انطلاق النسخة الثالثة لمنتدى صندوق الاستثمارات والقطاع الخاص في الرياض    "البيئة" توقع مذكرة تفاهم لتعزيز استخدام الذكاء الاصطناعي    استشهاد فلسطيني في قصف إسرائيلي على رفح.. واعتقال 70 فلسطينيًا في الخليل    تراجع أسعار الذهب بعد تصريحات جيروم باول    حكومة لبنان: بيان وزاري يُسقط «ثلاثية حزب الله»    منصة "حوار في العمق" تناقش التحولات الإعلامية واستراتيجيات التطوير    «اليونسكو» تستشهد ب«سدايا» نموذجاً عالمياً في دمج البيانات والذكاء الاصطناعي    «أرسين فينغر» يطلع على استراتيجية المنتخبات والإدارة الفنية    ليث نائباً لرئيس الاتحاد العربي لكمال الأجسام    الكناني يدشّن مهرجان «نواتج التعلم» في متوسطة الأمير فيصل بن فهد بجدة    السعودية تتسلّم رئاسة الشبكة العالمية لسلطات إنفاذ قانون مكافحة الفساد    المملكة تتصدر وتحقق قفزات عالمية في مؤشر تطور الحكومة الإلكترونية    الصيد.. تجربة متكاملة    مملكة الأمن والأمان    المملكة تواصل جهودها الإنسانية عالميًا عبر «الملك سلمان للإغاثة»    الدول العربية تبلغ واشنطن رفض خطة ترمب لغزة    بعد البشر والحجر.. الاحتلال يستهدف «المكتبات الفلسطينية»    أشاد بمواقف القيادة السعودية التاريخية والثابتة.. أحمد أبو الغيط: لا تنازل عن الأراضي الفلسطينية    متسابقة «مبتورة الأطراف» في أصعب برنامج مغامرات    سلمان بن سلطان: القيادة تولي اهتمامًا بتنمية المحافظات    أمير القصيم يكرم 27 يتيمًا حافظًا للقرآن    القيادة تهنئ الرئيس الإيراني بذكرى اليوم الوطني لبلاده    نيابة عن خادم الحرمين.. ولي العهد يرعى الحفل الختامي لمهرجان الملك عبدالعزيز للإبل    «ريمونتادا» مثيرة تقود ريال مدريد لكسر عقدة مانشستر سيتي بفوز تاريخي    شعرت بالاستياء لرحيل نيمار.. جيسوس: إمكانات" صلاح" تناسب الهلال.. ورونالدو فخر للبرتغاليين    "بونهور" مديراً فنياً لاتحاد كرة القاعدة والكرة الناعمة    نيابة عن ولي العهد.. وزير الخارجية يترأس وفد المملكة في الافتتاح.. «قمة باريس» تناقش الاستفادة من الذكاء الاصطناعي لخدمة البشرية    مجلس الوزراء برئاسة ولي العهد يؤكد : رفض قاطع لتصريحات إسرائيل المتطرفة بتهجير الفلسطينيين    مناقشة سبل مكافحة الأطفال المتسولين    إزالة «العقارات العشوائية» بمكة ينشط أسواق المستعمل والسكراب    قرد يقطع الكهرباء عن بلد بالكامل    من أعلام جازان.. المهندس يحيى جابر محسن غزواني    انطلاق فعاليات الاحتفاء بيوم التأسيس بتعليم جازان تحت شعار "يوم بدينا"    "ليب 2025" في يومه الثالث... نقاشات موسعة حول الابتكار والاستدامة الرقمية    "التعزيز والإبداع في القصة القصيرة" و"ليلة العباس والمطمي" ضمن فعاليات معرض جازان للكتاب ٢٠٢٥م    فنانة مصرية تتعرض لحادث سير مروع في تايلاند    توثيق تطور الصناعة السعودية    الساعاتي..عاشق الكتب والمكتبات    رأس اجتماع لجنة الحج والزيارة بالمنطقة.. أمير المدينة: رفع مستوى الجاهزية لراحة المصلين في المسجد النبوي    أمير منطقة المدينة المنورة يرأس اجتماع لجنة الحج والزيارة بالمنطقة    أمريكية تفقد بصرها بسبب «تيك توك»    «حملة أمل» السعودية تعيد السمع ل 500 طفل سوري    بعض نقاط التمييز بين اضطرابات الشخصية    تعال.. فقد عشنا من الأزل    بصراحة مع وزير التعليم !    