تمثل إيران حالياً - ببرنامجها النووي - الهاجس الكبير أمام الولاياتالمتحدة والغرب لأنها دخلت دائرة التحدي المباشر بصورة تكاد تدفع بملفها النووي إلى مجلس الأمن. وواقع الأمر أن القلق الحقيقي الذي ينتاب الجميع إنما ينبع من الأفكار المسيطرة على فلسفة الحكم في إيران، والتي تجعل إسرائيل تظن قبل غيرها أنها المستهدف الأول أمام البرنامج النووي الإيراني، خصوصاً أن طهران حققت نجاحات ملحوظة على المستويين السياسي والاستراتيجي في السنوات الأخيرة. فكان غزو الولاياتالمتحدة وحلفائها للعراق واحتلال أرضه والإطاحة بالنظام الديكتاتوري، فيه ما يمثل خدمة جليلة لإيران التي عانت طويلاً من حكم الرئيس السابق صدام حسين الذي شن عليها حرباً استنفدت الطرفين على مدى سنوات ثمان، وجاءت الخدمة الثانية بتعزيز مواقع الشيعة في العراق بحكم وزنهم السكاني، وما نجم عن ذلك من وجود إيراني ملموس في جنوبالعراق فضلاً عن تأثيره في القرار السياسي هناك، كما أن واشنطن أضافت ميزة ثالثة للدولة الفارسية عندما أطاحت بنظام طالبان السني في كابول فكانت تلك هي الخدمة الثالثة التي تقدمها الولاياتالمتحدة - من دون أن تقصد - لإيران في مرحلة ما بعد 11 أيلول سبتمبر. لذلك، فإننا نعتقد أن إيران في وضع يعطيها الفرصة لكي تقف نداً أمام الغرب وإسرائيل وهي تدرك أنه من الصعب على الولاياتالمتحدة أن تفتح جبهة جديدة في إيران بعدما تورطت في العراق، كذلك فإن طهران تراهن على مشاعر الرفض العام للسياسة الأميركية في الشرق الأوسط بل وربما في غيره من مناطق العالم الأخرى، ونحن إذ نتناول هذا الموضوع فإننا نتطرق إليه من خلال النقاط التالية: أولاً: إن التطورات الداخلية في إيران خلال السنوات الأخيرة تستحق الرصد المباشر والتحديد الأمين، وزرت شخصياً إيران قبل سنوات قليلة وراعني الفارق بين ما رأيته فيها وبين ما يقال عنها، إذ وجدت نفسي أمام دولة عصرية متماسكة فيها حوارات لا تتوقف، كما تشارك المرأة في الحياة السياسية على كل المستويات مع وجود صناعة سينما هي الثانية في آسيا بعد الهند، فضلاً عما لديها من برنامج لتنظيم الأسرة هو الأنجح في العالم الإسلامي، وهذا كله يعنى أن إيران ليست هي دولة"الملالي"الذين يحلقون في الروحانيات وحدها. ثانياً: إن الأوضاع في شرق الخليج العربي تبدو قلقة غير مستقرة، فباكستان تحاول في ظل رئاسة برويز مشرف أن تتحول إلى النموذج التركي أو ما يشبهه في التعاطي مع قضايا الإسلام السياسي، إضافة إلى مجموعة التغيرات التي طرأت على السياسة والحكم في دول الخليج، وهذه كلها عوامل ضاغطة تدفع بإيران في اتجاه عناد، خصوصاً في ظل رئاسة رجل متشدد من طراز محمود أحمدي نجاد، كما أن المخاطر التي تتهدد سورية - الحليف العربي الأول لإيران - تضيف عاملاً آخر من عوامل الاندفاع نحو المواجهة مع الغرب من دون النظر إلى النتائج المحتملة. ثالثاً: إن إيران تحمل إرثًا سياسيًا ثقيلاً، فهي ترفض إسرائيل لأسباب عقائدية ولكنها لا تتحمس أيضاً للعرب لأسباب تاريخية ويكفي أن نتذكر الآن موقفها المتشدد من تسمية الخليج