استأثر موضوع المجموعة المسلحة ذات الميول التكفيرية في مخيمي نهري البارد والبداوي للاجئين الفلسطينيين شمال لبنان، والتي باشرت مديرية المخابرات في الجيش اللبناني التحقيق مع اثنين منها، باهتمام الأوساط السياسية والرسمية اللبنانية، وقيادات الفصائل الفلسطينية قاطبة، بعد تسرب معلومات عن هذه التحقيقات تفيد ان هؤلاء تسللوا بالعشرات الى لبنان عبر سورية، وبتسهيل من السلطات فيها، ما دفع المسؤولين اللبنانيين والفلسطينيين الى التنسيق لتدارك احتمال تحوّل هذه المجموعة الى غطاء لأعمال أمنية تمسّ الاستقرار في لبنان وسط أجواء الاحتقان السائدة بفعل الأزمة السياسية المتفاقمة التي يعيشها والتي بلغت ذروة لم يسبق لها مثيل. وفيما استمر قادة المعارضة اللبنانية، ولا سيما العماد ميشال عون وقيادة"حزب الله"في تأكيد نية النزول الى الشارع، وأن ساعة الصفر حُددت لإسقاط حكومة الرئيس فؤاد السنيورة بسبب انسداد أفق المخارج من الأزمة السياسية، تصاعدت الدعوات المضادة لهذه الخطوة بقوة أمس محذّرة من التظاهر في الشارع، وخصوصاً من مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني الذي اعتبر ان النزول الى الشارع"ليس بريئاً ولا يتّسم بأي حكمة"، فيما حذّر السفير السعودي في بيروت عبدالعزيز خوجة الذي عاد أمس من الرياض بعد مشاورات مع قيادة المملكة كان الوضع اللبناني أحد أهمها، من النزول الى الشارع، بعد لقائه المفتي قباني. وكان رئيس الحكومة السابق الدكتور سليم الحص تمنى عدم الاحتكام الى الشارع، بعد موقف مشابه لعدد من القيادات السنّية المعارضة للحكومة، اضافة الى اعلان النائب السابق تمام سلام عدم تحبيذه هذا الخيار. وفيما أعلن تلفزيون"المنار"الناطق باسم"حزب الله"في نشرته ليلاً، ان"الجهود الحوارية أقفلت وختمت بالشمع الأحمر"، نقل زوار رئيس المجلس النيابي نبيه بري عنه قوله ان"هامش التفاوض اصبح ضيقاً حول حصول المعارضة على الثلث المعطل في الحكومة، وبتنا قريبين من ساعة الصفر الا ان العودة الى التشاور ليست مستحيلة". وعلى صعيد المجموعة التكفيرية التي ظهرت في مخيمي اللاجئين الفلسطينيين في الشمال، أوضحت مصادر التحقيق مع الموقوفين منها، وهما حسام محمد الصيام المعروف ب"أبو محمد السوري"وهو سوري الجنسية، ومحمد صالح سالم سعودي الجنسية، أنهما أدليا باعترافات منها أنهما يحملان جوازي سفر سوريين وأنهما جاءا من دمشق الى مخيم البداوي خلال الحرب الإسرائيلية على لبنان في تموز يوليو الماضي. وروى قيادي فلسطيني من مخيم نهر البارد ل"الحياة"ان عدد هؤلاء الذين وفدوا الى لبنان بلغ 60 بين و70 عنصراً في المرحلة الأولى تحت عباءة تنظيم"فتح - الانتفاضة"المنشق منذ الثمانينات عن حركة"فتح"، والحليف لدمشق. وروى المصدر الفلسطيني الذي فضّل عدم ذكر اسمه ان سكان المخيم لاحظوا توافد شباب غرباء عنهم خلال حرب تموز الى مكاتب"فتح - الانتفاضة"، ولم يحتكوا بأحد، وأثار الوافدون الجدد الريبة بين السكان وبقية الفصائل الفلسطينية خصوصاً ان حاجزي الجيش اللبناني المتمركزين عند مدخلي المخيم سمحا لهم بالدخول لأنهم حظوا بغطاء داخلي هو تنظيم"فتح - الانتفاضة". وعندما كان يسأل عنهم يقال