الصومال هو منطقة القرن الافريقي، التسمية التي كانت تطلق تاريخياً فقط على ذلك النتوء الذي يظهر في المحيط الهندي، والبلد شعب متجانس منذ أوجده الله على الأرض. ويحفظ التاريخ القديم للصومال علاقاته الوثيقة بالفراعنة. الذين كانوا يجلبون منه البخور والعاج وجلود النمور، وظلت العلاقة مزدهرة بين الشعب الصومالي وقدامى المصريين، حتى جاء الاسلام فتوثقت العلاقة بين الصومال والشعب العربي، كما اعتاد الصوماليون تسمية الشعوب العربية، فهم يعتبرونها شعباً واحداً. وكان الصوماليون يذهبون إلى أرض الحجاز للزيارة والعمرة، ويذهبون الى بغداد والبصرة والكوفة والقاهرة ودمشق للدراسة وتلقي العلم. وكذلك كانت علاقة الصومال بالخليج العربي وثيقة وبخاصة باليمن الذي ارتبط مع الصومال بعلاقات النسب والمصاهرة، حتى أن اليمني لا يعد أجنبياً أبداً في الصومال، وما كان عليه إلا أن يعبر باب المندب صوب الصومال ليصبح كالصوماليين تماماً في الحقوق والواجبات. وشعب الصومال شعب متجانس ينتمي معظمه الى جنس واحد، فنحو 90 في المئة منه من أصول عربية، وجزء قليل منه يعود إلى أصول إفرنجية أو من جزر المالديف، كما يوحد هذا الشعب الدين الواحد. وتجاور الصومال براً كينياواثيوبياوجيبوتي، وتوجد أعداد كبيرة من ابناء الشعب الصومالي في تلك الدول، فهناك 6 ملايين صومالي في اثيوبيا، ومليونان في كينيا الجزء الأكبر من سكان جيبوتي صوماليون مع"الاشقاء العفريين الذين هم ابناء عمومتنا". وبعد استقلال الصومال انضم الى جامعة الدول العربية ثم كان من الدول المؤسسة لمنظمة الوحدة الأفريقية عام 1963. ولم تنقطع صلة الصومال أبداً بأشقائه العرب والأفارقة، على رغم التساؤلات التي كانت مطروحة بين ابنائه في الستينات من القرن الماضي حول عروبته وأفريقيته. كان ذلك في عهد الرئيس محمد سياد بري، الرجل العروبي الذي ظلمته بعض الجهات العربية واتهمته بأنه مجرد ديكتاتور، وكان وطنياً يحب العروبة والإسلام، ولكنه في آواخر عهده استغل بعض الأشخاص ضعفه وشيخوخته وسيطروا على مقاليد الحكم، ما أدى إلى ثورة الصوماليين ضده، ولم تكن هذه الثورة عفوية، فقد كانت الدول الغربية تريد تركيع بري، الذي لم تغفر له الدخول في حربه ضد اثيوبيا، ولم تغفر له كذلك إدخاله الشيوعية الى الصومال. في اثناء الحرب الباردة لم يتفق الأميركيون والروس على شيء سوى على ضرب الصومال لمصلحة اثيوبيا. والآن تربط الصومال بأثيوبيا علاقة جوار ومودة، وهذا هو شأن الحكومة الحالية في الصومال مع كينياوجيبوتي ايضاً ونعتقد أن مصير المنطقة مرتبط ببعضه بعضاً، ونحن أعضاء في منظمة"الايغاد"، كما نحن جزء من الأمة العربية من المحيط الى الخليج، وليس الخليج فقط، حتى لا ينسى العرب الصومال وجزر القمر في المحيط الهندي. ومنذ نهاية عهد نظام الرئيس بري تتواصل فصول الحرب الأهلية في الساحة الصومالية، التي غذتها الدول الغربية بتأسيسها جبهات المعارضة الصومالية ودعمتها بالمال والسلاح، وهو الدور نفسه الذي قامت به اثيوبيا وبعض الدول العربية، ولسوء الحظ صمتت بقية الدول العربية، الى أن خرج سياد بري مهزوماً أمام الجبهة الشعبية الى منفاه في نيجيريا