صندوق الاستثمارات العامة شريكاً رسمياً لبطولة السعودية الدولية للسيدات للجولف    أول رحالة يعبر الأطلسي بقارب تجديف    «المحتوى الشبكي».. من التفاعلية إلى الاستقطاب!    ما بعد الإنسانية    أوغندا تسجل إصابات بإيبولا    الاستحمام البارد يساعد على النوم    القشطة والفطائر على وجبات الإفطار بالمسجد النبوي    توجّه لعقد اجتماع وزاري طارئ لمنظمة التعاون الإسلامي    القيادة تعزّي رئيس ناميبيا في وفاة مؤسس الجمهورية    زار" خيبر" واستقبل المواطنين.. أمير المدينة: القيادة مهتمة بتنمية المحافظات والارتقاء بمستوى الخدمات    رئيس الوزراء الصومالي يزور حي حراء الثقافي بمكة    الإنسان قوام التنمية    "مفوض الإفتاء بعسير": يستقبل آل جابر المُعين حديثًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خطاب "وطني" في مواجهة حقوق الانسان
نشر في الحياة يوم 01 - 12 - 2006

قفز موضوع حقوق الإنسان الى قمة جدول أعمال العالم بعد نهاية الحرب الباردة، وكان يتوقع له أن يشكل منصة انطلاق لاستكشاف كون جديد وحضارة عالمية جديدة وإنسانية حقاً، لكن عقبات كثيرة حالت دون ذلك، منها ما هو عالمي يتعلق بالقوى الدولية والتوازنات السياسية والمصالح الاقتصادية، ومنها ما يتعلق بالثقافات السائدة وطبيعة الأنظمة الحاكمة في دول العالم المختلفة.
ولعل نمط الحكم القائم والثقافة السياسية السائدة يعتبران العاملين الرئيسين في تدهور أوضاع حقوق الإنسان وتعثر التحول الديموقراطي في المنطقة العربية. أما المعيار الأساس في تقويم نظام الحكم والثقافة السائدة من منظور حقوق الانسان فهو معيار الحرية. وإذا كان العالم عبّر عن حقوق الإنسان في صيغة وثائق وقوانين ومواد قانونية، إلا أنها في الأصل تقوم على خيار ورأي ومبدأ فلسفي أولي هو الحرية التي تعتبر أكثر المبادئ شمولاً، والأصل الذي تتفرع عنه بقية الحقوق.
هذا الأمر يطرح الكثير من الهموم والمهمات، لا سيما تلك التي تتطلب تنقية ثقافة النخب والتيارات الفكرية السياسية المختلفة، القومية والإسلامية والماركسية والليبرالية، من العناصر والآليات النافية أو الطاردة لمبادئ حقوق الانسان والقيم الديموقراطية، وإعادة صوغ الخطاب السياسي والايديولوجي بما يتوافق مع تلك المبادئ والقيم.
في ظل الأوضاع المتردية لحقوق الانسان، ومع انسداد آفاق التغيير الديموقراطي، وفي هذه اللحظة السياسية الدقيقة، يعتمد الخطاب السياسي في مواجهة الضغوط والتهديدات الخارجية، على العناصر القادرة على التعبئة والتجييش، وظاهره موجه ضد الخارج الطامع، لكن مآله لا يؤدي إلا الى المزيد من تدهور حقوق الانسان في الداخل. فهو، أي"الخطاب الوطني"، من ناحية أولى يؤدي الى تشوه الثقافة السياسية والثقافة الشعبية على حد سواء، لأنه يجعل المهمة الأعلى والمقدسة الانتصار على الخصم والانفلات من التهديد الخارجي، الأمر الذي يعني ضمن منطوقه"الوطني"إلقاء مهمات إعادة البناء الداخلي، وما يرتبط به من استحقاقات كحقوق الانسان والديموقراطية الى الهامش. وتحت شعار"الوطن في خطر"يصبح المطلوب"تكاتف جهود الجميع"، وتجميع الطاقات من أجل درء الخطر الخارجي.
"الخطاب الوطني"الدارج من جهة ثانية يزيد من العقبات الواقفة أمام نشر ثقافة حقوق الانسان والقيم الديموقراطية، لأنه يدعم، في شكل مباشر أو غير مباشر، الرؤى التقليدية التي تنظر الى هذه الثقافة وتلك القيم باعتبارها وسيلة لاختراق مجتمعاتنا، أو على الأقل تأجيلها لمصلحة التعبئة والتجييش الضروريين لمعركة النصر ضد اسرائيل وأميركا والغرب.
