سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
كيف تتعاطى الإدارة الأميركية مع وصول أحزاب أصولية الى الحكم بوسائل ديموقراطية ؟ - في ضوء صعود "حماس" وفشل الحليف الفلسطيني . نقاش أميركي بين مؤيدي الانتخابات والمستمهلين حتى نضوج تيارات علمانية
فرضت نتائج الانتخابات التشريعية الفلسطينية وفوز"حركة المقاومة الاسلامية"حماس بأغلبية ساحقة على حركة"فتح"، جدلاً داخلياً في الادارة الأميركية حول استراتيجية الرئيس جورج بوش لنشر الديموقراطية في العالم العربي وتضاربها في بعض الحالات مع مصالح أميركا في المنطقة. وتؤكد مصادر رسمية أن هناك أصواتاً داخل الادارة تطالب باعادة النظر، على رغم تمسكها بالنهج الديموقراطي، في الأسلوب المتبع لخلق بدائل ديموقراطية والحؤول دون وصول حركات متطرفة الى السلطة. وفاجأ انتصار"حماس"الانتخابي الأسبوع الفائت وحصدها 74 مقعداً في مقابل 45 لپ"فتح"الادارة الأميركية، ودفع وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس الى الطلب من مساعديها"التمعن في النتائج"ومعرفة"الأسباب وراء الخطأ في قراءة المشهد السياسي الفلسطيني". وفيما رحب البيت الأبيض بالعملية الديموقراطية ورأى فيها الرئيس بوش علامة على"مدى قوة الديموقراطية"، أعاد التزام الولاياتالمتحدة في اعتبار"حماس"منظمة ارهابية والتعهد بمقاطعة ممثلي الحركة، وقطع المساعدات عن أي حكومة تشكلها. المعضلة... ويشير مدير مشروع"دعم الديموقراطية العربية"في مجلس العلاقات الخارجية ستيفن كوك الى أن الادارة الأميركية تواجه "معضلة سياسية"في محاولتها التكيف مع نتائج الانتخابات ودعمها الديموقراطية من جهة، ودفعها لعملية السلام وخريطة الطريق من جهة ثانية، معتبراً ان الادارة"تلقت ضربة موجعة"مع وصول الحركة الاسلامية الى السلطة. وتدرج الخارجية الأميركية حركة"حماس"على لائحتها للارهاب، في حين تشير سجلات الحكومة الاسرائيلية الى قيام الحركة بنحو 425 عملية انتحارية منذ بدء انتفاضة الأقصى في العام 2000، والمساهمة في قتل 27 أميركياً منذ العام 1999. ويرى آرون ميلر، وهو باحث في السياسة العامة في"معهد وودرو ويلسون"والمستشار السابق لستة وزراء خارجية أميركيين في الملف الاسرائيلي الفلسطيني، أن فوز"حماس"سيضع عملية السلام في"الثلاجة في السنتين المقبلتين". واستبعد المفاوض السابق حصول أي تغيير في توجه حماس وجنوحها نحو الاعتدال، مشيراً الى أن"حماس لن تعود حماس في حال غيرت نهجها"وپ"لن يكون هناك تكرار لسيناريو الثمانينات بين الرئيس رونالد ريغان ومنظمة التحرير الفلسطينية"التي تم التعامل معها بعد اعترافها باسرائيل ونبذها العنف في 14 كانون الأول ديسمبر 1988. وتوقع ميلر رؤية"خطوات داخلية في المجتمعين الاسرائيلي والفلسطيني"تستند على الحوار الداخلي خلال الفترة المقبلة ريثما يتم حل"عقدة حماس". وفي حين رجح مفاوضون أميركيون سابقون مثل دنيس روس ومارتن أنديك، أن يدفع انتصار"حماس"الحكومة الاسرائيلية للقيام بخطوات أحادية الجانب وپ"الانفصال"بالكامل عن الفلسطينيين بعد استكمال بناء الجدار واخلاء بعض مستوطنات الضفة، اعتبر ميلر أن فوز حماس سيضعف تأييد الناخب الاسرائيلي لأي خطوات أحادية خوفاً من"أن تستثمرها حماس لزيادة شعبيتها أو لتوسيع سلطتها بعد أي انسحابات مفترضة." وعن قطع المساعدات، رأى ميلر أن الادارة الأميركية ستتوقف عن تقديم أي مبالغ مباشرة للسلطة في ظل سيطرة"حماس"، على رغم مضاعفات هذا الأمر على الشعب الفلسطيني. ويتلقى الفلسطينيون 900 مليون دولار من المساعدات الخارجية ثلثها من الاتحاد الأوروبي فيما تقدم واشنطن مساعدة سنوية قدرها 200 مليون دولار خصصها البيت الأبيض لمساعدة السلطة الفلسطينية و150 مليون دولار أخرى تشرف عليها الوكالة الأميركية للتنمية الدولية وتمنح لمنظمات خاصة وغير حكومية أو لفروع الأممالمتحدة. واضطر الرئيس بوش الى اللجوء الى صلاحياته الرئاسية العام الفائت لتمرير المساعدات للسلطة والغاء الحظر المفروض من الكونغرس. وحذر كوك من أضرار قطع المساعدات،"وإجبار حماس الى التوجه نحو دول عربية