لم يعرف المستكشفون البرتغاليون عندما حطوا رحالهم للمرة الأولى في جنوب شرقي ساحل البرازيل عند خليج غوانابارا Guanabara عام 1502 أن هذا الممر الكبير من المياه ليس إلا البحر ذاته، واعتقدوا خطأً أنه فم نهر كبير يصب في المحيط فأطلقوا على المدينة أسم ريو دي جانيرو"نهر يناير"وذلك على شرف الشهر الذي وصلوا فيه البلاد. وقد أوجد لهم المؤرخون كافة الأعذار، فالجبال العالية عند مدخل المدينة تنزلق انحداراً باتجاه المحيط، تحمل في جوانبها الأشجار الباسقة وتعانق المياه الخضراء المنسابة بهدوء، منظر لا يشاهد عادة إلا عند الأنهار والبحيرات... وهذا هو المشهد الأول الذي تستقبل به هذه المدينة زوارها حتى هذا اليوم. لم يبدأ تاريخ البرازيل الحافل من يوم اكتشافها، بل يعود لأحقاب طويلة من العمل والصراع من أجل البقاء والأرض التي تنازعت عليها القبائل التي قطنت المنطقة. السكان الأصليون لهذه المدينة كانوا من الهنود الحمر من قبيلة توبي، ورغم انخراطهم وذوبانهم بين الوفود المهاجرة، إلا أن ما تبقى منهم اليوم ما زال يحاول المحافظة على أصالته وجذوره وتاريخه ونقله للأجيال المقبلة، خصوصاً بعد أن أعلنت البرازيل مقاطعة برتغالية وبدأ هؤلاء المهاجرون في بناء قلاعهم وحصونهم وقصورهم في وجه الغزاة، خصوصاً الفرنسيين. يطلق على ريو دي جانيرو اسم مدينة العجائب لتنوع معالمها وتعددها طبيعية كانت أو من صنع الإنسان، لتحول هذه المدينة إلى مدينة الرقص والفرح والبهجة لمن يقصدها في أي وقت من السنة. فالغابات الاستوائية، خصوصاً حديقة تجوكا الوطنية Tjuca National Park حيث تتمركز المدينة الصاخبة وتمتد بمساحة 120 كيلومتراً مربعاً من الغابات، ما يجعلها أكبر حديقة في العالم، والتي تم اعتبارها ثروة قومية يجب المحافظة عليها منذ عام 1857 بعد أن انضمت إلى مجموعة عجائب العالم الطبيعية. ريو دي جانيرو، المدينة التي يصفها سكانها الذين يتجاوزعددهم الخمسة ملايين بأنها المدينة الساحرة، قد تطول لائحة الأسباب التي تضعها على قائمة أشهر المدن في العالم، إلا أنه يجب الاعتراف بأن العامل الأكثر أهمية في ذلك يعود لأكبر حدث سنوي يجري وتقوم كافة وكالات التلفزة على تغطيته عالمياً وهو الكرنفال الذي يستمر على مدى أربعة أيام بلياليها من دون أي توقف. تعود جذور هذا الاحتفال إلى عصور الرومان الإغريق الذين قطنوا أوروبا، والذين كانوا يخرجون قبل الأربعاء الرمادي الذي يسبق موسم الصيام إلى الشوارع للاحتجاج على منعهم ممن مارسة شعائرهم. وانتقل هذا التراث إلى البرازيل مع الوفود المهاجرة، خصوصاً من البرتغال واسبانيا وفرنسا، واتخذ قبل عام 1840 شكلاً عنيفاً على رغم أنه كان طريقة للترفيه وذلك برمي الناس بالطحين والسوائل الكريهة الرائحة بالإضافة إلى القنابل المطلقة للأبخرة المزعجة، حتى قررت يوماً زوجة أحد أصحاب الفنادق في المدينة استئجار الموسيقيين والراقصين واستخدام الأقنعة الملونة للاحتفال بطريقة أكثر امتاعاً وتسلية. وخلال بضعة أعوام بدأ الكرنفال يأخذ شكلاً احتفالياً تزينه الرقصات البرازيلية الشهيرة والألوان