حيث قضى نحبه، ليتم بعد ذلك دفنه في جنوبالصومال. كانت أهم جبهات المعارضة ضد بري جبهة SSDF التي يتزعمها عبد الله يوسف الرئيس الحالي وهو أول معارض لنظام بري، وجبهة شمال الصومالSNM ورئيسها كان عبدالرحمن علي أحمد الذي توفي في لندن منذ عامين، وجبهة USC من قبائل الهوبة وزعيمها علي مهدي محمد. كان هدف هذه الجبهات وغيرها إسقاط بري والوصول الى الحكم، لكنها لم تتفق على فلسفة واحدة لإقامة الحكم في الصومال، وقد ساعدتها الدول العربية بمقاطعتها للمنتجات الصومالية بحجة أن المواشي الصومالية مريضة، ولم يكن ذلك صحيحاً. وبسقوط حكم بري انفلتت الأمور ثم اندلعت الحرب الأهلية التي لم تبقِ ولم تذر وما زالت ذيولها مستمرة، وبعد فشل الجبهات المعارضة في الاتفاق على نظام واحد للحكم، وبدء الاقتتال بينها وبين نظام بري من ناحية وبين بعضها بعضاً ظهرت جماعات أخرى تريد الاستيلاء على الحكم وبعضها كان باسم الدين، ومنها التنظيم الذي عرف باسم"الاتحاد الإسلامي"المتشدد. وقد أساء هؤلاء الى الشعب الصومالي باسم الدين وقتلوا الأطفال وكبار السن وأساءوا كذلك الى النساء ومختلف قطاعات الشعب الصومالي، بل تعدوا بإساءتهم تلك الى الصوماليين القاطنين في اثيوبيا. وكان هدفهم إقامة الشريعة الإسلامية في الصومال، لكن أخطاءهم وإساءاتهم الى الدين وزواجهم من أعداد كبيرة من الفتيات الصوماليات اللاتي تم التغرير بهن باسم الدين ثم تطليقهن، أدت إلى نفور الشعب الصومالي منهم ثم قتاله لهم حتى هزمهم شر هزيمة، بخاصة في بونتي لاند حيث قاتلهم الرئيس عبد الله يوسف حاكم الاقليم الذي يقع في الشمال الشرقي وهزمهم. وهرب كثير منهم وبقيت منهم اعداد أخرى ذابت في الشعب الصومالي. وربما تكون المحاكم الإسلامية الموجودة في مقديشو حالياً من بقايا هذا"الاتحاد الإسلامي"، وهي تريد الاستيلاء على الحكم، ولكنها تشتبك في صراع حالياً مع أباطرة الحرب الذين يتزعمهم موسى سودي يلجو ومحمد قنياري افرح وغيرهم. وهذه المحاكم الإسلامية ربما حققت بعض الأمن في مقديشو، لكن من الذي نصبها حاكماً على الشعب الصومالي. والنزاع الذي يدور حالياً بين أباطرة الحرب ورجال المحاكم وشيوخها هو من أجل التسلط على الشعب الصومالي. واعترفت الولاياتالمتحدة أخيراً بأنها تساند أباطرة الحرب وتمدهم بالمال والسلاح على لسان مساعدة وزيرة الخارجية الأميركية جينداي فريزر وذلك بعد إنكار جون بولتون مندوب واشنطن في مجلس الأمن ذلك، وذلك بزعم محاربتهم للإرهاب. والأميركيون يقفون اليوم الموقف الخطأ من المشكلة الصومالية، وكان من المفترض اذا كانوا يحاربون الإرهاب كما يدعون أن يتعاونوا مع الحكومة الشرعية في الصومال المنتخبة ديموقراطياً من الشعب، لكنهم تجاوزوا الحكومة ويدعمون الخارجين عنها من أباطرة الحرب، ومن الأفضل لهم أن يرفعوا أيديهم عن العمل مع هؤلاء الخارجين عن القانون، وأن يتعاونوا مع القانون والشرعية الصومالية الممثلة في الحكومة التي اختارها الشعب الصومالي بطريقة شرعية بكل أحزابه وقبائله وعلمائه ومثقفيه وسياسييه منذ عامين في نيروبي. وهذه الحكومة موجودة الآن في مدينة بيداوا، وهي على بُعد 240 كيلو متراً من