من بين المشاكل التي تواجه الشباب العربي في أوروبا عامة وسويسرا بالتحديد، التعامل مع ما تبثه وسائل الإعلام حول قضاياهم سواء ما يتعلق بالأوضاع المتردية في العالم العربي أو العادات والتقاليد التي تحرص غالبية المهاجرين على التمسك بها. ولا شك في أن القضايا العربية تفرض نفسها تلقائياً على الأحاديث بين الشباب العربي ومن حولهم، في الدراسة أو العمل. ولكن مع الأسف الشديد يقف الشباب العربي عاجزاً عن الرد والمواجهة ودحض الآراء الخاطئة، لأن غالبيتهم لا تجيد فن الحوار، ولا يعرفون كيف يوصلون رسالتهم ولا يملكون أدوات التعبير السليمة عن وجهة نظرهم. البروفيسور إداورد بدين استاذ اللغة العربية في جامعتي بازل وزيورخ والأديبة سمية ناصر فرحات، وكلاهما فلسطيني، من القلائل الذين فطنوا إلى خطورة تفشي هذه المشكلة بين الشباب العربي والفلسطيني المقيم في سويسرا، فقررا البدء في مشروع لتعليم الشباب العربي فن الحوار مع الآخر في القضايا التي يدور حولها الحديث باستمرار. "لا يعرف الكثير من اصدقائي أن أبي فلسطيني، فلم أعد أحب الوقوف في مواجهة اسئلة زملائي الحائرة، لا اعرف كيف أرد عليها، إنهم يتهمون العرب بأنهم اصحاب مشاكل من دون داع، وأن القضية الفلسطينية هي مجرد ازمة مفتعلة، يتسبب فيها"ارهابيون"... حاولت من خلال ما حكاه لي أبي أن ادافع وأرد، ولكنهم كانوا يسخرون مني، ويواجهونني بتقارير إعلامية مفادها أن الفلسطينيين أرهابيون وكل ذلك الكلام الذي مللت سماعه. ويقولون لي هل كل هذه التقارير خطأ وانت فقط على صواب؟ فأسكت. وعندما قررت الابتعاد عن الزملاء شعرت بالكآبة، ولم أتغلب عليها إلا عندما غيرت مدرستي، وقررت أن اخفي أصلي الفلسطيني، وعلى اقصى تقدير أقول ان ابي من اصل عربي، لأسد الباب امام تلك الأسئلة السخيفة". هذا ما قالته سارة 22 سنة قبل عام تحديداً من الآن، وهي تحضر أولى ساعات دورة فريدة من نوعها في سويسرا، متخصصة في علاج هذه المشكلة:"كيف نرد على الاتهامات التي يوجهها الإعلام الغربي ضد العرب، وتحديدا القضية الفلسطينية"؟ كانت سارة متوجسة وهي تتحدث، لم تكن تعرف إن كانت الدورة جادة أم أنها مجرد انشاء وكلمات جوفاء، وسمعت الشباب يومها يتهامسون:"لو اصبحت الدروس مملة فسنحولها إلى ندوة مفتوحة، إدوارد رجل مثقف، وسمية أديبة معروفة، ويمكن أن نحول دفة الحديث إلى حيثما نريد، وسنستفيد منهما على أي حال". اليوم وبعد مرور سنة على إطلاق المشروع، بدت سارة شخصاً مختلفاً. حديثها مليء بالثقة، لا تتردد في الإجابات أو حتى طرح الأسئلة، اختفت من صوتها نبرة القلق والتوتر والتردد. والانطباع نفسه يتركه جمال وفراس ومجد وماري ورانيا وأمل وغيرهم من الشباب الذين امتلأت بهم القاعة. وبدلاً من التفكير في"كيف يقطعون الوقت إن اصبح مملاً"، راحوا يرتبون أوراق الحوار، ويدرسون طرح الاسئلة وترتيب الحديث. وقال جمال:"لم اكن أتوقع أن أبقى في هذه الدورات مدة سنة كاملة، لكنني لاحظت أنني استفيد، عرفت كيف ارتب افكاري، وكيف افهم محاوري وهل كان مهتماً بالمعرفة أم أنه متشبث برأيه". والدورة ليست مجرد محاضرة يلقي فيها البروفيسور ادوارد أو الدكتورة سمية درساً في أدب الحوار والإنصات، بل هي تجربة عملية. يختارون موضوعاً معيناً، مثل"لماذا يتشبث الفلسطينيون بحق العودة؟"أو"الفرق بين المقاومة والإرهاب"ويتقمص أحد المشاركين شخصية المواطن السويسري الذي لا يفهم اصرار الفلسطينيين على هذا الحق، ويدخل في نقاش مع شاب فلسطيني. ويتابع الجميع المناقشة، وعند ظهور نقطة الضعف أي التي لا يتمكن الشاب الفلسطيني من استكمال النقاش بسببها، لافتقاره إلى المعلومة أو إلى الأسلوب، يتدخل ادوارد أو سمية بالنصيحة والرأي، ويعيدان الحوار مرة اخرى ويطرحان عناصر جديدة للرد. ويشير الشباب المشاركون إلى أن أهم شروط نجاح الحوار مع الغرب تتركز في نقاط عدة أولها استخدام اللغة الهادئة فهي التي تشجع الطرف الآخر على الاستماع إليك، وثانيها استخدام بنود من القانون الدولي أو قرارات المنظمات الدولية، أو تقارير المنظمات الدولية غير الحكومية والإنسانية في الحوار، لأن المواطن الغربي يحترمها ويثق فيها أيضاً، وثالثها الحرص على عدم شتم الآخرين أو تعميم التهم أو الحض على كراهيتهم. فالمواطن الغربي مثلاً لا يحب أن يسمع مقولات تحض على كراهية اليهود، ولكنه لا ينزعج إذا انتقدت اليمين الإسرائيلي أو التيارات المتطرفة أو انتقدت الجيش كآلة عسكرية مدمرة. ويستمع إليك محاورك إذا أشرت في حديثك معه إلى الانتقادات التي تثيرها جماعات السلام الإسرائيلية على اعتبار أنها صوت ناقد من داخل اسرائيل نفسها، أو ان تشير إلى رأي خبير قانوني دولي في قضية مثل الجدار العازل أو غيرها من القضايا. القاسم المشترك بين الشباب الذين حرصوا على حضور تلك الدورة والمواظبة عليها، هو قناعتهم بأنهم أصحاب قضية وليس عليهم سوى أن يتعلموا كيف يرتبون افكارهم ويقدمونها للآخرين، وهو ما نجح فيه إلى الآن إدوارد بدين وسمية فرحات، بجهود متواضعة وبسيطة للغاية، لا يصدق أحد أنها أتت بهذه النتيجة الإيجابية. وقبل أن ينتهي اليوم الدراسي الحافل قال أحد الشباب الذين أتوا إلى برن من كل مناطق سويسرا:"بهذه الجهود الذاتية البسيطة حققنا نجاحاً، فما بالك لو عندنا مركز ثقافي عربي محترم يخدم قضايانا في شكل جيّد يتناسب مع قيمة ثقافتنا وحضارتنا؟".