لا يمكن لأحد أن ينكر حال"الغليان"و"السخط"و"الإحباط"و"اليأس"التي يعيشها الشارع المصري، سواء لزيادة حجم البطالة أو لفساد بعضهم الذي تكشفه الجهات الرقابية النزيهة، أو لنفوذ بعضهم الآخر ممن نكتشف استغلالهم لمواقعهم ومناصبهم أسوأ استغلال. كذلك، لا يمكننا أن نهمل التطورات العالمية والمتغيرات الدولية التي نشترك فيها، فلا يمكن أن يكون لنا وجود في الساحة العالمية من دون استيعاب ما يناسبنا من هذه المتغيرات، خصوصاً ما يتعلق منها بالحريات العامة والتعددية والشفافية والإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية. ولا شك في أن نتيجة الانتخابات البرلمانية الأخيرة وحصد جماعة"الإخوان المسلمين"، المحظورة قانوناً، 88 مقعداً هو نتيجة طبيعية لسياسة"الحزب الوطني الديموقراطي"الحاكم التقليدية وتجاهله رجل الشارع العادي الذي فقد الثقة في بعض رموز الحزب وقياداته، وبالتالي في الحزب كله. فالحديث عن استغلال بعضهم الحزب في تحقيق مصالح شخصية ضمن أشكال متعددة من الفساد السياسي لا ينقطع عند رجل الشارع. على هذا النحو، لم يكن من الممكن أن تمر هذه اللحظة من دون"وقفة" حقيقية للتقويم، تأكد انتهاجها أخيراً من خلال لقاءات عدة ضمت قطاع عريض من القيادات والكوادر الحزبية داخل الحزب. وفي اعتقادنا، أنه يجب أن نرصد بعض المعلومات الأساسية حول هذا اللقاء، قبل أن نتطرق إلى بعض الملاحظات التحليلية. وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى: 1- أن قرار التقويم الذي اتخذه الحزب ليس لتقويم ما جرى وما أدى إلى ذلك فقط، بل لتوييم أداء كل قيادات الحزب، وهو أمر جديد لم نعهده من قبل في الحزب الوطني خصوصاً، أو في الأحزاب المعارضة بوجه عام. إذ لم يقم حزب بعملية تقويم داخلية شاملة بناء على أسس وقواعد علمية وعملية لترسيخ مبدأ الشفافية وما يترتب عليه من مكاشفة ومصارحة. 2- بدأت ملامح التقويم في الظهور من خلال التغيير الذي طال أخيراً بعض الأشخاص في المواقع القيادية المهمة، سواء بالاستبعاد أو بتغيير الموقع. وبالطبع لا يعني هذا التغيير تحميل شخص بعينه مسؤولية ما جرى في الانتخابات البرلمانية، بقدر ما هو تقويم منظومة العمل الجماعي نفسها داخل الحزب. 3- إن التقويم الذي بدأ بالقيادات سينتهي بالقواعد الحزبية الشعبية والمحلية من أجل إعادة تشكيل الأمانات النوعية والقواعد الحزبية الميدانية في شكل موضوعي، خصوصا أن بعض الأزمات التي واجهها مرشحو الحزب في الانتخابات البرلمانية وأدت إلى فشلهم كان سببها في شكل أساسي يعود إلى بعض التصرفات الخارجة عن الالتزام الحزبي للقواعد الحزبية الميدانية. 4- إن هذا التقويم الشامل سيجعل اختيار مرشحي الحزب للانتخابات يتم على خلفية الدور الذي قاموا به في تقديم الخدمات الجماهيرية المباشرة والملموسة لدى رجل الشارع. ونطرح هنا بعض الملاحظات، منها: - إن التغيير في بعض المواقع القيادية سمة مرحلة الإصلاح, وهو ما أكده أمين الإعلام في الحزب الدكتور علي الدين هلال حين قال في"ملتقى الشباب العربي للإصلاح والفكر"الذي عقد الأسبوع الماضي في مدينة الإسكندرية إن"هناك ضرورة لتغيير آليات العمل السياسي والقيمين عليه، لأنه لا يمكن استمرار أشخاص أداروا العمل خلال مرحلة سابقة في مرحلة الإصلاح أيضاً". - إن النهج الجديد الذي يتبعه الحزب في تقدير أعضائه واحترام ارائهم، تأكد بوضوح من خلال مؤتمر اليوم الواحد الذي عقد أخيرا في إطار خطة العمل الحزبي الجديدة التي تعتمد على تقويم ما سبق وبلورة برنامج عمل للمرحلة المقبلة. وتضمن اللقاء جلستين افتتاحية وختامية، إضافة إلى تسع جلسات فرعية، وهي تجربة غير مسبوقة تتماشى مع ما يشهده الحزب من تغيرات. وعلى رغم أن أصحاب"الفكر الجديد"في أمانة السياسات استطاعوا مد الجسور مع كثير من رموز المجتمع المصري ونخبتيه السياسية والثقافية، فإنهم فشلوا في مد هذه الجسور مع رجل الشارع العادي، وهو ما نجحت فيه ببراعة شديدة القيادات التقليدية والنمطية في الحزب. أضف إلى هذا محاولة بعضهم اختزال الفكر الجديد في الحزب على أنه أمانة السياسات فقط، ما أوحى بأنها أمانة الكبار ورجال الأعمال التي تهتم بأشياء كثيرة ليس بينها هموم رجل الشارع العادي. إن السياسات تستغرق وقتاًً وجهداً كبيراً لكي تصبح نتائج عملية ملموسة. وتظل القاعدة أن الفكر يسبق التنظيم والحزب يسبق الحكومة، كما إن التطوير في الأسلوب يتبعه بشكل مباشر تغيير في النتائج المرجوة. وإذا كان الفكر الجديد في الحزب يؤمن بالإصلاح الداخلي، ويؤمن أيضاً بمواجهة المشاكل وحلها، بدلا من الهروب منها، فإن الواقع العملي هنا يحتم عليه مراعاة الوصول إلى رجل الشارع العادي. كاتب مصري