طرحت الخلافات التي ظهرت داخل"الائتلاف العراقي الموحد"حول ترشيح ابراهيم الجعفري لرئاسة الحكومة، مسألة العلاقات بين اطرافه والاشكاليات المتصلة بوحدة القرار والمواقف التي ستواجهها الكتل التي يتشكل منها بعد تجاوزها الازمة الحالية. ورغم ان الخلاف حول شخصية رئيس الوزراء لا يعد جوهرياً في ضوء اتفاق القوى السياسية العراقية على برنامج حكومي موحد واتفاق"الائتلاف"على برنامج داخلي تشكلت لوضعه لجنة سباعية من الاحزاب المشاركة لمراقبة وتقويم اداء رئيس الحكومة، الا ان ذلك لا يلغي حساسية المنصب لجهة نفوذ التيار الذي يمسك به، وقدرته على التأثير على توزيع المناصب الحكومية سواء بين اقطاب"الائتلاف"او الكتل الاخرى. تضاف الى ذلك خلافات قطبي"الائتلاف"الرئيسيين المجلس الاعلى والتيار الصدري حول قضايا مركزية ابرزها الفيديرالية ومستقبل مدينة كركوك والموقف من الميليشيات وانسحاب القوات الاميركية، ومن شأن هذه الخلافات ان تتفجر لاحقاً بصرف النظر عن الطريقة التي يتم بها تجاوز هذه الازمة. ويتكون"الائتلاف"الشيعي 130 مقعداً في مجلس النواب من سبعة احزاب اجتمعت ضمن كتلتين رئيسيتين احداهما دعمت ترشيح عادل عبد المهدي لرئاسة الحكومة وتضم"المجلس الاعلى"و"منظمة بدر"30 مقعداً والمستقلون 30 مقعداً وانضم اليهم"حزب الفضيلة"15 مقعداً، اما الكتلة الثانية التي لا تزال متمسكة بترشيح الجعفري فتضم حزبي"الدعوة"25 مقعداً والتيار الصدري 30 مقعداً. وكان مؤيدو الجعفري انتصروا في التصويت داخل"الائتلاف"باستقطاب عدد من المستقلين، وحصل الجعفري على 64 صوتا مقابل 63 صوتا لعادل عبد المهدي. لكن نتيجة التصويت لم تحسم الجدل خصوصا مع تصاعد الاعتراضات على الجعفري من الكتل البرلمانية الاخرى وهو الامر الذي استثمره المعارضون له داخل"الائتلاف"، وبدأت الدعوات لتنحيته التي قيل في البداية انها تعبر عن مواقف شخصية لكنها تطورت بعد ذلك وخرجت خلافات الاحزاب الشيعية إلى العلن. ويؤكد كريم النجاتي الناطق السياسي باسم"الكتلة الصدرية"ان الكتل السياسية المعترضة على الجعفري هي التي شجعت الجانب الاميركي للضغط باتجاه ازاحته، وقال"ان التدخل سيؤدي إلى شق صفوف الائتلاف لا محالة". والنجاتي في هذا المضمار يحاول قراءة مستقبل الائتلاف الشيعي ويتوقع عدم استمرار الحكومة المقبلة اكثر من عام واحد سواء ببقاء الجعفري او ابداله. لكن هذا الموقف المتشائم من النجاتي يقابله داخل الكتلة الصدرية موقف اكثر تفاؤلاً بالنسبة الى مستقبل"الائتلاف"ويؤكد بهاء الاعرجي من قادة الكتلة انه لا توجد خلافات عميقة بين الاحزاب الشيعية وهناك"صمامات امان"داخل"الائتلاف"للحفاظ على وحدته. ورغم ان التيار الصدري الداعم للجعفري يدرك ان الضغوط موجهة ضده قبل ان تكون موجهة إلى الجعفري فإنه يراهن في النهاية على ثقله داخل البرلمان وتأثيره في الشارع، ويخلص إلى محاولة اقرار امر واقع ينص على ان"اي معادلة سياسية او امنية لا تستقيم من دونه". اما"حزب الفضيلة"الاسلامي فيطرح زعيمه نديم الجابري الطامح الى منصب رئيس الوزراء مشروع حكومة"انقاذ وطني"، ويقول ان اصرار الجعفري على المنصب سيدفع"الائتلاف"الى تقديم تنازلات للكتل الاخرى. ويؤكد اياد الطائي عضو المكتب السياسي للحزب ل"الحياة"ان الخلافات حول الجعفري او حول البرامج السياسية لن تقود في النهاية الى شق وحدة"الائتلاف"لأنها مجرد اختلافات في وجهات النظر و"مرشح الائتلاف يجب ان يحظى بقبول جميع الكتل وهو الشرط الذي لا يتوفر في الجعفري حالياً". ويقول رضا جواد تقي القيادي في"المجلس الاعلى للثورة الاسلامية"ان ابدال الجعفري او الابقاء عليه لن يؤثر في وحدة"الائتلاف"والتنازلات التي تقدمها الاحزاب تهدف الى الحفاظ على هذه الوحدة في حين يذهب جلال الدين الصغير وهو قيادي آخر في"المجلس"الى ان اصرار الجعفري على التمسك برئاسة الحكومة سيفقد"الائتلاف"الكثير من امكاناته ويؤدي الى شق صفوفه. اما الكتلة الكبيرة الاخرى وهي المستقلون فلا يقل مستوى تباين المواقف داخلها عن الكتل الاخرى. وبينما يطالب احد قياديها قاسم داوود بانسحاب الجعفري، يصف زعيم الكتلة حسين الشهرستاني تلك التصريحات ب"غير المسؤولة"، مؤكداً انسجام الكتلة مع موقف بقية اطراف"الائتلاف"في تمسكها بالجعفري. وينظر تحالف حزبي"الدعوة"تنظيم العراق والمقر العام بحذر الى طروحات تغيير زعيمه ابراهيم الجعفري ويرى ان اطرافاً داخل"الائتلاف"اسهمت في تأجيج المواقف. لكن جواد المالكي الرجل الثاني في حزب"الدعوة"لا يصل في اتهاماته الى تجريح الاطراف الاخرى ويشير الى ان التصريحات الداعية الى استبعاد الجعفري تبقى في حدود الآراء الشخصية ولا تؤثر على الخط الاستراتيجي للكتلة. وتعكس هذه المواقف المتباينة حال الغموض التي تسيطر على المشروع السياسي للاحزاب العراقية عموماً وتلك التي تشكلت داخل"الائتلاف"على وجه الخصوص. فالمشاريع التي نجحت في ضم هذه التيارات في اطار واحد تواجه الآن مصالح متباينة ومتناقضة احياناً تتجاوز الخلاف على رئاسة الوزراء او اقتسام الوزارات والمواقع القيادية الى تحديد مواقف من قضايا اساسية كالهوية والسلطة والفيديرالية وتوزيع الثروة والعلاقات الخارجية ووسائل فرض الامن والنظام. وتختلف الاحزاب داخل"الائتلاف"الشيعي حول هذه القضايا مثلما تختلف مع الكتل والاحزاب العراقية الاخرى.