أو الحكومة الايرانية والتي تقدم حالياً ثلاثة ملايين دولار سنويا للحركة، وخطر جعلها أكثر تطرفاً". وتشير مصادر في الادارة الأميركية الى أن فوز"حماس"أطلق جدلاً داخل الادارة تمثل في اعتراضات أصحاب"الخط الواقعي"ريل بوليتيك حول استراتيجية بوش في نشر الديموقراطية ومخاطرها على الاستقرار في المنطقة، ونصح هؤلاء بالعمل على دعم الديموقراطيين العرب كبديل ثالث يوقف صعود الحركات الاسلامية. ويشير كوك الى أن"الادارة الأميركية تعلمت الدرس الخاطئ من العراق"وپ"استعجلت الدعوة الى انتخابات بدل العمل على بناء مؤسسات ديموقراطية وخلق حركات ليبرالية"في العالم العربي. واعتبر أن مكاسب الحركات الاسلامية برزت في الانتخابات الأخيرة في العراق ومصر ولبنان حزب الدعوة العراقي،"الاخوان المسلمون"في مصر،"حزب الله"في لبنان وهي"دليل واضح على مدى قوة الحركات الاسلامية وقدراتها التنظيمية"، وپ"من السذاجة عدم توقع نتائج مماثلة على الساحة الفلسطينية". بديل ثالث... ويدعو كوك الادارة الى"اعادة تقويم"الأسلوب المتبع لنشر الديموقراطية في العالم العربي، والذي قد يؤدي في حال استمراره في هذا الاتجاه الى"وصول المزيد من الأحزاب الاسلامية غير المؤيدة لواشنطن الى السلطة في دول مثل الأردن أو الكويت". ويؤكد أن على الادارة أن تعمل على تطوير المؤسسات الديموقراطية ووسائل التغيير الديموقراطي السلمي قبل"فتح صناديق الاقتراع". ويختلف الباحث جوشوا مورافشيك من معهد أميركان انتربرايز اليميني والقريب من الادارة، مع كوك، ويرى أن مصلحة الادارة الأميركية هي في"دفع الديموقراطية والانتخابات" وپ"على رغم وجود مطبات سياسية في المدى القصير". ويوضح مورافشيك أن ليس لديه"شعور بالاحباط أو الحزن لفوز حماس" بل يرى فيها"الطريقة الأفضل للتعبير عما يفكر فيه الفلسطينيون". ويشير الباحث القريب من المحافظين الجدد الى أن لدى"حماس خطاً واضحاً وصريحاً"يتناقض مع"الازدواجية السياسية التي مثلها عرفات"الذي حاول أن يجمع بين"العنف والسلام". ويعتبر مورافشيك أن"عقيدة بوش"لنشر الديموقراطية في العالم العربي هي السبيل الوحيد للنهوض في المنطقة، بعد أن برهنت اعتداءات 11 أيلول سبتمبر 2001 فشل المصطلح القائم منذ خمسة عقود والقائل إن الوضع السياسي الراهن في المنطقة واستقرار الأنظمة يخدم مصالح واشنطن. وتصدرت وقتها أولويات تأمين تدفق النفط من الخليج العربي وضمان أمن اسرائيل ومواجهة الدول المارقة ومكافحة الارهاب واحتواء النفوذ السوفياتي اولويات السياسة الأميركية. وشملت التساؤلات اعتداءات 11 أيلول سبتمبر وما اذا كانت الأنظمة السياسية في الشرق الأوسط مصدر استقرار أو مصدر انتاج للتطرف. ومن هنا إصرار ادارة بوش على تعزيز الديموقراطية والقيام بإصلاحات سياسية لپ"تجفيف المستنقع"الذي ينتج ارهابيين. وجاءت الحرب على العراق ضمن هذه الاستراتجية ودعم العملية الديموقراطية حتى ولو ادى ذلك الى وصول منظمات اسلامية بعضها مناهض للولايات المتحدة الى الحكم. ويشير مورافشيك الى أن هذه الاستراتيجية تهدف الى"اضعاف تنظيم القاعدة ومنعه من اجتذاب مجموعات اسلامية لها حضورها السياسي في العالم العربي مثل حماس وحزب الله والاخوان المسلمين". وكرس خطاب بوش أمام"معهد الوقف القومي للديموقراطية"التابع للحكومة الأميركية في تشرين الثاني نوفمبر 2003 هذا التوجه إذ أعلن انقلاباً على"ستين سنة من تبرير الدول الغربية لنقص الحرية في الشرق الأوسط، ما لم يمنحنا الأمن"مؤكداً"أنه في المدى البعيد لا يمكن شراء الاستقرار على حساب الحرية". وتعهد بوش في الخطاب نفسه بأن تتبنى الولاياتالمتحدة"سياسة جديدة، واستراتيجية تقدمية للحرية في الشرق الأوسط."ويشير مورافشيك الى أن الديموقراطية هي السبيل الأفضل لپ"تقويم أي حزب أو حركة سياسية"، ويعتبر أن فوز حماس"سيجبر الفلسطينيين على التفكير أكثر في اتخاذ قراراتهم وبدء حوار داخلي"، مشيراً الى أن"فشل حماس في ادارة السلطة سيضعف الحركة ويضعها خارج الحكم". ويستبعد مورافشيك أيضاً أن تعدل حركة"حماس"في اتجاهاتها، وتوقع أن تخسر المساعدات الأميركية.