تنضوي رواية"الفضيلة عذراء أبداً"للكاتب علي الأنصاري تحت باب"القصة أو الرواية الإسلامية". هذا التيار الأدبي الذي مثّلته الكاتبة الشهيدة آمنة الصدر"بنت الهدى"في عدد من قصصها ورواياتها مثل"الفضيلة تنتصر"،"الخالة الضائعة"،"امرأتان ورجل"،"لقاء في المستشفى"، وپ"ليتني كنت أعلم". ولعل الخلل الكبير الذي يعتري توصيف هذا التيار بالقصة الإسلامية هو أن كاتبها يعتمد كلياً على المضمون، ولا يعير الشكل الفني أي اعتبار. لذلك لم تخرج كل القصص والروايات التي كتبتها بنت الهدى عن إطار الأدب الوعظي الذي لا يمتلك أية قيمة فنية تُذكر. من هذه الاعمال رواية"الفضيلة عذراء أبداً"للكاتب علي الأنصاري الذي أصدر لاحقاً كتاب"مذكرات سجينة"بالاشتراك مع زوجته فاطمة العراقي. ويبدو أن هذا الكاتب الذي لا يدّعي بأنه قاص أو روائي كتب عمله الروائي الأول تحت هاجس"القصة الإسلامية"حتى وأن لم يسمِّها. فهذا النمط من الكتّاب يرجّحون المضمون على حساب الشكل، وهمّهم الأساس هو إيصال مجموعة من الأفكار والآراء التي تخدم توجههم الديني، وتعزز مشروعهم الفكري. ونتوقع لهذا التيار"الأدبي المُسيّس"أن يزدهر في ظل هيمنة الأحزاب الدينية في العراق التي تعتمد في ترويج فكرها الديني على مجموعة من الرؤى القديمة التي تتجدد بين أوان وآخر. وتدعو هذه القصص والروايات الإسلامية الى إقامة دولة الحق. تمثل هذه الرواية أيضاً تيار"أدب السجون". فشخصية آمنة البغدادي هي الشخصية الرئيسة فيها، التي تتحرك في شكل محموم على مدار النص منذ بدايته المقلقة حتى نهايتة المأسوية من دون أن يخطف منها أحد ألق البطولة الفردية. فعلى مدى الفصول الثلاثة الأولى تنهمك آمنة البغدادي، وهي للمناسبة طالبة في كلية الطب في بغداد، في نصح أو إرشاد ابنة خالتها وداد، التي اعتنقت فكر البعث رهبة لا رغبة، وأصبحت بعثية على رغم ارادتها كما هي حال ملايين العراقيين الذين انضووا تحت يافطة الحزب من دون قناعة راسخة. وبذل الكاتب جهداً كبيراً من أجل اظهار آمنة البغدادي كفتاة مسلمة ملتزمة بكل ما يمت الى الدين الإسلامي. وقد استطاعت عبر ثقافتها الدينية الرصينة، وقوة ايمانها أن تقنع جمال، وهو صديق ابنة خالتها وداد الذي كان يلعب بعواطفها، وتجعل منه انساناً سوياً صالحاً اعتذر عن أخطائه السابقة، وبات يدور في الفلك ذاته الذي تدور آمنة البغدادي التي أهدت لاحقاً صديقتها الأخرى عبير وشقيقتيها إلى طريق الحق والصواب. أما الفصول الثلاثة اللاحقة فهي أنموذج دقيق لأدب السجون في العراق على رغم من أن المناخ العام لهذه الرواية يذكرّنا كثيراً بالمناخ البوليسي الذي أسسه سنان أنطون في روايته القيّمة"اعجام"اذ لا يخرج سياق النص عن الوشاة، والمتربصين، وكتبة التقارير الذين ينصبون الشراك لكل الطلبة المناوئين لحزب البعث، والمناهضين للحكم الطاغوتي. فلقد سبق لوداد أن نبهت ابنة خلتها آمنة للحد من نشاطها الديني، والتقليل من تأثيرها الواضح في طالبات القسم. وعندما يفشل رئيس الاتحاد، وسكرتيرته في إقناع آمنة بالانتماء الى صفوف الحزب، أو الكف عن نشاطها الديني في الأقل يندلع بين الطرفين سجال حاد يفضي بآمنة الى الكشف عن ايمانها المطلق بدولة الحق، وأنها لا تجد ضيراً في مقارعة الظلم والاستبداد حتى وإن كلفتها مقارعة الظالمين والمنافقين والمُضلِلين حياتها. وفي الفصلين الأخيرين تشتد المجابهة بينها وبين الجلاد الذي توارى وراء أسماء وعناوين معروفة ببطشها في التاريخ العربي. ولم يفلح"رجل المهمات الصعبة"في تحطيم ارادتها لأنها قررت منذ البدء أن تمشي في طريق"ذات الشوكة". لقد انتزعت منه الشهادة، بينما لم يستطع أن ينتزع منها حتى عنوان محل اقامتها. وحينما فشل في انتزاع أي اعتراف منها استعمل كل رصيده من وسائل التعذيب التي حطمت ارادة الكثير من الناس الأشداء، بينما كان يخاف وهو يقف أمام"فتاة مقيدة"تتسلح بطمأنينة القلب، وقوة الايمان. ولا غرابة في أن يلجأ هذا الجلاد الى اغتصابها لتعميق احساسها بالعار، ولم يتمكن من أخذها في أوقات صحوها ويقظتها القليلة، وإنما انتهكها في لحظات الغيبوبة. وحينما يئس تماماً من انتزاع أي اعتراف منها انهال عليها بالضرب المبرح، وظن أنها فارقت الحياة، وقرر أن يدفنها بين أكداس النفايات الواقعة عند مشارف المدينة. غير أن المصادفة"القدرية"تلعب دورها حيث يكتشفها أحد الرعاة قبل طلوع الفجر، فيأخذها بعد لحظات عصيبة من الخشية والتردد إلى بيته على أمل انقاذها، غير أنها تلتمس منه أن يبحث عن أبيها ويخبره بما فعله الجلادون بها. وحينما يذهب هذا الرجل الطيب يكتشف أن المنزل مختوم بالشمع الأحمر، وأن الأب هرب الى جهة مجهولة. وحينما يعود الى منزله خالي الوفاض، تفارق آمنة الحياة، فيدفنها نزولاً عند رغبتها في الرابية الخضراء قرب عين الماء الوحيدة. بقي أن نقول ما جدوى هذا النمط من الأدب الوعظي الذي يمجّد المضمون، ولا يعير شأناً للشكل الذي نعدّه العصب النابض لأي منجز فني في الفنون القولية على وجه التحديد؟