الإرهاب بدّل صورة الإعلام وجعله مهمة صعبة، لكن التقنيات الحديثة تُبشر بنقل صور لأحداث يصعب تغطيتها بتقنيات تقليدية، على رغم أن الإعلامي الذي يستخدم هذه التقنيات بات في وضع لا يحسد عليه أمنياً. هذا ما أكده مدير شبكة الأخبار الدولية"سي أن أن"كريس كرايمر في مقابلة مع"الحياة"خلال زيارة له الى العاصمة البريطانية. يرى كرايمر أن"الوضع بالنسبة الى سلامة الصحافيين في أنحاء العالم فظيع ولا يوصف، لم نر هذا العدد الكبير من الصحافيين أو الذين يعملون مع الصحافيين، يُقتلون، كما حصل في السنوات الأخيرة". والسبب وراء هذا التطور خطير يكمن في أن"مهنة الصحافة لا تحظى للأسف باحترام عالمياً حالياً"، بحسب كرايمر الذي يضيف أن"هناك جماعات ومنظمات لا تحبنا ولا تحترمنا وتفضل ألا نكون هناك"، وذلك من دون أن يصنف"القوات الأميركية والبريطانية في هذه الخانة". يشهد العالم ثورة تكنولوجية جعلت تصوير الأحداث ونقلها أمراً متاحاً لدى عامة الشعب الحاضرين في موقع الحدث، ما يستدعي خطوات مواكبة من الشبكات الفضائية. وفي هذا المجال، يشدد كرايمر على أهمية استخدام تقنيات الجيل الثالث من أجهزة الخليوي التي تتيح التقاط صور ونقلها في سرعة فائقة."في"سي أن أن"، نيك روبنسون وغيرهم يستخدمون هذه التقنية. وزودناهم مراسلي الشبكة بجهاز"نوكيا أن 90". وفيما يؤدون عملهم اليومي، يختبرون التقاط الصور على الجهاز الخليوي". ويؤكد كرايمر تحقيق"بعض النجاحات المبكرة في هذا المجال. نيك روبنسون هو الأكثر تقدماً، اذ التقط صوراً يصعب علينا أخذها بكاميرا تقليدية"، لافتاً الى قيامه بتسجيل هجوم على فريق"سي أن أن"في اقليم دارفور ونقله مباشرة عبر الجهاز الخليوي. يربط مدير هذه الشبكة الدولية رؤيته لمستقبل الصحافة والاعلام بطبيعة الأعمال العدوانية التي يشهدها العالم، خصوصاً لجهة تأمين تغطية أفضل لها."فاذا وقع هجوم مماثل لاعتداءات 11 أيلول سبتمبر والسابع من تموز يوليو الماضي في لندن، في هذا الجزء من العالم الغرب حيث يحمل جميع الناس تقريباً أجهزة خليوي من الجيل الثالث، سيلتقطون صوراً وينقلونها بسرعة في أنحاء المكان"، وهو ما يسهل عملية النقل الاعلامي بشرط وضع"أنظمة تعمل للتحقق من المواد التي نحصل عليها". ولا ينحصر أثر الارهاب في الساحة الاعلامية، بحسب كرايمر، في تطور الأدوات التقنية، بل يظهر جلياً في صعوبة تنقل الصحافيين وتلاشي الحماية التي كانت مضمونة لهم."في العقود الماضية، كان سهلاً للصحافيين أن يتنقلوا من مكان الى آخر كما لو أن لديهم علامة على رؤوسهم تصنفهم فصيلاً محمياً. لكن اليوم الصحافي الآتي من الغرب أو بيروت يعتبر امتداداً لحكومته، وهو أمر غير صحيح". الطريقة المثلى لمواجهة هذه الحالة المتنامية في تقديم"أرفع نوعية من العمل الصحافي الذي يفوق كل انتقاد... ويتميز بالحياد التام"، بحسب كرايمر الذي يشدد على شمولية التهديدات ضد الاعلاميين قائلاً إن"الأخطار المحدقة بالعاملين في المجال الاعلامي في العراق مثلاً، لا تنطبق فقط على العاملين في"سي أن أن"، انما على الجميع. السؤال هو هل أصبح أصعب للصحافيين ومن ضمنهم العاملون في"سي أن أن"تغطية الأخبار في العالم. الجواب هو نعم". وعلى رغم أن هذه الشبكة متهمة دائماً بالانحياز لمصلحة اسرائيل في تغطيتها أحداث الشرق الأوسط، إلا أن كرايمر يعتبر أنه"لا تفلت أي تغطية لنا لأي حدث في العالم من الانتقادات... لدي لوحة على مكتبي في أتلانتا تقول إنه في زمن الأزمة، قد يبدو الحياد كالانحياز. وفي حال فلسطين، أخشى أننا نتلقى عدداً مماثلاً من الشكاوى من الجانب الاسرائيلي، كما نفعل من الجانب الفلسطيني". ورفض كرايمر اعتبار"سي أن أن"على يمين"بي بي سي"في تغطيتها لأخبار الشرق الأوسط، موضحاً:"نتهم بأننا سفراء للسياسة الخارجية الأميركية. وهذا الأمر مرفوض وغير صحيح بتاتاً. لا أجندة لدينا... ونحترم آراء الناس فينا. لسنا كاملين وليس هناك أحد كامل، لكننا لا نأخذ موقفاً منحازاً". تتطلع"سي أن أن"الى منطقة الشرق الأوسط بصفتها"جزءاً مهماً جداً في العالم"ترفض"وقف تغطيته الشاملة". لكن المتغير اليوم في استراتيجيتها الاقليمية، هو فهمها المفصل لمشاهدها الشرق أوسطي."مشاهدوننا مواطنون عالميون تعتبر الانكليزية لغتهم الثانية أو الثالثة. متنقلون بين الدول ومرتاحون الى استخدام الانترنت ويجمعون بين النقاط في العالم"، وفقاً لكرايمر. ويأتي هذا الرسم لمعالم المشاهد العربي اثر دراسة أُجريت خلال الأسابيع الماضية، تظهر أنها أول شبكة أخبار دولية في المنطقة. ولا تطمح"سي أن أن"لأن تكون وسيلة اعلام شعبية ولا تعمل لذلك في الشرق الأوسط، إنما يشكل مشاهدوها ما بين خمسة وعشرة في المئة من السكان، ما يجعلها قناة نخبوية. لكن كرايمر لم يستبعد إنشاء محطة عربية مستقبلاً كما تفعل هيئة الاذاعة البريطانية بي بي سي،"اذ لدينا موقع عربي على الانترنت وهو صغير لكنه ناجح. ولقد درسنا احتمال البدء بشيء ما في مجال الأخبار بالعربية أو الأعمال. ولا يمكنني أن أستبعد ذلك، إذ إنه مجال مزدحم وضبابي. لكن لا شيء حالياً في الأفق".