بين تقرير "الحالة الدينية في مصر، جزأين، مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية في الأهرام 1998"وپ"دليل الحركات الاسلامية في العالم 2006"الصادر عن المركز نفسه، أن هناك مسافة زمنية تقارب أقل من عقد من الزمن، وطموحاً يسعى الى"بناء مدرسة مصرية عربية"في دراسة الحركات الإسلامية، وجدت تعبيرها في نشرات وكراسات ودراسات وكتب طالت ظاهرة الإسلام السياسي، في كافة تجلياتها وجوانبها، عسى أن تقدم فهما أدق وأشمل لتلك الظاهرة، وأن تسد الفجوات التي تركتها وراءها المدارس الأخرى ? والمقصود، بذلك، المدارس الأجنبية إذ لا توجد مدارس أخرى من منظور القائمين على الدليل أو مراكز أبحاث في العالم العربي باستثناء مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية - في سعيها الى هذا الفهم. كان"تقرير الحالة الدينية في مصر"مساهمة بحثية مهمة في دراسة الحالة الدينية في مصر، بالأخص، في تناوله لظاهرة الإسلام السياسي، وشارك في كتابة التقرير 24 باحثاً وأكاديمياً مصرياً، نصفهم من الأقباط، وهذا ما جعل من التقرير انحيازاً للحال الدينية القبطية التي تظهر متسامحة قياساً بالإسلام السياسي الذي يجعل من السيف نتيجة للمصحف، والرصاص بمثابة نتيجة للنص القرآني مع إشادة باستراتيجية الإقصاء التي طبقتها الدولة المصرية بحق الجماعات الإسلامية والتي نجحت في تحجيم نشاط الجماعات من دون إنهاء التواجد السياسي لها بالمعنى الدقيق للكلمة. أما"دليل الحركات الإسلامية في العالم"فقد شارك فيه 14 باحثاً بقيادة ضياء رشوان من دون أن يكون بينهم باحثاً قبطياً واحداً، وكان هذا بمثابة إقرار ضمني بالانحياز السابق الذي جسده"تقرير الحالة الدينية في مصر"، أضف الى ذلك سعي من كتبوا الدليل الى استبعاد الدراسات البحثية عن الظاهرة الإسلامية التي تجعل من أصحابها خصوماً سياسيين للحركة الإسلامية، وهذا ما يجعل من كتاباتهم انحيازاً الى جانب السلطة والأيديولوجيا على حساب المعرفة، وبالتالي فهي تمثل موقفاً سياسياً مسبقاً وهذه إحدى حسنات الدليل. يسعى"دليل الحركات الاسلامية في العالم"الى أن يكون استمراراً للتقاليد البحثية الرصينة كما يقول مؤلفوه، التي سنّها مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية والسياسية منذ قيامه، وأن يسهم كما أسلفنا مع جهود بحثية وأكاديمية أخرى سابقة عليه وتالية له في بناء مدرسة مصرية عربية متخصصة في دراسة الظاهرة الإسلامية في كافة جوانبها وتجلياتها، من هنا فإن الدليل يعيب على ما سبقه أموراً عدة: أولاً: إن الجهود البحثية والأكاديمية السابقة على الدليل، لم تترافق مع محاولات تسعى للتعرف على أبرز مكونات تلك الظاهرة أو أكثرها إثارة للجدل؟ ثانياً: سيادة منطق التعميم في أغلب الدراسات التي طالت الظاهرة. ثالثاً: التعامل مع الظاهرة على أنها"كتلة صماء من الحركات الإرهابية العنيفة". رابعاً: غياب منطق التراكم في دراسة الظاهرة. خامساً: الغياب الواضح والمخل في الأدبيات العربية والأجنبية - باستثناء مجهودات فردية قليلة هنا وهناك - لخريطة دقيقة وتعريفات علمية للحركات الإسلامية. صحيح أن الدليل يسعى الى أن يكون استمراراً للتقاليد البحثية، ولكن ثمة طموح ينهض عليه ويهدف الى حجب ما قبله من الدراسات التي قام بها أفراد مستقلين، والى تجاهل ما قامت به مراكز بحثية أخرى كمركز دراسات الوحدة العربية الذي عمل منذ وقت مبكر على دراسة ظاهرة"الحركات الإسلامية في الوطن العربي"، والذي