عقد الحوار السعودي - الأميركي السنوي الثالث حول الطاقة في واشنطن، على خلفية السخط الشعبي إزاء أسعار النفط المتصاعدة والجدل الواسع بين السياسيين على أمن الطاقة. واستجاب البيت الأبيض والكونغرس للغضب الشعبي من ارتفاع أسعار الوقود والأرباح الخيالية التي تعلنها شركات النفط الأميركية الكبرى، فطرحا طائفة من المبادرات التشريعية التي تهدف مبدئياً إلى خفض الأسعار وتقليص درجة اعتماد الولاياتالمتحدة على استيراد النفط الأجنبي. ويكاد المحللون يجمعون على أن معظم الاقتراحات التي تقدمت بها واشنطن حتى الآن سيكون تأثيرها شبه منعدم، كي لا نقول منعدماً تماماً، على أسعار الوقود خلال موسم القيادة المزدحم في فصل الصيف المقبل الذي يبلغ فيه استهلاك الوقود ذروته، أو موعد انتخابات الكونغرس في تشرين الثاني نوفمبر المقبل حيث يرغب معظم المسؤولين المنتخبين الظهور بمظهر المدافعين عن حقوق الناخبين. وفيما يتكلم سياسيو واشنطن عن ضرورة الاستقلال النفطي، ركز الخبراء الذين حضروا المؤتمر الذي استضافه مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية الأسبوع الماضي، على ضرورة التكافل في مجال الطاقة. وأدلى وزير النفط السعودي علي النعيمي، ووزير الطاقة الأميركي سامويل بودمان بكلمتين تناولتا"مستقبل علاقات الطاقة بين الولاياتالمتحدة والسعودية"، أكدا فيهما على العلاقات الوطيدة التي تجمع البلدين في مجال الطاقة. واختصر وزير الطاقة الأميركي بودمان العلاقة بين البلدين بقوله إنهما"شريكان تجاريان قويان يجمعهما اهتمام قوي بتدفق النفط في أسواق مفتوحة حول العالم". ولكن لا شك في أن دعوة الرئيس بوش البلاد كي تخفف من"إدمانها"على استيراد النفط الأجنبي في وقت سابق من السنة الجارية أثار غضب السعودية وغيرها من منتجي النفط. كما أجج غضب منتجي النفط، خطة وافقت عليها لجان مجلس الشيوخ الأميركي اخيرا،ً تقضي بالسماح برفع دعاوى على الدول الأعضاء في "أوبك". وانتقد الوزير بودمان الخطة قبل أن يضيف"نحن لا نعتقد بإمكان تطبيق هذا التشريع الذي لا أسانده شخصياً". ويأتي نص المشروع المعروف ب"نوبيك"في سياق مشروع قانون لإصلاح قوانين مكافحة القيود والاحتكارات غير المشروعة، ويهدف إلى معاقبة الدول والشركات التي تحدد الأسعار وتتلاعب بالسوق. وعن رأيه بمشروع القانون المقترح، قال النعيمي"ليس من شيمنا التعليق أو التدخل في شؤون الدول الأخرى ولاسيما الدول الصديقة للسعودية". غير أن الوزير الأميركي السابق للطاقة جيمس شليسنغر قال ممازحاً"يمكن أن تجدوا بعض السخرية في أننا نتوسل ونلتمس منكم زيادة إنتاجكم من جهة، فيما نهددكم بملاحقتكم قضائياً إن أقدمتم على هذه الخطوة". ووصف رئيس المركز جون هامر، دعوات واشنطن المطالبة بالاستقلال الطاقوي بال"مثيرة للسخرية لأننا لا نقول إن على الولاياتالمتحدة أن تستقل مالياً عن باقي العالم، اقصد إن علينا أن نقترض سبعة بلايين دولار يومياً كي نعوّم عجزنا، وعلى رغم هذا نجرؤ على الحديث عن الاستقلال الطاقوي"، مضيفاً إن هذا الشعار"يضلل الشعب الأميركي". وبحسب لائحة الحضور في المؤتمر، لم يكن أي عضو منتخب