من جهة ثالثة يؤدي هذا الخطاب الى تثبيت رؤية محددة للسيادة الوطنية، وهي التي تساوي بين المصلحة الوطنية ومصلحة النظام السياسي القائم، والتي تعني عملياً استمرار العمل بالأحكام العرفية وقطع الطريق على الحريات وإلحاق الإعلام ومؤسسات الدولة بها.
وتؤكد تجارب الماضي أن هذا الخطاب لم يحافظ على الوطن وعلى ابنائه، بل انه يزيد الأمور سوءاً وينتج الكوارث باستمرار، خصوصاً عندما يطرح طريقاً للمقاومة من دون مقومات، أي من دون بشر معافين وكاملي الحقوق الانسانية. ان التضحية بحقوق الانسان والديموقراطية على قربان"الوطن في خطر" والذي لا يتساوق مع برنامج واضح لحقوق الانسان والعمل الديموقراطي، هي التي قادت الى هذه الحال من التشوهات في الانتماء الوطني، وإلى هذا الوضع من الضعف والقصور الوطنيين إزاء التهديدات الخارجية.
القضية المركزية والمهمة الحارة هي إعادة البناء الداخلي على أسس الديموقراطية وحقوق الانسان، وهذا ليس إنكاراً لمشروعية وضرورة إزالة الظلم الواقع علينا من قبل القوى الخارجية، لكننا ندرك هذه المهمة من منظور حقوق الانسان والديموقراطية على اعتبار ان انجازها رهن بتحديث المجتمع والسياسة والثقافة، أكثر مما هي مرهونة بالوسائل العسكرية والتعبوية والتحشيد واستغلال العواطف الوطنية.
وإذا لم يكن هدف الأفكار والقضايا الكبرى الوطن، السيادة الوطنية، المقاومة... سعادة الإنسان، فما قيمتها إذاً؟ المفهوم الجديد للسيادة الوطنية يتحدد بمدى احترام حقوق الانسان، فهي الأساس ليشعر المجتمع برمته بأن الدولة دولته، وأن الوطن وطنه. الوطن وحقوق الانسان لا يجدان تعبيرهما الحقيقي إلا في الدولة الوطنية، فهي المرجع والأساس لأنها دولة الكل الاجتماعي، ودولة الدستور الديموقراطي ودولة القانون واستقلال القضاء وصيانة الحقوق والحريات.
هذه اللحظة السياسية تطرح على ناشطي حقوق الانسان ضرورة بناء أعمدة الارتكاز النظري التي تمنح مشروع حقوق الانسان أرضيته الفكرية الصلبة، القادرة على تحصين رؤيته الجديدة للعالم والمجتمع والإنسان، ولتشكل حقوق الإنسان قلب المشروع، كما تطرح إعادة بناء مفهوم"الوطن والوطنية"من منظور ثقافة حقوق الانسان، وبالارتكاز الى سعادة الانسان كهدف أسمى.
هذا يعني، أولاً وقبل كل شيء، المساهمة في عملية الاستيعاب التاريخي والنقدي لرؤية جديدة للإنسان والطبيعة والمجتمع والتاريخ، وهي الرؤية المحايثة لبنود مواثيق حقوق الانسان. لذا هناك ضرورة لربط العمل في ميدان حقوق الانسان بالعمل الفكري الرامي الى دعم المنظور الحداثي للإنسان والطبيعة والتاريخ والثقافة والسياسة، ومن دون هذا الربط والوعي بالتلازم الفعلي الحاصل بين المبادئ ذات الصبغة القانونية في مجال حقوق الانسان ومرجعيتها النظرية الحداثية والتاريخية سنظل نمارس عمليات الخلط الفكري والتشوه المعرفي وتركيب المفارقات على صعيد الممارسة، كتصدير"خطاب وطني"لا يعير انتباهاً لحقوق المواطن، وحشد البشر للدفاع عن الوطن المجسد في حالة محددة، في وقت يجري منعهم من التظاهر من أجل القضايا التي تتعلق بحريتهم وحياتهم وحقوقهم.
إن معركة تبيئة مبادئ حقوق الانسان والقيم الديموقراطية في ثقافتنا تحتاج فعلاً الى معارك سياسية محددة في قضايا واقعية، لكنها تحتاج أيضاً وبالحدة والقوة ذاتها الى معركة الدفاع عن الحداثة في فكرنا المعاصر، وضرورة القيام بجهود فكرية تنويرية تساهم في إعداد الأرضية الملائمة لانغراس مبادئ حقوق الانسان في فضائنا الفكري والسياسي في شكل أفضل.
كاتب سوري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.