مقديشو، واختارها البرلمان عاصمة موقتة ريثما تهدأ الأمور في مقديشو، وفيها عدد من رجال الشرطة وعدد من رجال الجيش الذي يتأسس الآن بإمكانات الصومال الشحيحة. وهذه الحكومة تسعى الى بسط سيطرتها على ربوع البلد كله من دون الانحياز لفريق ضد آخر، وشعبنا الآن بعد القتال والحرب التي دامت 17 عاماً يحتاج الى الاستقرار بعد ان ترملت النساء وثكلت وتيتم الأطفال وعم الخراب والدمار ربوع ذلك البلد الوديع. تريد الحكومة بسط سيطرتها على كل الأقاليم الپ17 شمالاً وجنوباً، وتسعى الى الحديث مع"الإخوان"في الشمال الذين ادعوا الانفصال وأقاموا نظاماً خاصاً بهم في"صومالي لاندي"وهم مشكورون على الاستقرار الذي يتمتع به هذا الاقليم ولكن الصومال الذي اختار النظام الفيديرالي ينبغي أن يظل موحداً، والأمل لدينا كبير في أن الأمور ستعود الى مجراها الطبيعي ويستقر الصومال وتتوحد كل أنظمته الإدارية تحت راية العلم الصومالي الأزرق ذي النجمة الخماسية الأطراف. لكن ما ينقص الحكومة الانتقالية المنتخبة هو دعم اشقائها العرب لها مالياً وسياسياً، وسعيهم لدى الولاياتالمتحدة كي تكف عن التدخل في شؤون الصومال. لقد أصابت الصومال في العامين الماضيين مجاعة وجفاف شديدان ولم تظهر دولة عربية واحدة رغبة في المساعدة على رغم ان وسائل الإعلام العالمية تحدثت عن تلك الأحوال باستفاضة، وجاء الغربيون الى الميدان وإن لم يكن وجودهم فعالاً، ثم قدمت الى الصومال منظمات عربية كأفراد ومؤسسات وهيئات من الكويت والإمارات وقطر والسعودية وقدمت الغذاء الى المحتاجين. والآن أتت بعض الحكومات الغربية والصين والأمم المتحدة وقدمت أوراق اعتمادها للحكومة الانتقالية، لكن للأسف لم يأت سفير عربي واحد، لم نسمع من هؤلاء الغربيين وغيرهم حجة انعدام الأمن، وهم لا يرتدون دروعاً فولاذية تحميهم من الرصاص، ولكن العرب ما زالوا غير مبالين بالأوضاع في الصومال. وقد بح صوت الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى من الحديث عن الصومال في خطاباته وأحاديثه للرؤساء والقادة العرب لكن لا سامع ولا مجيب. ما يطلبه الصومال هو مساهمات قليلة لمساعدة الحكومة الانتقالية في تكوين الشرطة وإعادة تأهيل الميليشيات وتقديم بعض المساعدات العينية والمالية، وهي ليست كثيرة ربما بضعة ملايين، وكانت قمة الجزائر قررت منح الصومال 26 مليوناً، لم يصلنا منها سوى مليونين من الجزائر ومليون من السودان والشيء القليل من بعض الدول الأخرى. وجميع الصوماليين متفائلون بأن الصومال سيخرج في النهاية من محنته التي بلغت ذروتها، وكل معضلة لها حل، ومن كان يصدق أن اليابان التي ألقيت عليها القنابل النووية ستصبح ذلك العملاق، والشعب الصومالي يفاجئ الناس أحياناً ببعض المعجزات، واذا ما قدر لنا إعادة الاستقرار فإن بلدنا سينمو بسرعة مذهلة لما يملكه من إمكانات وثروات ضخمة وثروات حيوانية وبترولية وسمكية وأرض خصبة، وسيعود بلدنا الصومال الى سيرته الأولى وقد كان من أكثر الدول الأفريقية استقراراً بعد أن تنتهي أسباب الخلاف وتقلع عنا رياح الشر التي مرت على بلادنا. * سفير الصومال في القاهرة ومندوبها الدائم في جامعة الدول العربية.