قدم الخبير الاقتصادي في"المنتدى الاقتصادي العالمي"ومحرر تقرير"التنافسية العالمية"السنوي أغوستو لوبيز كلاروس، ثمانية دروس تؤدي الى قيام اقتصاد قوي ودولة قادرة، كوّنها بعد زيارته في السنين الثلاث الماضية الى بلدان كثيرة، اجتمع فيها بالمسؤولين الحكوميين وقادة الأعمال لمناقشة نقاط الضعف والقوة في بلدانهم، والعمل على إيجاد بيئة مشجعة لنمو القطاع الخاص. وأشار في دراسة حصلت"الحياة"على نسخة منها الى أسئلة عن العوامل والسياسات والمؤسسات التي تسهم بفاعلية في دعم الإنتاجية، وبالتالي النمو الاقتصادي برزت خلال المناقشات وكذلك أسئلة عن إمكان الحكومات ضمان امتلاك دولها قدرات تنافسية عالية تجعلها حاضرة في الاقتصاد العالمي الذي يزداد تعقيداً يوماً بعد يوم، الى أسئلة أخرى عن إمكان توفير هذه الحكومات ما يكفي من موارد لمحاربة الفقر ورفع مستويات دخل الفرد، وعن أسرار النجاح، وأسباب كون دول معينة أكثر قدرة من غيرها على ضمان مستويات متصاعدة لمعيشة شعوبها. تناول الدرس الأول عجز الموازنات والإنفاق العام، فرأى كلاروس أن السبب الرئيس لعدد من أزمات الأسواق الناشئة في العقد الماضي"تمثل في عدم قدرة الحكومات على إدارة الأموال العامة في شكل مسؤول". وعزا ذلك إما إلى أن"الدولة عاجزة عن تحقيق مستويات كافية من عائدات الضرائب، أو لأن الإنفاق العام خارج عن السيطرة، أو إلى الأمرين معاً". لكنه اعتبر أن مستويات العجز الكبيرة في الموازنات"تضع حداً لمسيرة النمو ورفع مستوى الدين العام، وبالتالي منع الحكومات من إيجاد الموارد الكافية لقطاعات التعليم والصحة العامة والبنية التحتية، وهي قطاعات أساسية لكي تثمر الجهود الرامية إلى تعزيز التنافسية الاقتصادية". إذ أوضح أن"في عصر الأسواق المالية المتكاملة والمستثمرين المحنكين الذي يبحثون عن العائدات الكبيرة في كل مكان، ستعاقب هذه الأسواق أي عدم انضباط مالي بقسوة شديدة، وهي حقيقة أدركتها الأرجنتين وتركيا عام 2001". وركز الدرس الثاني على الضرائب، معتبراً أن"خفضها ليس عصا سحرية، كما أن ليس هناك شواهد تشير الى دور لها في عملية النمو". وأوضح أن في حين ترتفع معدلات الضرائب في عدد من أكثر الأسواق تنافسية في العالم، مثل بلدان الشمال الأوروبي،"نجد أن حكومات هذه الدول أظهرت كفاءة بالغة في استثمار هذه الموارد. ولا شك في أن النمو سيتأثر إيجاباً في حال استثمرت عائدات الضرائب في التعليم والتدريب، وتوافرت بنية تحتية متطورة للاتصالات، أو سلباً في حال وُظفت هذه العائدات في مشاريع غير منتجة، أو الأسوأ من ذلك، في حال سُرقت". كما رأى أن الضمان الاجتماعي الشامل الذي توفره دول الشمال الاوروبي لشعوبها،"لا يشكل شرطاً لازماً لتحقيق النمو، فالأمر يتعلق أكثر بقرار سياسي اتخذ في سياق ديموقراطي فائق التطور". وأكد أهمية"امتلاك الكفاءة اللازمة لاستثمار الموارد. فأداء مؤشر النمو في نيجيريا مثلاً لم يرق إلى التوقعات، على رغم أن عائدات النفط وفرت لها مئات بلايين الدولارات خلال العقود الماضية". أما الدرس الثالث، فاعتبر أن"الفساد أساس المعوقات". وأكد"الإجماع الواسع على أن وجود حكومة شفافة وواضحة، أمر أساسي للتنمية الناجحة، وأنه يحق فقط للحكومات النظيفة المطالبة بالتضحيات، لأن الشعب سيتعامل مع مسؤوليها على أنهم يعملون للمصلحة العامة، ولذا هم جديرون بالدعم". ورأى أن في الدول التي يتفشى فيها الفساد،"يتحول دفع الضرائب إلى ممارسة سيئة، ويجتهد الأفراد والشركات لإيجاد أدهى الأساليب لخداع الحكومة والتهرب من دفع الضرائب. وسيؤدي ذلك في المقابل إلى تقويض قدرة الحكومة على الاستجابة للاحتياجات الاجتماعية المتزايدة وتلبيتها. وعلى سبيل المثال، حققت تشيلي أفضل أداء للنمو في أميركا اللاتينية في السنوات ال 15 الماضية. وبحسب مؤسسة"الشفافية الدولية"، تعد تشيلي السوق الناشئة الأقل فساداً في العالم". وتناول الدرس الرابع النظام القضائي المستقل. فرأى كلاروس أنه يشكل"حافزاً للنمو". واعتبر أن من المهم بالنسبة الى مجتمع الأعمال لدى اللجوء إلى القضاء أن"تصدر القرارات بسرعة وبأقل كلفة ممكنة، وبأسلوب يضمن توافق النتائج مع القوانين". وأوضح أن القضايا التي تبقى في المحاكم لسنوات"تستهلك وقتاً طويلاً وأموالاً كثيرة، وربما تعكس هذه الأحكام في النهاية قوة المعنيين