لا شك في أن العارفين ببواطن الأمور يعلمون ان الديموقراطية التي تبشر بها أميركا وأوروبا ما هي الا دعاوى عارية عن الصحة. هم يقولون ان الديموقراطية هي حكم الشعب لنفسه وبنفسه من دون تمييز لعرق أو دين أو لغة أو أي شيء آخر، ولكن عند التطبيق العملي لهذه الشعارات التي ظلت مرفوعة عقوداً من الزمن نرى عكس ذلك عندما تتعارض مع مصالحهم. فلو اختار أي شعب مقاومة الاحتلال، فالمقاومة مشروعة وعادلة وتضمنها دساتير وقرارات الأممالمتحدة التي تدعمها أميركا والعالم الغربي. أما اذا قاوم الشعب الفلسطيني أو اللبناني أو العراقي أو غيره من شعوب العرب أو المسلمين المحتل الغاصب والجاثم فوق أرضه يصبح في الغرب شعباً معادياً للسامية أو ارهابياً ومتخلفاً أو غير حضاري. ولو اختار أي شعب نظام الحكم الذي يرتضيه فهو شعب حر حري به أن يختار النظام أو المبادئ التي ناضل من أجلها، ولكن اذا اختار الشعب الاسلام وبنسبة تسعين في المئة فهنا تتغير النظرة، ويُزعم بأنه ارهابي ومتطرف، معادٍ للحرية والديموقراطية. بعد أن صرح شارون أن على السلطة الفلسطينية أن تلجم حركة"حماس"، بدأت التصريحات الأميركية تتناغم مع تصريحات شارون وأركان دولته الذين يرون ان الحركة وغيرها من التنظيمات التي تؤمن بأن الصراع العربي ? الاسرائيلي لم ينته بعد، وأن على الشعوب مقاومة الاحتلال، ربما يكون شارون من وجهة نظر حزبه المتطرف له عذره من أجل فلسفته الخاصة أو من أجل كسب ودّ الناخب اليهودي الذي يعتبر"حماس"ألد أعدائه. ولكن ما العذر الذي تدعيه أميركا في قلقها بل ومحاربتا وتهديدها السلطة الفلسطينية بقطع المساعدات عنها اذا سمحت لپ"حماس"بممارسة دورها الايجابي؟! هل هذه الديموقراطية الحديثة في القاموس الليكودي الجديد؟ أم هي الديموقراطية التي تنحي رأي وأصوات أكثر من ثلاثة أرباع المجتمع - بحسب استطلاعات الرأي الأخيرة - من أجل سلامة الكيان الاسرائيلي!! والغريب هنا في هذا السياق ان الدول الأوروبية انساقت في الاتجاه الشاروني نفسه، فها هم من أجل تأكيد ديموقراطيتهم المزعومة أرسلوا خافيير سولانا الى الأراضي المحتلة ليعلن من هناك وقف مساعدات الاتحاد الأوروبي في حال وافقت السلطة الفلسطينية على مشاركة حركة"حماس"في الانتخابات!! هل هذه ديموقراطية آخر زمن أم هي الديكتاتورية المبطنة المتزينة برتوش ديموقراطية ما عادت تقنع الكثيرين من العرب، بل صارت تصب في غير ما أريد وخُطط لها. في الحقيقة، ان هذه المواقف الغربية حيال مشاركة حركة"حماس"في الانتخابات زادت الحركة قوة وتماسكاً وكأنها هدية مجانية كبيرة من قبل دول وجدت كرهاً متزايداً من الشعوب العربية وخصوصاً الشعب الفلسطيني، ولا سيما بعد احتلال العراق الذي من دون أدنى شك سيعطي في النهاية صوته لمن وقف بالمرصاد من زمن طويل ازاء هذه الدعاوى التي خدعت الكثيرين. ولكن الأمور بدأت تتضح ونتائج الانتخابات الأخيرة في مصر خير برهان على ذلك. ما كانت حركة حماس تحلم بهذه التغطية الاعلامية المجانية من قبل المحطات الفضائية والصحف والمجلات والمواقع الالكترونية وحتى الاتهامات التي تكال ضدها لا تجد قناعة عند المنصفين فمن العسير أن يُغطى نور الشمس بغربال، ولا سيما ان كان واسع الثقوب، وصدق الشاعر: وإذا أراد الله نشر فضيلة / طويت أتاح لها لسان حسود خليل محمود الصمادي - الرياض