بالفارسي بدلاً من العربي وإصرارها على ذلك واستعدادها للتصعيد في هذا الشأن، كما أن احتلالها الجزر الإماراتية الثلاث يعزز ما ذهبنا إليه من أن إيران دولة براغماتية تتصرف بذكاء ووعي شديدين وتتجه صوب هدفها الكبير لكي تكون القوة الأساسية في غرب آسيا واللاعب الرئيس في الخليج. رابعاً: إن إسرائيل هي المخطط الأول للسياسة الأميركية في الشرق الأوسط وهي التي تنظر إلى إيران بقلق شديد. وليس ذلك القلق وليد السنوات الأخيرة ولكنه يقترن بالفهم الإسرائيلي الأميركي تجاه الأصولية الإسلامية ومفهوم الجهاد الديني وما يمكن أن يتمخض عنه من مواقف غير محسوبة وعمليات إرهابية محتملة. وأضاف تصريح الرئيس الفرنسي جاك شيراك بعداً جديداً للمواجهة عندما أعطى الانطباع بإمكان استخدام بلاده السلاح النووي إذا شعرت بأن هناك من سيستخدمه لتهديد الأرض الفرنسية. وهكذا، يبدو أن الغالبية من أعضاء النادي النووي يشاركون الولاياتالمتحدة القلق تجاه النشاط النووي الإيراني. خامساً: إنني ممن يعتقدون أن القوة تهزم الشجاعة وأن التقدم التكنولوجي والتفوق الاقتصادي قد يكتسحان أكثر الأمم صموداً وأشدها صلابة. لذلك، فإن الثقة الزائدة التي تبديها إيران حالياً تدق لدي أجراس الخطر وتذكرني بما عرفناه من نظم قريبة دخلت مواجهات غير محسوبة وكانت النتيجة مأسوية. وإذا افترضنا أن لدى إيران أسلحة كيماوية أو صواريخ بعيدة المدى، يظل الموقف على ما هو عليه لأننا تعودنا أن يصطف الغرب وحلفاؤه، بما فيهم روسيا الاتحادية، عندما تحدث لحظة المواجهة الحاسمة أمام طرف ينتمي إلى العالم النامي، والتصعيد الذي نشهده من جانب إيران لا يعبر بالضرورة عن قوة حقيقية بقدر ما يعبر عن مبادئ وقيم ليست هي البضاعة الرائجة في هذا العصر. ... هذه ملاحظات عاجلة تجاه الموقف الذي تتجه إليه إيران في الفترة المقبلة بكل ما يحمله من مخاطر وما يشير إليه من دلالات سيكون لها انعكاسها الضخم على المنطقة بأسرها، وهنا نلفت النظر إلى الاعتبارات التالية: 1 لا يظن عاقل أن الولاياتالمتحدة يمكن أن تغامر في أي مرحلة بعمل عسكري يسعى لدخول إيران أو احتلال أجزاء منها، إذ أن الورطة الأميركية في العراق هي خير شاهد على استحالة ذلك، كما أن إيران الحالية غير عراق صدام، فالظروف مختلفة والتركيبة متباينة والأوضاع ليست متماثلة. وفي تقديري أن من سيستهدف إيران إنما هو الدولة العبرية بالدرجة الأولى، وهي بدأت توجه أصابع الاتهام إلى كل من إيران وسورية في تحريك"حزب الله"بل والوقوف وراء بعض التفجيرات الانتحارية الأخيرة داخل إسرائيل، وذلك هو التمهيد الإعلامي الدعائي الذي تمارسه إسرائيل دائماً. ولا أشك في أنه تراودها بين الحين والآخر فكرة ضرب المنشآت النووية الإيرانية، على رغم أن تلك المنشآت محصنة ومحاطة بحزام من الصواريخ. لكن إسرائيل التي ضربت المفاعل النووي العراقي العام 1981 لا تتورع عن تكرار الجريمة تجاه إيران في الوقت الذي تراه مناسباً وإذا سمحت لها الظروف الدولية والإقليمية. 