منذ اقتراب موعد افتتاح مهرجان"كان"السينمائي، وانتشار خبر عرض فيلم"شفرة دافنشي"في صالات السينما، والتلفزيونات العربية والغربية على السواء لا تمل من مناقشته، وعرض الأفلام الوثائقية عنه، مستعيدة بعض الفصول من كتاب دان براون الشهير. القناة الفرنسية الخامسة عرضت فيلماً وثائقياً مدته ساعتان ونصف الساعة تقريباً استضافت خلاله عدداً من الصحافيين المتخصصين بالشؤون الدينية، وكهنة ومحللين لاهوتيين وفنانين. جاء العمل متكاملاً يعرض لوجهات النظر المختلفة بين مؤيد لنظرية براون ومعارض لها. لكن معدي الفيلم لم يحسموا خيار المشاهد ولم يتخذوا القرار عنه في تصديق نظرية براون أو نفيها. الأمر ذاته قامت به محطة"ديسكافري"، في وثائقي آخر أقصر مدة. قدم الفيلم للمشاهد مروحة متنوعة من الآراء والأفكار على خلفية فنية من لوحات العشاء السري والموناليزا وفرسان العصور الوسطى. وفي الوقت ذاته، لم تغب الشاشات العربية عن الحدث فخصصت بعض القنوات فقرات من برامجها سواء المسائية أو الصباحية، لمناقشة الفيلم. تركز الكلام على الشاشات العربية حول القيمة الفنية للفيلم، التي أجمع النقاد السينمائيون في"كان"وقبلها على رداءتها. لم يتطرق أحد الى جوهر النقاش الذي طرحه الكتاب والفيلم على حد سواء، والذي كان سبب شهرة العملين، فاكتفى المقدمون بعبارة"المثير للجدل"لوصف جدل أقل ما يقال فيه انه بيزنطي. فهل تزوج المسيح فعلاً من مريم المجدلية وأنجب منها؟ والى أي درجة يسمح أن يختلط الخيال العلمي بالوقائع التاريخية في الأعمال الفنية ليغير معتقدات عمرها ألفا سنة؟ لم نر فيلماً وثائقياً عربياً عن الموضوع، لكننا تابعنا باهتمام ودهشة آراء محللين، وقد جاءت في غالبيتها من طيف واحد. عبارات متشابهة استخدمها الضيوف والمقدمون على حد سواء، فبقوا يدورون حول الأمور ولا يسمونها باسمها. لم يذهب أحد أبعد بقليل مما هو متاح، ليشرح سبب غضب الفاتيكان، وهو غضب لم يترجم في الشارع المسيحي حتى المتدين منه، الذي التهم الرواية وبعدها الفيلم، غاضاً الطرف عن مستواه الفني. إلا أن جدلية الفيلم لم تفت المشاهد العربي، الذي منع عنه الكتاب في بعض الدول العربية، فالتلميح وصله وإن خجولاً، اذ بقيت الشاشات تعرض نقاشات لماحة، فيها شيء من التواطؤ الضمني بين المشاهدين والضيوف والمقدمين. فجميعهم يعلم عما يدور الحديث من دون كسر"التابوهات"الاجتماعية والدينية. اللافت أن هذا السيل التلفزيوني، ترافق بسحب اعلانات عرض الفيلم من عدد من صالات الدول العربية، والذي كان يفترض أن يبدأ في 17 الجاري. فبعد كل هذا النقاش المتلفز هل ينفع المنع السينمائي؟