يوم الجمعة في 23 أيلول (سبتمبر) زرت مخيم عين الحلوة. الذي سادته الحماسة، وسُمِعَت الموسيقى العالية في أرجائه، فيما غادرت حافلات تقل تلامذة المدارس باتجاه مار الياس، وهو مخيم فلسطيني صغير في بيروت، كان سينعقد فيه اجتماع مساء اليوم ذاته. وكان محمود عباس (أبو مازن) سيلقي خطابه من مقر الأممالمتحدة، ويعرض مطالبة أهل فلسطين بأن تنال بلادهم اعترافاً بها كدولة ذات سيادة. وتزين جدران المخيم صور جديدة، غالباً ما يتم لصقها فوق صور أقدم لشهداء شبان: فترى أبو مازن في المقدمة، فيما يظهر في الخلف مبنى الأممالمتحدة الطويل في نيويورك. وقال أبو يوسف الشواف من جبهة التحرير العربي: «إننا نؤيد كفلسطينيين الإعلان عن الدولة، وسنستعيد كامل فلسطين في المستقبل إن شاء الله...إلا أن الأمور لن تتغير تقريباً بالنسبة إلى فلسطينيي عين الحلوة... ونحن نتوقع فيتو أميركياً». قد يقع مخيم عين الحلوة جغرافياً في لبنان، لكنه لا يعيش الواقع ذاته، إذ أن قسماً كبيراً من سكانه البالغ عددهم 70 ألفاً والمقيمين على مساحة لا تتعدى الكيلومتر المربع الواحد ولدوا في لبنان كأفراد من الجيل الثاني، إلا أنهم لا يتخلون عن لهجتهم الفلسطينية الواضحة. وعلى مسافة بضع دقائق سيراً على الأقدام من مدخل المخيم، نمر بأروقة ضيقة ونصل إلى «بستان القدس»، الذي كان يعرف في الماضي باسم «بستان اليهود»، لأنه كان يأوي عائلات يهودية. يجلس منير المقدح المسؤول في حركة «فتح» أمام منزله، في فناء داخلي، وتعكس ملامحه تعباً. الزعيم العسكري ليس متفائلاً. ففي عام 1993، اعترض على اتفاق أوسلو وعلى مجرى سير المفاوضات. واليوم يرى أن السلطة الفلسطينية لا تملك أي خيار غير العودة إلى الكفاح المسلح. وقال إن «خطاب أوباما بالأمس صورنا، نحن الفلسطينيين، وكأننا نحن من يحتل أرض الغير، وكأن الطرف المذنب هو الشعب الفلسطيني. والأمر الجيد في إعلان الدولة هذا هو أنه سيضع حداً لأوهام مجموعة من الفلسطينيين أودعت آمالها في الغرب وفي المفاوضات». يتحدث مقدح بصوت هادئ، بسحنته الداكنة ولحيته، ونظرته المسمّرة نحو الأمام ونحن نرتشف القهوة. انتقلنا الى الكلام عن الربيع العربي، فقال في هذا الصدد: «كان سقوط العلم الإسرائيلي في القاهرة تصحيحاً للربيع العربي، وإعادة للطابع المركزي للقضية الفلسطينية... ولم تكن هذه الأنظمة إلا حرساً لحدود الاحتلال الإسرائيلي، وخصوصاً نظام مبارك». وأضاف أن «حل السلطة سيوصلنا إلى النزاع المسلح، في حين أن استمرار المفاوضات سيفرض علينا المزيد من المستعمرات. وقبل اتفاق أوسلو (في عام 1993) بلغ عدد المستوطنين في الضفة الغربية 12 ألفاً، أما الآن، فيصل عددهم إلى 600 ألف». علق الفلسطينيون، شأنهم شأن شعوب كثيرة أخرى، آمالاً كبيرة على باراك أوباما، بعد أن تم انتخابه رئيساً للولايات المتحدة. حتى أنهم منحوه في المخيم لقب «أبو حسين»، ليصبح واحداً منهم. أما الآن، فخيبة الأمل كاملة، ويسود شعور بأنه لدى الولاياتالمتحدة خصوصاً والغرب عموماً معايير مزدوجة عندما يتعلق الأمر بالقضية الفلسطينية. وبهدف الحصول على وجهة نظر «حماس»، نسير إلى شارع «التحتا»، ونلتقي صدفة بزعيم في حركة حماس الذي يدعونا لزيارة جامع خالد بن الوليد بعد الصلاة المسائية. وبانتظار ذلك، نُدعى لزيارة منزل عبد القادر الموعد (أبي محمد) البالغ من العمر 87 سنة، والذي ولد في قرية صفوري في محافظة الناصرة. ويروي لنا أبو محمود قصته خلال النكبة في عام 1948، وكيف استعد الشباب في قريته للمقاومة، ثمّ جاء ضابطان من جيش الإنقاذ إلى القرية وقالا لهم بأنهم سيهاجمون المواقع اليهودية المسلحة في الجوار، إلا أنهما هربا وتركا سكان القرية تحت رحمة المهاجمين. وعُلقِت على الحائط في الخلف صور اثنين من أبنائه، وكلاهما من شهداء القضية الفلسطينية. وعندما وصلنا إلى البهو الواقع تحت الأرض في جامع خالد بن الوليد، كان حشد من أربعين شخصاً مجتمعاً فيه. أما الضيف، فهو إسماعيل رضوان، أحد زعماء حماس، وقد وصل للتو من غزة. بدأ رضوان خطابه قائلاً إن «العودة قريبة، إن شاء الله»، وتابع شارحاً موقف حماس، إذ يفترض أن يقوم الخيار الاستراتيجي على المصالحة والوحدة الفلسطينيتين، بدلاً من التقدم نحو المجهول وطلب إنشاء دولة ضمن حدود عام 1967، من دون السيطرة كلياً على تبعات ذلك. وطرح سؤالاً بليغاً فقال: «ما الذي سيحل باللاجئين في حال اعترفوا بالدولة»؟ قبل أن يضيف أن «حق اللاجئين بالعودة سيكون مهدداً».