قل ان جمعت قضية ذلك المزيج الكريه من الجهل والعنصرية والكذب كما جمع شراء شركة موانئ دبي شركة بريطانية تدير موانئ في الولاياتالمتحدة. العنوان معروف فقد دفعت الشركة الدبوية 6.8 بليون دولار لشركة بننسلور اند اوريانت ستيم نافيغيشن التي تدير عمليات الشحن في موانئ نيويورك ونيووارك بولاية نيوجيرسي وفيلادلفيا وبالتيمور وميامي ونيواورلينز. غير ان التفاصيل لا علاقة لها بالعنوان الا اذا فسرت بالجهل والعنصرية والكذب لاسباب تجارية، فالمعترضون لا يستطيعون ان يقولوا انهم يرفضون شركة لأن مالكيها عرب، وانما هم جميعاً احتجوا بالأمن وخطر الارهاب، مع ان الحقيقة الوحيدة الاكيدة في الموضوع كله هي ان أمن الموانئ الاميركية بيدي الحكومة الاميركية، لا أي شركة تدير الشحن والتفريغ على الارصفة. أمن الموانئ ضمن مسؤوليات حرس الحدود بمساعدة الشرطة المحلية ووزارة الأمن الوطني، اما فحص الشحنات فهو تحت اشراف الجمارك الاميركية وهيئة حماية الموانئ والحدود. افترض ان بعض المعترضين جاهل، فالجهل كان دائماً اكثر من أي عنصر آخر في طبيعة البشر، ولكن افترض ايضاً ان اعضاء مجلس الشيوخ يعرفون اكثر من غيرهم، ومع ذلك فالسناتور برباره بوكسر، وهي ديموقراطية من كاليفورنيا، صرحت بضرورة منع جميع الشركات الاجنبية من العمل على ارصفة الموانئ الاميركية، مع العلم ان 13 شركة من اصل 14 شركة شحن في ميناء لوس انجليس هي اجنبية، ومن بلدان مثل الصين واليابان وتايوان وسنغافورة. اما السناتور تشك شومر، وهو ديموقراطي من نيويورك، فقال:"كما اننا لا نريد تحويل عملياتنا العسكرية أو واجبات حفظ الأمن الى دول اجنبية، فانه يجب ان نكون حذرين في تحويل مهمات أمنية حساسة الى شركات اجنبية". ومرة اخرى، فالامن ليس مهمة أي شركة، حتى لو كانت اميركية، غير ان شومر يستحق نظرة ثانية، فهو لم يعترض يوماً عندما سلمت مهمات امنية حساسة الى شركات اسرائيلية، وهو مثلاً لم يعترض على وضع نظام الهاتف في الكونغرس في يدي شركة اسرائيلية، بل الواقع انه لم يعترض أحد على موضوع هو باختصار: اقنع عميل اللوبي جاك ابراموف الذي يواجه تهماً عدة الآن النائب روبرت ناي، رئيس لجنة الادارة في مجلس النواب، بمنح عقد بمبلغ ثلاثة ملايين دولار لشركة حديثة اسرائيلية اسمها فوكسكوم وايرلس لنصب هوائيات انتينات في مباني مجلس النواب لتحسين استقبال الهاتف المحمول فيها، وهذا يسهل على أي طرف ثالث، مثل الموساد، التنصت على مخابرات الاعضاء. ابراموف يهودي ارثوذكسي وصهيوني متطرف اشترى اسلحة للمستوطنين بمبلغ 140 الف دولار، وقد حددت المحكمة الكفالة عليه بمبلغ 2.2 مليون دولار، وقيل ان سبب ارتفاعها منعه من الفرار الى اسرائيل كنصابين محتالين آخرين في الماضي. في المقابل شركة موانئ دبي تتمتع بسمعة عالمية في مجال اختصاصها، فهي تدير موانئ من لندن الى اوكيناوا، وقد كانت سباقة في الانضمام الى مبادرة أمن الحاويات الاميركية التي ترسل عملاء للجمارك الاميركية للاشراف على امن عمليات الشحن في الخارج. ورئيس عمليات الشركة الدبوية هو الاميركي ادوارد بيلكي، وقد رشحت ادارة بوش اخيراً ديفيد سانبورن، وهو مدير سابق في عالم موانئ دبي لمنصب مدير العمليات البحرية الاميركية. وربما زدنا هنا ان الشركة الدبوية وافقت على الالتزام بمستويات الامن القائمة في الموانئ الاميركية والمحافظة على الموظفين والمشاركة في معلومات العمليات وخلفيات الموظفين مع الحكومة الاميركية فكان ان لجنة الاستثمارات الاجنبية ايدت تملكها الشركة البريطانية. بكلام آخر سمعة شركة موانئ دبي تفوق أي مستوى مطلوب وتعهداتها كاملة، وهذان مهمان في موضوع الموانئ الاميركية بالذات، فالولاياتالمتحدة تستقبل بليوني طن من البضائع كل سنة يفحص خمسة في المئة فقط منها، اما الباقي فيمر بأقل قدر من المراقبة اعتماداً على سمعة الجهة الشاحنة. العنصريون والاسرائيليون، جهلاً او تدبيراً، لم يجدوا ما يقولون سوى ان دبي ايدت القاعدة وان اثنين من ارهابيي 11/9/2001 جاءا منها، وان بنوكها استخدمت في تمويل الارهاب، كما ان الامارات العربية المتحدة كانت بين ثلاث دول فقط اعترفت بطالبان. ارهابيان من اصل مليون مواطن لا يشكلان أي رقم يمكن بناء نسبة عليه، وبنوك دبي هي الانشط في المنطقة، وقبل ايام فقط كانت جريدة"الغارديان"الراقية تصفها بانها عاصمة العالم. اما موضوع طالبان فيجب ان يكون مفهوماً تماماً لاسباب الدقة التاريخية، فهم كانوا من اختراع المخابرات العسكرية الباكستانيةوالولاياتالمتحدة، وهذان هما الطرفان اللذان قدما طالبان الى المملكة العربية السعودية، فاعترفت بنظامهم مع باكستانوالامارات العربية المتحدة. والامارات ما كانت لتتعامل مع طالبان لولا الصلة الاميركية، فهي في مقدم حلفاء الولاياتالمتحدة في الخليج، قديماً وحتى الموقف من البرنامج النووي الايراني. وكنت كتبت في هذه الزاوية حلقات عن طالبان ونشأتها بالاسماء والتواريخ انطلاقاً من جلسة لي مع الامير تركي الفيصل في جدة، عندما كان رئيساً للاستخبارات العامة السعودية، ولم ينف أي طرف في حينه معلوماتي. واريد قبل ان يضيق المكان بنا ان ازيد من اسباب المعارضة موقف نقابات عمال الموانئ ازاء شركة جديدة لا نقابات لها، ثم المنافسة التجارية فشركة ايلير في ميامي رفعت قضية لفرض الشراكة عليها مع شركة عربية واستشهدت بالهواجس الامنية غير الموجودة اطلاقاً ما لا بد ان شركة بحرية عاملة تعرفه، فيبقى الكذب لاسباب تنافسية. شركة موانئ دبي اعلنت انها ستكمل صفقتها مع الشركة البريطانية الاسبوع المقبل، الا انها ستؤخر ادارة الموانئ الاميركية بانتظار ان تهدأ الزوبعة المصطنعة. والرئيس بوش قال انه سيستخدم الفيتو ضد أي قرار للكونغرس يعطل الصفقة، في اول موقف حكيم له منذ خمس سنوات.