عالج من زوايا مختلفة علاقة هذه الحركات بالديموقراطية، أو بالحرية كما هو كتاب راشد الغنوشي"أسس الحريات العامة في الدولة الاسلامية 1993"وذلك على سبيل المثال لا الحصر. من جهة أخرى، يظهر لي أن الدليل الذي يأخذ طابع تقرير سنوي، قد كتب على عجل، فالدليل لا يأخذ بالخصوصية الجغرافية للمنطقة العربية على سبيل المثال، فهو يدرس حركة الأخوان المسلمين في مصر، كذلك الجماعة الإسلامية في مصر، ثم حركة حماس في فلسطين، ثم يهمل الحركة الإسلامية في الأردن، لينتقل الى دراسة الحركة الإسلامية في تركيا ممثلة في حزب العدالة والتنمية الذي يرأسه رجب طيب أردوغان من دون أن يستند الى أي مرجع في دراسة حزب العدالة والتنمية، وهنا يكمن القصور المنهجي في الدليل، إذ كان من الممكن تكليف أحد الباحثين المختصين في دراسة الظاهرة الإسلامية في تركيا، وممن يجيدون التركية، في سبيل فهم أعمق، لتحولات الحركة الإسلامية هناك واعتمادها النهج الديموقراطي، ثم يقفز من دراسة حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين الى دراسة حركة المجاهدين في كشمير اعتماداً على مرجع يتيم يكشف مدى الهوة بين طموح المركز وواقع الحراك الفكري له. إذاً، كان من الممكن للدليل أن يدرس أولاً واقع الحركات الإسلامية في المنطقة العربية وذلك على طول الخط الممتد من الشام لتطوان مروراً بالعراق والجزائر وتونس وغيرها. ثم ينتقل الى دراسة الحركات الإسلامية في المحيط الإسلامي. لكن الدليل الذي أزعم أنه كتب على عجل، والذي يجعل منه تقريراً سنوياً، قد يسعى في الدليل اللاحق الى تدارك ما فاته، وبالتالي الانتظام مجدداً في الحيز الجغرافي - السياسي موضوع الدراسة. وفي رأيي أن هذا الدليل بصفحاته الكبيرة والتي تصل الى 366 صفحة وكأنه سنة كبيسة، يصدر عن رؤية مركزية مصرية، لنقل عن مدرسة مصرية، تقلل من جهود الآخرين البحثية في هذا المجال، على قلتها؟ ثمة ملحوظة أراها مهمة، فعلى رغم أن الدليل يمثل جهداً بحثياً جماعياً، فقد غاب توقيع المؤلف عن البحث، فنحن لا نعرف من الذي كتب عن"الجماعة الإسلامية في أندونيسيا"أو ذلك الذي كتب عن"المراجعة الفكرية للجماعة الإسلامية المصرية: قراءة تحليلية في سلسلة تصحيح المفاهيم"ولا ذلك الذي كتب"عن ملامح تطور خطاب بن لادن قبل وبعد ايلول"سبتمبر"2001"وبهذا تكون الطاسة قد ضاعت كما يقول المثل الشعبي، صحيح أن الجهد الجماعي مهم، لكن غياب الفردية يعني ضياع الخاص في العام وبالتالي غياب المسؤولية الفكرية عن الأبحاث التي طغى على بعضها طابع الوصف أو اعتماد المصدر الواحد أو قول ما هو شائع؟ هذه الملاحظات لا تقلل من أهمية هذا الجهد، وبخاصة تلك الأبحاث التي طاولت الظاهرة الإسلامية في مصر، سواء المتعلقة بالأخوان المسلمين أم تلك التي طاولت الجماعة الإسلامية والتحولات والمراجعات التي رافقت تحولاتها من جماعة مسلحة الى جماعة سياسية، والتي لا غنى عنها لكل دارس في هذا المجال، والتي تتكامل دراسات باحثين مصريين مستقلين كدراسات منتصر الزيات عن"أيمن الظواهري كما عرفته"أو عن"الجماعة الإسلامية: رؤية من الداخل، 2005". ما أظنه، أن مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية في الأهرام قادر على تجاوز مركزيته، وبالتالي تجاوز القصور المنهجي في أبحاثه والتكامل والتواصل مع باحثين عرب لهم معرفة ودراية جيدة بتحولات الحركة الإسلامية في بلدانهم وهنا تكمن أهمية هذا الدليل الذي يمثل فاتحة لأعمال مهمة أخرى. * كاتب سوري