أعلن رئيس مجلس إدارة شركة الكهرباء التونسية عثمان بن عرفة، أن تونس ستباشر بناء أول محطة كهرونووية، على ان تكون جاهزة في العام 2020، مُتوقعاً أن تؤمن بين 15 و20 في المئة من الإنتاج الإجمالي للطاقة في البلد. كذلك أعلن المغرب عن تدشين مفاعل نووي من نوع "تريغا 2"، لأغراض سلمية"في غضون أسابيع". فيما سبقت الجزائر الجميع بالتوقيع على اتفاق مع الصين منذ 1983 لإنشاء مفاعل"السلام". وتعزز الاتجاه نحو استخدام الطاقة النووية بعد شراء مفاعل"نور"للأبحاث العلمية من الأرجنتين في 1989. وتعكس هذه التطورات، معطوفة على التجربة الليبية التي خطت خطوات كبيرة في المجال النووي، قبل التخلي عنها في أجواء المصالحة مع أميركا، الاعتماد المتزايد على الطاقة النووية بوصفها مصدراً أقل تلويثاً للبيئة من المحروقات التقليدية. وافقت الوكالة الدولية للطاقة الذرية على مشروع تونسي لإنشاء محطة مزدوجة لتوليد الكهرباء وتحلية المياه، تعمل بالطاقة النووية في منطقة غنوش، الواقعة في خليج قابس جنوب. وتُقدر طاقة المحطة ب900 ميغاوات، ويُؤمل أن تُؤمن بعد بنائها بين 15 و20 في المئة من الإنتاج المحلي الإجمالي للطاقة. وعزا بن عرفة في لقاء مع الصحافيين أخيراً، اللجوء الى الطاقة النووية إلى انعكاسات ارتفاع أسعار النفط في الأسواق العالمية على موازنة الدولة، إذ أن زيادة دولار واحد فوق ال 45 دولاراً لبرميل النفط كلفت البلد أكثر من 11 مليون دولار. ودفعت مضاعفة السعر ثلاث مرات، خلال السنوات الأربع الماضية بما فيها السنة الجارية، السلطات الى وضع"خطة استراتيجية"، ترمي إلى ترشيد استهلاك الطاقة، وتطوير استخدام الطاقات المتجددة والبديلة، مثل الطاقة النووية والرياح والطاقة الشمسية. ويستغرق إعداد الدراسات اللازمة لإنشاء المحطة النووية الجديدة أربع سنوات، أما أعمال البناء فتستغرق سبع سنوات، فيما يُتوقع أن تستمر المحطة في العمل على مدى 80 سنة. وشكلت الكلفة الزهيدة نسبياً لإنتاج الطاقة من مولد نووي، أحد العناصر التي شجعت التونسيين على السير في هذا الخيار، إذ أن سعر الكيلووات - ساعة من الطاقة النووية، أقل بنسبة 70 في المئة من استخراج الكهرباء بالطاقة الاحفورية النفط والمحروقات، علما أن الطلب على الطاقة في تونس ينمو بواقع 4 في المئة سنويا،ً أي بحجم 22 بليون كيلووات. وستلبي المحطة حاجات مدن الجنوبالتونسي من الكهرباء والماء الصالح للشرب مطلع العام 2020. وأظهرت دراسة جدوى أعدها باحثون في"المركز الوطني للعلوم والتكنولوجيا النووية"، بالتعاون مع وكالة الطاقة الذرية الفرنسية، أن الطاقة النووية هي القادرة على تأمين الكهرباء والماء بأسعار زهيدة نسبياً، قياساً على الكلفة المرتفعة للطاقة الأحفورية. وتواجه تونس عجزاً سنوياً في ميزان الطاقة يقدر ب689 مليون دينار نحو 530 مليون دولار. وعلى رغم أن تونس تنتج الغاز الطبيعي، فإنها تتوقع عجزاً في هذا المجال اعتباراً من 2015، ولن تكفي الرسوم العينية التي يتقاضاها التونسيون لقاء عبور أنبوب الغاز الجزائري - الإيطالي في أراضي بلدهم لسد العجز، ما يجعل الطاقة النووية الخيار الوحيد المتاح أمامهم. وأكد وزير البحث العلمي التونسي طيب الحضري، أن المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي رحّب بالمشروع التونسي الخاص بإقامة مولد نووي لإنتاج الطاقة الكهربائية في جنوب البلاد. وفي سياق متصل، اقتنى"المركز الوطني للعلوم والتكنولوجيا النووية"التونسي العام الماضي، بالتعاون مع قطر وفرنسا، مُولداً إليكترونياً accژlژrateur ژlectronique قيمته خمسة ملايين دولار، يُستخدم حالياً في التطبيقات التنموية والصناعية، وبخاصة في معالجة المواد الغذائية وتعقيمها، كما يساهم بنقل التكنولوجيا الحديثة، وتكوين الكوادر والخبرات البحثية في هذا المجال، مع تأمين خدمات تكنولوجية متطورة لأصحاب المؤسسات الاقتصادية، وهو الوحيد في نوعه في