لفنانين لبنانيين وبريطانيين من أمثال: حسين ماضي، محمد الرواس مصمم الكتاب، غريتا نوفل، ايتيل عدنان، مازن كرباج، منى حاطوم وسواهم. الكتاب تطلقه مساء اليوم دار الساقي في احتفال فني، مسرحي وموسيقي، تتخلله قراءات يشارك فيها: دوريس ليسنغ، حنان الشيخ، مارغرت درابل، ايزابيل هيلتون وهيغو ويليامس وسواهم، بدءاً من السابعة مساء في نيو بليرز تياتر، لندن.