في الكونغرس ضمن الموجودين. تحدي تقنية الطاقة من اللافت في المؤتمر، إذا وضعنا مناورات واشنطن جانباً، أن دور الأمن الطاقوي ومستقبل إمدادات النفط أخذا حيزاً كبيراً من المباحثات التي استمرت على مدى يومين. في السابق، انصب تركيز المؤتمر أساساً على مستقبل إمدادات النفط وذروة إنتاج النفط، ولاسيما احتياطي النفط السعودي. أما موضوع هذا العام فتمحور حول"دور التكنولوجيا في رفع التحديات الطاقوية المستقبلية". وقدم كبار المسؤولين في"أرامكو السعودية"و"إيكسون موبيل"و"شيفرون"تقارير مفصلة عن أحدث التطورات التقنية في البحث والتطوير، وأعطوا صورة عن التقنيات المستقبلية في مجال أنابيب النفط. وقال النعيمي إن التقدم في العقود الأخيرة سمح للصناعة النفطية بالعثور على 7 ترليونات برميل من احتياطي النفط التقليدي و7 أخرى من الهيدروكاربون غير التقليدي، كالنفط الثقيل جداً ورمال القطران والسجّيل القاري. وتوجه رئيس شركة"إيكسون موبيل"، ريكس تيلرسون، إلى الحضور قائلاً :"صحيح أن عصر النفط السهل قد ولّى، وهذا ليس بجديد بل كان وضعاً قائماً منذ عقود". وأضاف ان القطاع طالما عمل بالتوازي مع التقنيات الممكنة وطورها وطبقها على الدوام لزيادة القدرة على استخراج النفط من أصعب المناطق، وإطالة عمر الاحتياط الموجود فضلا على خفض الأسعار وتحسين وضع البيئة. وتعرضت شركة إيكسون موبيل إلى انتقادات شرسة من السياسيين والمستهلكين على حد سواء بعد إعلانها عن ربح وصل إلى 36 بليون دولار في 2005 ، وهي أعلى نسبة ربح حققتها أية شركة على الإطلاق إلى حينه، على حساب تخصيص مبالغ أكبر للبحث والتطوير. وصرح تيلرسون رداً على النقاد، أن شركته تنفق مليوني دولار يومياً على تطوير تقنيات جديدة، وخمسين مليوناً يومياً كنفقات تجهيز مشاريع نفطية وغازية جديدة حول العالم. وساهمت التقنيات التي طورت العقد الفائت وحدها في تحسين مستويات استرداد النفط بنسبة 5 إلى 15 في المئة. وأكد رئيس ومدير عام شركة"أرامكو السعودية"عبدالله جمعة أن عندما يرفع التطور التقني مستوى الاسترداد بنسبة 1 في المئة فقط يزيد احتياط المملكة بنسبة 90 بليون برميل. وقال رئيس شعبة الأبحاث في"إيكسون موبيل"ستيفين كاسياني إن تطورات مهمة سجلت في مجال تحقيق الحد الأمثل لاسترداد النفط من المكامن النفطية. وكان هدف القطاع سابقاً حفر العدد الأقصى من الآبار في أقصر مدة ممكنة. وبدأت التكنولوجيا تنتشر في الستينات عبر تكثيف استخدام الكومبيوتر ثم وصلت إلى استرداد النفط المحسن بحقن الغاز والمياه. وارتفعت منذ تلك الفترة نسب الاسترداد من 28 في المئة في 1982 إلى 32 في المئة بحلول 1990 ثم 35 في المئة في 1995 و40 في المئة في 2003. من جهته، قال السيد محمد السقاف، كبير علماء الفيزياء الجيولوجية في"أرامكو السعودية"إن احتياط البلاد المؤكد يصل إلى 260 بليون برميل، إنما يقدر حجم النفط المكتشف أو الموجود أصلاً ب 716 بليون برميل، انتج منها 106 بلايين برميل إلى الآن أي 15 في المئة. وتوقع أن التقدم التقني الحالي سيرفع النفط المكتشف إلى نسبة 900 بليون برميل بحلول 2025. ترجمة دار"الحياة"