بعد موجة قنوات الأغاني والفيديو كليب، وقنوات الأفلام غير المشفّرة، ظهرت منذ أشهر قناة فضائية جديدة تبثّ تجريبياً تحت اسم"فنون". ومن مراقبة بثها التجريبي لمسرحيات ومسلسلات كوميدية كويتية يدرك المرء جنسية هذه الفضائية، ويفترض نظراً الى غلبة المواد التي يقوم ببطولتها نجم الكوميديا الكويتية الفنان عبد الحسين عبد الرضا، انه على صلة وثيقة بهذه القناة. وبالفعل، وجّه لاحقاً فنانون كويتيون وعرب التهنئة للفنان القدير عبد الحسين عبد الرضا، بمناسبة افتتاح هذه القناة"الأولى من نوعها في العالم العربي"، والمتخصصة بالكوميديا الخليجية والعربية عموماً من مسلسلات ومسرحيات وأفلام. وقد جاءت هذه القناة لتسدّ فراغاً كبيراً في الحياة"التلفزيونية"، ذلك أن مشكلة من المشكلات الكبرى والمهمة في الحياة الفنية و"الابداعية"هي تراجع الانتاج الكوميدي في المحطات التلفزيونية العربية. أما في السينما فإن الكوميديا غالبا ما تكون حافلة بالاسقاطات السياسية السخيفة. وفي المسرح يطلق -في العالم العربي- على المسرح الكوميدي تسمية"المسرح التجاري"... وان كان سياسياً يطلق عليه اسم"الكباريه السياسي"... في تكريس واضح لنظرة استعلائية وتحقيرية للكوميديا في شكل عام. وربما يعود أصل المشكلة الى الماضي العتيق، إذ عرف العرب الكثير من فنون وآداب وعلوم الاغريق... لكنهم تجاهلوا الكوميديا لأنها تزيل الوقار... وبالتالي هي رجس. المحطات الاعلامية الاخبارية مثل"الجزيرة"و"العربية"والمحطات الحكومية وحتى الأهلية تزيد من كآبة وحزن الواقع أضعافاً مضاعفة... اليوم يقولون ان العراق حرّ... لكنه يخلو من النكتة والسخرية وكل أشكال الكوميديا ... ربما نحتاج الى طاغية جديد حتى نسخر منه! في هذه القناة يتذكر المشاهد ويستعيد أبطال الكوميديا الذين تربى على نتاجاتهم منذ الصغر. اسماعيل ياسين وعبد السلام النابلسي وفؤاد المهندس وثريا حلمي وزينات صدقي وثلاثي أضواء المسرح، شكوكو وعبد المنعم مدبولي وأمين الهنيدي وأبو بكر عزت وعادل إمام وشوشو وفيلمون وهبي ودريد لحام ونهاد قلعي وسليم البصري وحمودي الحارثي وأمل طه وخليل الرفاعي ومحمد حسين عبد الرحيم وسعاد عبدالله وعبد الحسين عبد الرضا وداود حسين وخالد النفيسي وآخرين .... وخصوصاً، ان غالبية نجوم الكوميديا الحاليين، في السينما او المسرح ... يبكوننا أكثر مما يضحكوننا! من الأشياء التي تؤرق على أي حال مع محطة"فنون"عبارة"بثّ تجريبي"التي تحملها القناة منذ بدء عملها قبل ثلاثة اشهر. ترى ما الذي ينتظره القائمون عليها، ما هي المفاجأة التي يخفونها للمشاهدين الذين أحبوها وتعلّقوا بها طوال هذه الأشهر؟ وتبقى الخشية ان تنضم المحطة الى شبكة من الشبكات التلفزيونية المدفوعة الثمن مثل"أوربت"او"آي آر تي"او"شوتايم". ومنذ الآن بدأت التساؤلات حول كيفية تمويل المحطة لنفسها. كيف تسدد رسوم المواد التي تعرضها من أفلام ومسلسلات عربية؟ هل تدعمها إحدى الجهات"الانسانية"خدمة للسلامة النفسية للمواطن العربي"المشدود الأعصاب"دوماً على العراق وفلسطين وأفغانستان وكشمير والشيشان وايران وعموم الأمة! في العراق حنين الى الانتاجات الكوميدية العراقية القديمة، التي لا يعرف المرء أين يشاهدها بعد ان تكاثرت المحطات التلفزيونية العراقية، الأرضية والفضائية منها، في شكل سرطاني مدهش. حنين الى أعمال عادل إمام القديمة مع سمير غانم وسعيد صالح وحسن يوسف وآخرين... تلك التي أطلق عليها النقّاد العرب"الكئيبون"في السبعينات تسمية"أفلام المقاولات"وجعلوا المشاهد يحتقرها. اليوم عندما نشاهدها"نموت"من الضحك، عليها وعلى أنفسنا ايضا... لأننا تصورنا اننا نسير الى الأمام، نحو الأفضل. كما تصورنا أن الغد سيكون أفضل من الأمس على حدّ قول الأغنية الشعبية العراقية التي كان الشيوعيون في العراق يرددونها دوماً... حتى انهار كل شيء، ولم تبقَ إلا الأحلام وصدى الضحكات القديمة وسذاجة الأيام الخوالي.