اختارت الحكومة العراقية، برئاسة نوري المالكي، تنفيذ حكم الاعدام شنقاً بالرئيس العراقي السابق صدام حسين فجر امس، في اليوم الاول لعيد الاضحى المبارك. وروى شاهد عيان ل"الحياة" قصة الدقائق الاخيرة التي سبقت تنفيذ الحكم في مقر قوات حفظ النظام التابعة للشرطة العراقية. وقال الشاهد ان صدام، قبل ان ينطق بالشهادتين، قال"لا قُرت عيون الجبناء"، ثم"تقدم بهدوء الى المشنقة مرفوع الرأس بوجهه مكشوف من دون ان ينظر الى مسؤولين عراقيين ورجال دين، كلهم من الشيعة، بعدما رفض رجال دين سنة في بغداد طلبات حكومية بالتواجد خلال تنفيذ الحكم". وترددت معلومات ليل امس عن تسليم جثة صدام الى عشيرته لدفنها في مسقط راسه. وقال الشاهد الذي حضر عملية الاعدام، ل"الحياة"ان كتيبة اميركية نقلت الرئيس السابق نحو الرابعة فجراً من معتقله في سجن المطار الى مقر قوات حفظ النظام في الكاظمية وهو مقر سابق للاستخبارات العسكرية. وافاد الشاهد الذي طلب عدم ذكر اسمه، ان جنوداً اميركيين"تواجدوا في قاعة كبيرة رُصفت فيها بعض الكراسي ومائدة حديد صغيرة أجلس صدام خلفها... وكان يرتدي بنطالاً اسود وقميصاً ابيض وسترة رمادية وبدا هادئاً وهو يحمل بيده نسخة من المصحف الشريف التي كان يحملها في جلسات محاكمة الدجيل. وظل يحدق بالحاضرين في القاعة من دون ان تبدو عليه علامات الوجل او الارتياب بما يجري كونه على علم مسبق بساعة تنفيذ الحكم". واضاف"ان ضابطاً اميركياً رفيعاً ومجموعة من الجنود تناوبوا على القاء التحية العسكرية على الرئيس السابق قبل ان يتنحوا جانبا لتتسلم مجموعة من رجال الشرطة العراقية، باللباس المدني، مهمة نقل قيوده الحديدية من يديه الاماميتين الى خلف جسمه وتقييد قدميه بسلاسل اخرى". وتحدث الشاهد عن"اهازيج اطلقها حاضرون في الغرفة سبقت تنفيذ الحكم وتزامنت مع اجراءات ادارية تقليدية تضمنت تلاوة آيات قرانية اعقبتها قراءة امر الحكم الصادر بالاعدام وقرار السلطة التنفيذية الذي وقعه رئيس الوزراء بعدما رفض صدام الادلاء بوصيته شفوياً عندما رفض احد المسؤولين السماح بمنحه ورقة وقلماً لكتابة الوصية حسب طلبه". وقال الشاهد"ان احد الحاضرين المعممين، وهو مقرب من المرجعية الشيعية قال لصدام: الى جهنم وبئس المصير. فرد عليه صدام بلهجة حادة: لك ولكل العملاء والخونة. ثم اخذ يردد بغضب عبارات من بينها: عاش العراق ويسقط الاميركيون والمجوس وعاشت فلسطين والحرية لشعب العراق المجاهد والله اكبر والنصر للمقاومة الشريفة والخزي والعار لاعداء العراق، وذلك قبل ان يجبره الحراس على الصمت بالامساك برأسه ووجهه". واضاف الشاهد ان صدام"قال لحارس جره بقوة الى غرفة الاعدام: سامحك الله يا ابني، قبل ان يقتاده ستة من عناصر الشرطة الملثمين وواحد من عناصر تيار الزعيم الشيعي مقتدى الصدر رفض ارتداء اللثام الاسود، خلال التصوير الى غرفة للاعدام كانت شُيدت في فترة الثمانينات مساحتها نحو 10 امتار مربعة تتوسطها مشنقة في اسفلها بوابة حديدية تفتح بقضيب حديدي مثبت الى جوارها". وطلب الحراس من صدام تغطية رأسه بكيس اسود، مصنوع من القماش السميك، فرفض، لكن احد الحراس اقنعه بان غرض الكيس حماية رقبته من التمزق. واقترح حارس آخر ان يلف الكيس حول رقبته لتحقيق الغرض نفسه فوافق صدام بكلمة"ماشي". وبعدما وضع الحراس حبل المشنقة السميك حول رقبة صدام تنحوا جانباً ليمسك الجلاد بمقبض الباب الحديد بانتظار امر من ضابط عراقي. وساد صمت لمدة دقيقة، لم يغلق صدام عيناه فيها حتى صرخ آمر الحرس:"باسم الشعب سننفذ الحكم الآن هل لديك شيء تقوله؟"