تشهد تركيا حالاً يحمل نتنها على الغثيان. فما نعلمه ان تنظيماً سرياً انشأه ودربه حلف شمال الاطلسي على يد الاستخبارات الأميركية سي آي ايه في دول الحلف كلها، ايام الحرب الباردة، مهمته التحرك من تلقاء نفسه، في حال تعرضت الدولة للخطر. وتعريف الخطر هو احتلال الاتحاد السوفياتي، أو سيطرة حزب شيوعي أو يساري على الحكم في البلد الاطلسي. وتعريف الخطر بتركيا، حينها، كان يضم ما عرف بالتهديد الاسلامي، الى التهديد الشيوعي. ومهمة التنظيم السري هذا هي التحرك وقت الخطر، وتنفيذ اغتيالات سياسية وتفجيرات تخدم الغاية منه. ونجح هذا التنظيم في بلد معروف بقوة اليسار فيه، هو ايطاليا، ونجح في منع الحزب الشيوعي بايطاليا من الاستيلاء على الحكم. وكان التنظيم السري قوياً بتركيا، فتركيا هي الدولة التي لها أطول حدود مع الاتحاد السوفياتي، وشعبها مسلم. فشفعت ذراع مدنية بالتنظيم، وجهزت مستودعات سرية للسلاح يلجأ اليها فوراً اذا قويت الاحزاب اليسارية. ونفذ التنظيم كثيراً من الاغتيالات والعمليات بتركيا، في العقود الماضية. الا ان أياً من هذه العمليات لم يكشف الستار عنه. وقيدت الدعاوى في الاغتيالات ضد مجهول. وفي ايطاليا، اختطف وأعدم رئيس الوزراء المحافظ، ألدو مورو، عندما أشرف على عقد اتفاقات تاريخية مع الشيوعيين. وتعرض رئيس الوزراء التركي، بولنت اجاويد، لمحاولة اغتيال حين شكل حكومة ائتلاف مع حزب السلامة الوطني، بزعامة نجم الدين اربكان. واضطلع التنظيم السري بتشويه صورة الاسلاميين الأتراك بواسطة عمليات في سيواس وشوروم وكهرمان مرعش، وهي حوادث قتل وعنف وحرق راح ضحيتها علمانيون. وشنت أوروبا حرب تنظيف على التنظيم السري بعد انتهاء الحرب الباردة، وفي بعض الدول كانت تصفية التنظيم التابع للناتو سهلة، بل ان قياداته التي انشأته ساعدت في تصفيته. وفي دول اخرى كانت العملية اصعب. وفي تركيا فوتت الحكومات فرصاً كثيرة لتصفيته، بسبب اضطراب الاحوال الامنية. فاستأنف التحرك حين اعتقد بأن الحاجة اليه ألحت، غداة وصول حزب العدالة والتنمية الى السلطة. فهو تنظيم يعمل من تلقاء نفسه وسراً. وعثور الأمن على مخططات تستهدف رئيس الوزراء ومعاونيه، الى كميات كبيرة من الاسلحة مع عصابة سرية، أمر قد يكون غريباً علينا. ولكنه تكرار لحوادث وقعت في أوروبا. والفرق هو أن أوروبا قضت على هذه الظاهرة، ولكننا نرفض الاعتراف بها. وهي صورة مزعجة ومقززة. فإذا شعرتم بالغثيان فارجوكم تقيأوا، وخذوا موقفاً، ولا تتحملوا دوام الوضع العفن هذا. عن فهمي كورو،" يني شفق"التركية 1/6/2006