لا يزال الشاب أحمد القاسم، الذي يقطن في مخيم الأمعري للاجئين الفلسطينيين، قرب رام الله، يتذكر حواره مع جده، حول قرية مالحة المهجرة، والنكبة الفلسطينية. ويؤكد أنه كان ولا يزال، يحلم بالعودة الى المالحة، على رغم أن هذا الحلم لم يعد، مع الوقت في سلم أولوياته، ويقول:"تناقشت كثيراً مع جدي، الذي رحل قبل خمسة أعوام، وعندما كنت أتحدث عن أن لدينا كشباب ما يؤرقنا أكثر من حلم العودة، الذي بتنا نراه بعيداً، كان يستشيط غضاً... بالنسبة اليّ ما زالت حكايات مالحة والتهجير تسكنني، لكني أرى أن معاناتنا اليومية في المخيم أكبر بكثير. قد يتهمني بعضهم باللاوطنية، ولكن هذه هي الحقيقة... بيوت مكتظة، فقر يتفاقم، ونسبة عالية للبطالة، والخدمات الاساسية غير متوافرة بالشكل المطلوب. الواقع أهم من الحلم الذي بدأ يتلاشى، علينا أن ندرك ذلك جيداً". ويرى القاسم، خريج اللغة العربية، ويبحث عن عمل منذ 3 سنوات، أن النكبة علمته الكثير:"لن نترك بيوتنا ونرحل، كما فعل أجدادنا، هذا ما تعلمناه، فقد أدركنا، وعبر معاناتنا اليومية والمستمرة كلاجئين، ما يمكن أن يحدث جراء الرحيل، أفضل الموت على حياة الذل والهوان، التي نعيشها، وعاشها من قبلنا آباؤنا وأجدادنا، الذين يتحملون جزءاً من المسؤولية، جراء عدم صمودهم في أراضيهم، على رغم أنني أدرك جيداً تجربتهم حينها، وأعي انني بما قلت قد ألحق الظلم بالكثير منهم. وترفض الطالبة الجامعية، ناتالي بنورة، المقيمة في رام الله، بعد سنوات عاشتها في مخيم"الوحدات"في الأردن، تحميل الاجداد وزر ما يحدث، وتؤكد أنها لو تعرضت لقساوة ما تعرضوا اليه، قد تفكر بالطريقة نفسها. وترى بنورة في"النكبة"وقفة ضرورية مع النفس، ليس من باب جلد الذات، بل للتفكير بالمستقبل، وتقول:"علينا أن نفكر بمستقبل مشرق، نقي فيه أنفسنا، وأولادنا، رعب"نكبات جديدة"، وشعوراً قهرياً بالاغتراب داخل الوطن"، وتضيف:"لا أحب المخيم، الذي عشت طفولتي فيه، وافضل أن اجنب أسرتي ويلاته حين أتزوج، ما المشكلة أن نعيش في رام الله، فهي مدينة فلسطينية أيضاً، السؤال هنا: هل نعود اغراباً أم أصحاب أرض؟". وتدرك ميساء الخالدي، الطالبة في كلية الآداب في جامعة بيرزيت، أن"ثمة مأساة حصلت"، لكن لا تؤرقها التواريخ"إن كان ذلك في أيار مايو أو في غيره"، وتقول:"الأكثر أهمية هو أننا هجرنا من ديارنا، أنا أصلاً من بلدة عنابا المهجرة، لكني ولدت هنا، في مخيم الجلزون، المخيم اليوم يعني أننا ما زلنا متمسكين بحقنا في العودة، صحيح أن المنطق يقول أننا لن نرجع الى عنابا، لكن حلمنا بالعودة لا يزال". ولا ترى زميلتها مرام عياش، مشكلة في الحديث عن"ان 15 أيار لا يعنيها كيوم"، بل"ترفض التعامل معه بشيء من التقديس"، وتقول:"النكبة تحتاج الى حل، وعمل، وليس للتغني في مآسيها... يجب أن تكون ذكرى النكبة حافزاً للأجيال الأصغر، وليس توقفاً عند زمن ومكان باتا متخيلين"، مضيفة:"حدثتني والدتي وهي لاجئة من بلدة زكريا، قرب يافا، عن حرب الاشاعات، التي ساهمت في الكثير من الهجرات في العام 1948، ما حدث في تلك الفترة يدلل على وعي ناقص لدى من عاصروها، وهذا يزيد المراراة، كم أتمنى لو أن الزمن بيدي لأمنع الناس من أن يخرجوا من بيوتهم"، وتؤكد أن"الوطن الضائع عند الكبار بات محض ذكريات، أما الوطن فيشكل الحاضر والمستقبل بالنسبة الينا". ويبدي شريف محسين، طالب الهندسة، تمسكاً كبيراً بأرض الأجداد، عبر رسوماته التي اشتهرت بلونيها الأبيض والأسود، ويقول:"في ذكرى النكبة، أتذكر حكايات جدي عن برير، قضاء عسقلان، كما أتذكر تلك العجوز بملامح وجهها وتجاعيده التي تتحدث عن ذاكرة حقيقية لبلادنا، وكيف تم تهجيرنا وطردنا من بيوتنا، لكن هناك حديثاً آخر وراء هذا الوجه، هناك كلام لا يمكن حصره بالكلمات". ويضيف:"تربيت في مخيم جباليا في قطاع غزة، وتعلمت هناك أشياء كثيرة، وعيت على أخ لي في السجن، وآخر سقط شهيداً، مهما حاولت أن اتهرب من النكبة، التي تتجدد يومياً هنا في فلسطين، أجدها في داخلي، وتسيطر على أعمالي الفنية، وأتذكر قول الروائي الكبير غسان كنفاني"لن ارتد حتى ازرع في الأرض جنتي، أو انتزع من السماء جنتها أو أموت أو نموت معاً".