التسامح الذي تبديه المغنية صباح تجاه الإطلالات الإعلامية التي تطلب منها، لا يفهم أحياناًَ إلاّ كنوع من التجرؤ على هذه الفنانة التي شكّلت وما تزال أسطورة حقيقية سواء في عالم الغناء أو المسرح. لكأنّ بعض الإعلاميين لا يدرك، وهو يتحدث إلى صباح، أنه يتحدث عن ستين عاماً من النجومية بين لبنان ومصر وسائر البلاد العربية، وأن عليه أن يحترم ضيفته الكبيرة، في السؤال والتعليق والتعقيب والسجال وفي كل ما يتطلبه إجراء حوار، يراه أو يسمعه أو يقرأه الملايين من الناس الذين يعرفون من هي صباح، ويقدرون شخصيتها وتجربتها ومواقفها، حتى لو كان بعضهم أحياناً ضد تلك المواقف... صدى السنين الذي يطل من كلامها ووجهها وخبرتها يدفع إلى الإنصات والاستماع أكثر مما يدفع إلى اقتحام المواقع أو المساحات المجهولة في حياتها، مع أن قليلاً جداً من تلك المساحات لم يكشف بعد. فصباح هي هي، هنا وهناك وهنالك: بسيطة في طرح المواضيع الحميمة، فكيف الحال مع المواضيع العامة المعروفة جملة وتفصيلاً؟ ولعلّ أسوأ المقابلات تلك التي تركز على قضية معيّنة لم يبق فيها ستر مغطى من حياتها. فيعيد المذيع طرح تلك القضية، ويسرح ويمرح فيها، ويجرح غالباً. وصباح تبتسم وتجيب وتختصر، على رغم أنها كانت قد تحدثت عنها عشرات المرّات في مقابلاتها السابقة. فماذا يفيد مثلاً الرجوع باستمرار إلى طلاقها من فادي لبنان إلا لملء ساعات البث الطويلة؟ صباح تحدثت عن فادي لبنان وطلاقها منه، وشرحت الأسباب والنتائج والتداعيات خلال السنوات الأخيرة، ما يكفي لإقناع الجميع بأنه لم يبق هناك جديد أو طارئ على هذا الموضوع، وأي كلام إضافي هو كلام مجاني تحركه ثرثرة المذيعين والمذيعات. ولأن الإعلاميين يعرفون، ككل من يحب صباح، أنها أحبت الممثل رشدي أباظة حبّاً لا مثيل له، فإنهم يعيدون المعزوفة نفسها بالسؤال عن سبب ذلك الحب المتميز عن غيره من التجارب العاطفية التي عاشتها صباح. ولو أن الإعلاميين غالباً يستخرجون من جوابها عن أباظة أمراً جديداً تجدر الإشارة اليه، لكان طرح الموضوع ضرورياً. لكنهم يقعون دائماً في فخ التكرار. وعن هويدا، ابنة صباح المقيمة في الولاياتالمتحدة الأميركية منذ سنوات، تدور أسئلة المذيعين والمذيعات، ويبقى موقف صباح ثابتاً في الإجابة. لمَ يكلّف المذيع أو المذيعة نفسه في تناول قضية هويدا من زواية فضائحية فقط؟ وهل عُرف رأي هويدا في ما حصل في حياتها التي تكاد تكون مأسوية، على رغم الضجيج الخارجي والبهرجة الزائلة؟ وهل يمكن الاستفادة من علاقة صباح بابنتها هويدا ومن رأي صباح بالقصة من أجل تقديم أمثولة فنية أو اجتماعية؟ طبعاً لا... إذ لم يتنبه أحد من هؤلاء بعد إلى هذه الأمور، ومعظمهم يتوه في العموميات والقشور وينسى اللّب، ينسى أن هناك انسانة كبيرة اسمها صباح وان انسانة ضائعة اسمها هويدا في حاجة إلى من يتفهّم الظروف والمناخات والوقائع والسلوكيات التي حكمت علاقتهما ببعضهما البعض. صباح لا ترفض مقابلة إعلامية، هكذا اعتادت على مدى نصف قرن ربما، بعضنا يدرك أن له حدوداً في الحوار معها. وبعضنا يستفيض في ما يراه مادة دسمة، ولو على حساب اسم المرأة وصيتها وحضورها. قلّة هي التي تستفيد من وجود صباح في مقابلة لأخذ عبرة أو حكمة. آخر حكمة قالتها صباح، ربما قبل خمس سنوات، عندما أعلنت أن"الأداء هو الذكاء"... هكذا بالحرف، والمعنى أن المغني عندما يكبر سناً عليه أن يتكيّف مع التغييرات في صوته ويعتمد طريقة ذكية في الأداء، من ناحية أن يؤدي الأغنية القديمة مثلاً بپ"أسلوب ذكي"يأخذ في الاعتبار تلك التغييرات، لكن من دون أن يشعر المستمع بذلك. وهذا ما تفعله صباح. وليست وحدها في ذلك، ففيروز ووديع الصافي تبنّيا هذه القاعدة منذ سنوات. لا يتلهى الإعلاميون في المقابلات مع صباح فقط، بل يمنعون الجيل الجديد من المغنين من الاستفادة من قواعد حقيقية في فهم الغناء، ويمنعون الجمهور من إدراك أهمية كبارنا في الفن!