إنهم"من الداخل"أي من فلسطينيي الضفة الذين جاءوا للتدرب. لكن ما أثار حيرة أهل المخيم الذين اعتادوا رؤية مسلحين وشباب يخضعون لتدريبات"أن أحداً من الذين ألفوا وجودهم لا يتدرب بالدشداشة ولا تظهر عليه علامات التشدد الديني". فبحسب المصدر نفسه إن هؤلاء الوافدين كانت لهم خاصية معينة لجهة مظهرهم وتعاملهم مع المحيطين بهم"وهم ذوو ميول سلفية تكفيرية"، ظهرت بوضوح أكثر عند تعاطيهم مع تنظيم"جند الشام"الذي يضم لبنانيين وسوريين وفلسطينيين. وقد دهمت القوة الأمنية المشتركة في المخيم أحد المنازل للسؤال عن افراد المجموعة فاشتبك بعضهم معها، وبعد المداهمة قطع الطريق على القوة المشتركة وهي في طريق العودة بعض المسلحين التابعين ل"فتح - الانتفاضة"ثم دعمهم آخرون على الدراجات النارية. وسقط جريح هو ماهر عبدالهادي بفعل المداهمة وما تلاها من اشتباكات. وحاول تنظيم"فتح - الانتفاضة"تبني القضية ولملمة الموضوع، لكن عندما مات عبدالهادي سحب التنظيم الغطاء عن هؤلاء، وسلم كلاً من السوري صيام وسالم الى مخابرات الجيش اللبناني. وانكفأ تنظيم"فتح - الانتفاضة"الى مخيم البداوي فيما أعلنت المجموعات التي كانت تستظل اسمه عن اسم جديد لها هو"فتح الاسلام". وسيطر هؤلاء على مراكز ل"فتح - الانتفاضة"في مخيم نهر البارد. ومنذ ثلاثة ايام وهي مدة استيلاء التنظيم الجديد على بعض مراكز المخيم، بدأت في الشوارع ظاهرة الملثمين المسلحين ما أثار حفيظة السكان وانزعاجهم. ورفض المصدر المذكور حصر جنسيات افراد التنظيم الجديد بالسوريين او السعوديين قائلاً إنهم"من جنسيات مختلفة". كما أوضح ان المسؤول عنهم"أو أحد المسؤولين، هو شاكر العبسي المعروف بأبو سيف، الذي كان من ضباط"فتح - الانتفاضة"وهو فلسطيني ممن كانوا يسكنون في سورية وكان عقيداً طياراً ممن تدربوا في ليبيا". وعقد مسؤولو الفصائل الفلسطينية في المخيمات الفلسطينية في لبنان اجتماعات متواصلة خلال الايام الماضية. ونقلت وكالة"فرانس برس"عن أمين سر منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان خالد عارف ان عدد عناصر"فتح الاسلام"هو نحو 200 مسلح، بينهم فلسطينيون ولبنانيون ومن جنسيات عربية اخرى، وأنهم انشقوا عن"فتح - الانتفاضة"، مشيراً الى ان بعضهم كان في مخيمات بيروت لكن نقطة الثقل الرئيسة هي في مخيم نهر البارد. وقال احد مسؤولي"حركة فتح الاسلام"في المخيم انها كانت تنسق مع الاستخبارات السورية لارسال مقاتلين الى العراق"لكنهم انفصلوا لاحقاً عنها بعدما بدأت تضيق الخناق عليهم". وقال عارف ل"الحياة"ان هناك تنسيقاً ايجابياً بين الفصائل الفلسطينية كافة لمعالجة هذه الظاهرة. وأوضح مسؤول فلسطيني ل"الحياة"ان اتصالات تجرى على أعلى المستويات في هذا الصدد بعضها مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس نظراً الى الاحتمالات الخطرة لظهور هذه المجموعة. وأدى اكتشاف هذه المجموعة الى دعوة نائب رئيس المجلس النيابي فريد مكاري جامعة الدول العربية ومجلس الأمن الى وضع اليد على ملفها واصفاً اياها باأنها"مجموعة قتلة دفع بها النظام السوري الى لبنان وكلفها بتصفية 36 شخصية لبنانية بحسب اعترافات بعض العناصر التي اعتقلت منها".