فرد صدام:" لاقرت اعين الجبناء... عاش العراق". ثم تلا الشهادتين قبل ان يُفتح باب المشنقة ويفتح صدام عينه بقوة محدقاً بسقف الغرفة وسقط ليُسمع صوت دق عنقه بعد لحظات تحرك جسده خلالها بقوة". ووفق الشاهد"فحص طبيب جثة صدام بعد نحو خمس دقائق من الاعدام قبل ان ينقلها الحراس في كيس ابيض الى سيارة اسعاف حملتها الى جهة مجهولة". وقال مساعد لرئيس الوزراء ان صدام حسين سيُدفن على الارجح سراً في العراق بعدما رفضت الحكومة طلباً من عائلة صدام لتسلم جثمانه. وقال سامي العسكري الحليف السياسي للمالكي ل"رويترز"ان جثمان صدام حسين سيدفن على الارجح في مكان سري في العراق. وعلى صعيد ردود الفعل على تنفيذ الاعدام، وزعت"وكالة الانباء السعودية"واس الرسمية تعليقاً، كتبه المحلل السياسي فيها. وجاء فيه"راقبت الأوساط السعودية والعربية والاسلامية بإهتمام أخبار اعدام الرئيس العراقي السابق صدام حسين صبيحة أول أيام عيد الأضحى المبارك. وتابعت ردود الفعل التي أعقبت عملية الاعدام بين مؤيد ومستنكر ومتحفظ ومستدرك على عقوبة الاعدام. وقبلها كانت محاكمة الرئيس صدام حسين محل رفض ومتابعة من هذه الأوساط وما مرت به المحاكمة من تغيير للقضاة وظروف الاحتلال التي أجريت المحاكمة في ظلها وما تزامن معها من سيادة أعمال العنف الطائفي والمذهبي والخلاف السياسي على الساحة العراقية". واضاف التعليق:"كان من المتوقع لدى كثير من المتابعين والمراقبين أن تستغرق محاكمة رئيس سابق حكم العراق لعقود من الزمن وقتاً أطول ومداولات مفصلة وإجراءات قانونية محكمة ودقيقة وبعيدة عن التسييس. كما ساد شعور بالاستغراب والاستهجان أن يأتي تنفيذ الحكم في الشهور الحرم وفي أول أيام عيد الأضحى المبارك الذي تتجسد فيه وحدة المسلمين ويسود التقارب بينهم، وملايين الحجاج منهم تلتقي على صعيد مبارك واحد تبحث عما يوحدها لا عما يذكرها بما يفرقها. كما أن ملايين المسلمين تنتظر أن ينظر العالم كله، لا القيادات السياسية في الدول الإسلامية فقط ،باحترام لهذه المناسبة العظيمة وهيبتها ومكانتها في نفوس وضمائر المسلمين لا أن يستهان بها". وفي عمان، اعرب الناطق باسم الحكومة ناصر جوده امس عن امل الحكومة الاردنية بان لا تكون هناك"تداعيات سلبية"جراء تنفيذ حكم الاعدام من شأنها ان تؤثر في وحدة شعب العراق وتماسكه. واكد لوكالة الانباء الاردنية بترا مسؤولية العراقين جميعاً في الحفاظ على وحدة العراق ارضاً وشعباً مجدداً دعوة الحكومة الاردنية الى نبذ العنف والتطلع الى المستقبل. وفي القاهرة أعربت وزارة الخارجية عن الأسف لتنفيذ الحكم بصدام في أول أيام عيد الأضحى وأثناء أداء مناسك الحج من دون مراعاة لمشاعر المسلمين أو حرمة هذا اليوم الذي يمثل مناسبة للعفو والتسامح. وقال الناطق باسم الخارحية المصرية علاء الحديدي"نأمل في ألا يؤدي تنفيذ حكم الإعدام في الرئيس العراقي السابق في هذا التوقيت، الذي يمر فيه العراق بلحظات فارقة بعد فترة وجيزة من مؤتمر المصالحة الوطنية الذي عقد في بغداد منذ أيام قليلة، إلى مزيد من التدهور في الأوضاع وإذكاء روح الانتقام والثأر. ولم يصدر في دمشق اي تعليق رسمي على إعدام صدام، في وقت رحبت الكويت واسرائيل وايران. ودانت الاعدام حركة"حماس"واعتبرته"اغتيالاً سياسياً". كما دانته الجبهة الشعبية. ووصف الاتحاد الاوروبي اعدام صدام شنقاً ب"الهمجية"، فيما اعتبره الرئيس جورج بوش"خطوة مهمة للعراق". وانضمت موسكو الى بروكسيل في معارضتها الإعدام وأعربت عن أسفها لذلك وخشيتها من تزايد أعمال العنف، في وقت حذر مسؤول برلماني روسي من إنعكاسات تنفيذ هذه العقوبة على العراق والمنطقة بأكملها. وتزامن اعدام صدام مع سقوط 86 قتيلاً في سلسلة عمليات، بينهم 73 قضوا في تفجيرات إستهدفت حياً في بغداد وسوقاً شعبية انتقاماً لشنق صدام، في حين إرتفعت حصيلة قتلى القوات الأميركية هذا الشهر الى 106 اثر الاعلان عن مقتل ستة جنود أميركيين، ما يجعل هذا الشهر ثاني الشهور دموية بعد تشرين الثاني نوفمبر العام 2004 وليصل عدد القتلى الاميركيين منذ غزو العراق الى 2998 جندياً.