المختلفة ولم تلبث أن زالت نهائياً أشكال العنف. اليوم، وعند موسم الكرنفال، تتوقف كل دوائر الدولة عن العمل وأغلب المحال التجارية تحدد أوقات دوامها وتغلق أبوابها باكراً. كما تتوقف حركة السيارات في الشوارع لافساح المجال أمام الأفواج المحتفلة من الراقصين والمشاركين بالإضافة إلى المتفرجين الذين يجدون أنه من الصعب عدم المشاركة والانضمام إلى الاحتفالات الهائجة. كما تنظم احتفالات خاصة في كل النوادي الليلية التي يتسابق الناس إلى حجز تذاكرهم فيها مسبقاً. وقد تكون رقصات السامبا أهم احتفال في المهرجان الذي يستمر لمدة يومين ويقام في سامبورومو، وفيه تتنافس كل مدارس الرقص على انتزاع جائزة أفضل استعراض وتقدم كل مدرسة أفضل لوحاتها الراقصة أمام لجنة كبيرة من القضاة والمشاهدين، ويصل عدد الراقصين إلى بضعة آلاف يستعرضون حركاتهم أمام عدد مماثل من المشاهدين. بعيداً عن الرقص والاحتفال والضجيج تأخذ ريو دي جانيرو زائرها الذي يحب الهدوء والتمتع بالطبيعة والجمال إلى قمة جبل شوكر لوف Suger Loaf الذي ينقسم إلى جبلين يتمركزان بين خليج غوانابارا وشاطئ كوباكابانا، وذلك على متن مصعد متحرك يحمل السائح إلى قمة أوركا Urca ليتمتع بمشهد المدينة قليلاً قبل الانطلاق على متن المصعد الثاني الذي يصل به إلى قمة جبل شوكر لوف في الجانب الآخر من الجبلين، والذي ترتفع قمته حوالي 400 متر عن سطح البحر... وأفضل أوقات الزيارة عند غروب الشمس. هذا غير الشواطئ التي تمتد على طول 404 أمتار ويبلغ عددها 72 شاطئاً، وتحتل مكاناً بارزاً على قائمة أفضل شواطئ العالم، وأهمها شواطئ إيبانيما وليبلون، وكذلك شاطئ كوباكابانا الذي اكتسب شهرة عالمية لكونه يتوسط المدينة ويضم أهم احتفالاتها التي تجري على مدار السنة، بالإضافة إلى أهم الفعاليات الرياضية والمائية التي تهم السائح، عدا عن ممره الطويل الذي يمتد على طول 5 كلم حيث يفضل أهل المدينة والسواح ممارسة رياضاتهم اليومية من الركض أو ركوب الدراجات الهوائية أو التمتع بمنظر البحر. وعلى هذا الكورنيش تقع أهم الفنادق والمنتجعات السياحية وأفخمها في المدينة، وتنتشر المحلات التجارية التي يعتبر التسوق فيها متعة حقيقية لرخص أسعارها من جهة، وللمعروضات المميزة من ملابس ومجوهرات ومصنوعات محلية من جهة أخرى، على رغم أن أفضل ما يمكن شراؤه قد يكون الأعمال واللوحات الفنية. ومع أن 90 في المئة من مساحة البرازيل تقع ضمن المنطقة الاستوائية، إلا أن الطقس فيها يختلف من منطقة لأخرى وذلك يعود للتنوع الجغرافي في البلاد. وتبقى مدينة ريو دي جانيرو محظوظة بمناخها المعتدل نسبياً على مدار السنة، يبدأ الصيف مع بداية شهر تشرين الأول اكتوبر وينتهي بشهر نيسان ابريل غير أن الحرارة في الشتاء لا تنقص عن 15 درجة مئوية. ما هي أوقات الكرنفال؟ يجب أن يبدأ الاحتفال يوم جمعة من شهر شباط فبراير أو آذار مارس كل عام ويستمر حتى يوم الأربعاء الذي يعتبر يوم راحة بعد أيام طويلة من السهر. تكتظ المدينة أيام الكرنفال ما يجعل الحجز في الفنادق والمطاعم صعباً نسبياً، لذلك يفضل الحجز مسبقاً.