شمال أفريقيا. وأطلق"المركز الوطني للعلوم والتكنولوجيا النووية"ورشات بحثية وندوات علمية متخصصة حول موضوع"الاستخدامات والتطبيقات السلمية للتكنولوجيا النووية"، إضافة إلى خطة لتكوين كفاءات تونسية في مجالي العلوم والتكنولوجيا النووية. وعرفت تونس في الستينات أول مركز للعلوم النووية في شمال أفريقيا، أسسه العالم النووي الدكتور بشير التركي، إلا أن خلافات مع مسؤولين حكوميين حالت دون استمرار المركز. ويعتزم التونسيون تنمية استخدام الطاقة النووية للأهداف السلمية، وبخاصة الطب والزراعة وحماية البيئة والموارد المائية، ويتولى"المركز الوطني للعلوم والتكنولوجيا النووية"، إدارة المشاريع التي تُنفذ في هذه القطاعات. مفاعل مغربي سلمي ويستعد المغرب لتدشين مفاعل نووي من نوع"تريغا 2"، لأغراض سلمية"في غضون أسابيع"، مشدداً التزامه اتفاقات الحد من انتشار الأسلحة النووية. وأكد مندوبه الدائم لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا، السفير عمر زنيبر أمام مجلس حكام الوكالة، أن النقاش حول مخاطر الانتشار المرتبطة بالسلامة والأمن،"لا يجب أن يحجب المساهمة الكبرى للطاقة النووية في مجالات حيوية". واعتبر إخضاع المنشآت النووية في الشرق الأوسط لضمانات الوكالة الدولية، ومراقبتها"إجراء رئيسياً لإرساء الثقة". وأوضح أن المغرب مستعد لاستضافة دورات تدريب دولية لتنفيذ المخططات النووية ذات الأغراض السلمية، لكنه حض في الوقت نفسه على تعزيز اتفاق الحماية النووية في ضوء المخاطر المتزايدة للإرهاب النووي. مفاعلا "السلام" و"نور" في الجزائر وأقامت الجزائر عام 1993 أول مفاعل نووي في المغرب العربي، بالتعاون مع الصين، وبدعم من الوكالة الدولية للطاقة الذرية. واعتبر وزير الخارجية الجزائري آنذاك محمد صالح الدمبري في رسالة إلى المدير العام للوكالة، بمناسبة اكتمال بناء المفاعل، أن الأمر يتعلق بحدث استثنائي على صعيد التعاون بين بلده والصين،"الذي أتاح لبلد نام الحصول على أحد المصادر اللازمة للتنمية"، مؤكداً أنه"لا يمكن الفصل بين مفهومي الأمن والتنمية". كذلك أثنى على"المساعدة الدائمة"التي لقيتها الجزائر من الوكالة الدولية،"ما أظهر إصرار البلدان النامية على العمل معاً للقضاء على ما ينشأ عن سباق التسلح، من عدم مساواة وغياب عدل، وقلة استقرار ونزاعات". وشدد على أن العلاقات بين الجزائر والوكالة الدولية اتسمت بالوضوح والصراحة والشفافية، مجدداً التزام بلده استثمار مفاعل"السلام"، للاستفادة من الميزات التكنولوجية، التي يُتيحها استخدام الطاقة النووية لأهداف سلمية، وتعهدها احترام الاتفاق الدولي لمنع انتشار الأسلحة النووية. ووقعت الجزائر في تلك الفترة، على اتفاقين مع الوكالة الدولية، لصيانة مفاعلي"السلام"و"نور". ويعمل المفاعل الأول، الذي تبلغ طاقته 15 ميغاوات بالمياه الثقيلة، وبدأ إنتاجه رسمياً في كانون الأول ديسمبر 1993، واعتمد الجزائريون في بنائه على التكنولوجيا الصينية بموجب اتفاق توصل اليه البلدان في 1983. وشمل الاتفاق إنشاء مجمع نووي في منطقة بيرين، وإقامة مختبر للخلايا الساخنة ومختبرات فرعية أخرى. أما المرحلة الثانية من المشروع فتعلقت بإنشاء التجهيزات التي تمهد لإنتاج مادة البلوتونيوم. وركزت المرحلة الثالثة والأخيرة، على إنتاج تلك المادة اعتماداً على الوقود النووي، وتوصلت الجزائروالصين إلى اتفاق بهذا المعنى عام 1997. لكن الأرجنتين التي دخلت على الخط، اعتباراً من الثمانينات، باعت الجزائر مفاعل"نور"، الذي يُستخدم في إجراء الأبحاث العلمية. وتعتبر التجربة الليبية في هذا المجال الأكثر إثارة للجدل، كونها لم تُركز على مفاعلات الأبحاث العلمية، وإنما اهتمت في الدرجة الأولى بالأهداف العسكرية. وبعد سبع سنوات من إخضاعها لعقوبات دولية، قبلت ليبيا التخلي عن أسلحتها غير التقليدية وشحنت معظمها إلى أميركا، في مقابل تطبيع العلاقات الثنائية.