2 في حين كانت تفكر الولاياتالمتحدة وحلفاؤها في تغيير النظام السوري من داخله وتقويض أركانه ذاتياً، يختلف تصورهم لإيران، فهم لا يسعون إلى تغيير نظامها لأن ذلك أمر صعب ومعقد ولكنهم يتجهون إلى تعجيز الدولة الفارسية وإضعافها وتحجيم دورها والسيطرة على القرارين السياسي والعسكري فيها. وفي ظننا أن الوصول إلى ذلك الهدف ليس أمراً سهلاً لأن إيران مثل العراق تنتميان إلى ذلك الطراز من الدول شديدة المراس صعبة القياد. 3 لعل اللافت في هذا السياق كله أن دول الخليج العربي لا تشارك إيران حماسها لبرنامجها النووي بل تنظر تلك الدول بقلق شديد إليه. ولعل ذلك يفسر حديثهم عن تحويل منطقة الخليج وحدها - من دون الشرق الأوسط كله - إلى منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل. ولقد تابعنا الحوار الذي دار حول رسالة الأمين العام لجامعة الدول العربية إلى الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، والرد الذي تلقاه الأول علناً، ما يؤكد أن الخطر النووي الإيراني لا يقل في العقل الخليجي عن الخطر النووي الإسرائيلي بل قد يزيد عليه بالنسبة لهم. ... إننا نريد أن نقول من سطور هذا المقال ان إيران هي اللاعب الرئيس في منطقة الخليج وهي التي تمسك بناصية المواجهة مع الغرب في ظل تداعيات مقلقة وظروف صعبة تنبئ بمشكلات مقبلة ومواجهات محتملة يقودها نظام ثوري إسلامي لا يتورع عن تسفيه قصة"الهولوكوست"والتشكيك في"أسطورة المحرقة"النازية لليهود بل يضيف إلى ذلك دعوة إلى ترحيل إسرائيل لتأخذ مكانها في وسط أوروبا بدلاً من عدوانها على الأراضي العربية واحتلالها لفلسطين وعبثها بالمقدسات الإسلامية والمسيحية. ونحن ننظر في العالم العربي إلى المواجهة الإيرانية الدولية نظرة مترددة، فمعظم الأنظمة العربية حليف للولايات المتحدة الأميركية، كما أن معظمها أيضاً ينظر بقلق وشك للنظام الإيراني الذي يملك أجندة سياسية قد تتفق مع الأهداف العربية تجاه الصراع مع إسرائيل ولكنه يختلف عنها في كل ما هو غير ذلك، وإذا كانت إيران تنكر مخطط ما يسمى ب"الهلال الشيعي"، إلا أنها تسعى إلى فتح جسور في المشرق العربي، ولديها في ذلك رصيد ضخم لا يمكن الاستهانة به أو الإقلال من تأثيره. وفي رأينا أن إيران حققت نجاحات ملحوظة في سياستها الخارجية خلال السنوات الأخيرة ولكن يبقى عليها أن تحافظ على تلك النجاحات في ظل الوضع المتفجر في جارها الغربي العراق إلى جانب الوضع غير المستقر في جارها الشرقي أفغانستان، فضلاً عن احتمالات واردة لاضطرابات أخرى في الشرق الأوسط، فالصراع العربي الإسرائيلي قد يطول لسنوات مقبلة، كما أن الأوضاع في مجملها غير مرشحة للاستقرار السريع، ونحن محتاجون إلى صوت العقل ليسود في المنطقة، ولكن الواضح الآن هو أن اللاعب الإيراني حسم أمره وأصبح يقذف بالكرة في ملاعب الآخرين ويتلقفها ليعيدها من جديد، فموقف طهران الصلب يعكس حال التعبئة التي يعيشها الإيرانيون وفلسفة الحشد التي يؤمنون بها والرغبة في التصعيد لحين الوصول إلى الحافة المقلقة، إنني أقول ان إيران هي لاعب الخليج الأساسي وقد تكون مصدر التوتر فيه وسبب المواجهة القادمة إليه. كاتب مصري.