وتأثيرهم. ما يرتب مزيداً من التكاليف على الأعمال، فيضعف القدرات التنافسية للدولة. ففي ألمانيا، قد لا يكون مجتمع الأعمال راضياً عن غياب المرونة في أسواق العمل، إلا أنه يستفيد من النظام القضائي المتطور في الدولة. وفي المقابل، تباع العدالة وتشرى في روسيا وفي دول متطورة كثيرة". أما الدرس الخامس فيتعلق بأعباء الروتين، ويلفت الى"تقرير مزاولة الأعمال 2006"الصادر عن"البنك الدولي"الذي يشير إلى التكاليف الباهظة للروتين والبيروقراطية. كما يستشهد ب"استطلاع آراء المسؤولين التنفيذيين"، الذي أجراه"المنتدى الاقتصادي العالمي"وأكد أن حكومات الدول التي تحتاج إلى ظهور طبقة جديدة من الشركات ورواد الأعمال"هي التي تضع أصعب العراقيل في وجه هذه الطبقة. وتتجلى هذه المشكلة خصوصاً في أميركا اللاتينية، التي تتفشى فيها البيروقراطية. ويكمن التحدي الأكبر بالنسبة الى الحكومات في إيجاد التوازن الدقيق بين الحاجة إلى بعض الأنظمة، كتلك الرامية إلى حماية المستهلك أو الحفاظ على البيئة، وتجنب البيروقراطية المفرطة التي تؤدي إلى إعاقة الاستثمارات ووأد روح الريادة". ويستنتج الدرس السادس أن التعليم"ركيزة أساسية". واعتبر الخبير في"المنتدى الاقتصادي العالمي"أن الاستثمار في قطاع التعليم"يتحول في شكل متزايد إلى حافز أساسي لتعزيز الإنتاجية. ومع توجه الاقتصاد العالمي نحو مزيد من التعقيد، تزداد ضرورة الارتقاء بمستويات تدريب القوى العاملة لضمان تزويدهم بالقدرة على فهم التقنيات الحديثة بسهولة تامة، والاستفادة من الفرص المتاحة في هذا العالم الذي يعيش حالاً من التكامل المتسارع". كما يجد أن العائدات على الاستثمار في التعليم والتدريب"مرتفعة"، وباشرت الحكومات التي اهتمت بقطاع التعليم جني الثمار والفوائد من هذا الاستثمار. وعلى سبيل المثال، تمكنت كوريا، التي لا تملك أي موارد طبيعية وتعاني من جغرافية سياسية صعبة، من أن تصبح قوة صناعية قادرة على المنافسة عالمياً. كما نهضت تايوان لتحتل مكانة مرموقة على صعيد تجهيزات تقنية المعلومات والاتصالات اللازمة للبيئة المكتبية الحديثة". وأوضح أن في الحالتين،"نجد تعاوناً على أعلى المستويات بين مجتمع الأعمال والجامعات، إلى جانب الدعم الحكومي الكبير لقطاع التعليم العالي". وفي الدرس السابع، أولى كلاروس الكومبيوتر والهاتف المتحرك أهمية كونهما يشكلان"محركات جديدة للنمو". وأكد التركيز في شكل أساس على"تمكين الشعوب ومساعدتها، من خلال تبني التقنيات الحديثة، بدءاً من الدخول إلى شبكة الإنترنت وصولاً إلى الهواتف المتحركة". واعتبر أن هناك"علاقة وثيقة بين المكانة الرائدة التي تحتلها الدول على"مؤشر التنافسية العالمية"المنبثق من"المنتدى الاقتصادي العالمي"، ومدى انتشار هذه التقنيات التي تضطلع بدور مهم في تعزيز نمو الإنتاجية". وتوقع أن"فرص زيادة الإنفاق العام في هذه المنطقة كبيرة جداً، خصوصاً أن مستويات الإنفاق على الخطط الدفاعية والاستراتيجيات غير المنتجة لا تزال مرتفعة جداً". أما الدرس الثامن والأخير، فركز على"رفع مستوى المرأة وإعطائها الإمكانات اللازمة". واعتبر كلاروس أن التجربة العملية"أثبتت أن الاستثمارات الأكثر ربحية لأي دولة تكمن في تعليم المرأة، خصوصاً الفتيات. إذ إن تعليم المرأة وتوظيفها ومنحها حقوق الملكية يعزز إمكاناتها ويتيح لها رسم حياتها الخاصة". ورأى أن التعليم"يساعد على تحديد النسل والترحيب بالمواليد الإناث. ويكمن جوهر التنافسية في الاستثمار الجيد للموارد، بما فيها الموارد البشرية". وأكد أن تمكين المرأة من المشاركة العملية في المجالات الاقتصادية والسياسية"سيعود بالفائدة على الإنتاجية والنمو". وخلص الى أن العولمة"ساهمت في تعزيز قدرتنا على التعلم من بعضنا بعضاً، إذ إن التجارب التنموية الناجحة التي شهدتها السنوات ال 40 الماضية موثقة ومعروفة منا الآن. ولكن ما نحتاج اليه غالباً هو الإرادة السياسية والحوكمة الجيدة. وفي حين لا تزال الخيارات متاحة وكثيرة، فإن الحكومات التي تتجه نحو الخيارات الصحيحة تحصد نمواً مستداماً يعود بالفائدة على شعوبها". واعتبر أن في عصر العولمة الذي نعيشه، فإن الدول التي ترسم سياساتها بناء على هذه الدروس هي وحدها التي"ستواصل تقدمها وازدهارها، في الوقت الذي ستكون فيه حركة التنمية بطيئة في بقية الدول".