عن دار العلم للملايين صدر كتاب "اسرار السماوات والارض في القرآن الكريم" ، لمؤلفه علي محمد غصن. وأهداه المؤلف الى روح الشهيد رفيق الحريري. والكتاب حافل بأبحاث مهمة، صدرها الكاتب بمقدمة ومواضيع، منها: ولادة الكون، نظرية الانفجار الكبير، توسع الكون، نسبية الوقت، والنظرية النسبية، موقع النجوم، الثقوب السوداء، النجم الثاقب، الموجات الكونية المتعددة، وصولاً الى نظرية الانسحاق الكبير ونهاية الكون. ففي المقدمة توقف المؤلف عند أهمية النظر والتفكر في خلق السماوات والارض وما بينهما فريضة على كل انسان لأنهما يؤديان الى معرفة اكثر وأعمق بالله تعالى، مشيراً الى دعوة الله عز وجل الى التفكر والتأمل في خلقه، مستشهداً بالعديد من آيات القرآن الكريم التي تدعو الانسان الى التفكر والتأمل في آياته الكونية ومعانيها، ومنها على سبيل المثال قوله تعالى:"وهو الذي مدّ الارض وجعل فيها رواسي وانهاراً ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين يغشي الليل النهار ان في ذلك لآيات لقوم يتفكرون". كما تطرق المؤلف الى موضع الكون الشاسع الواسع الذي لا يرى الانسان له حدواً اثبتت كل البراهين العلمية الحديثة ان له نهاية مثل ما كانت له بداية. والذي كان محط تساؤل الانسان وفضوله منذ آدم عليه السلام. اذ كانت الاسئلة في ذهنه كثيرة وصعبة، مثل: كيف بدأ؟ ومتى؟ وما هو مصيره؟ كل هذه التساؤلات التي راودت عقل الانسان منذ فجر الخليقة شكلت محاور مهمة لمواضيع هذا الكتاب. والذي حاول المؤلف الجواب عنها موضحاً بالكلمة والصورة، مستنداً الى ما توصل اليه علم الفلك الحديث باستخدام احدث تقنيات الوسائل العلمية المتطورة من المناظر وأجهزة الرصد الفلكية على اختلاف انواعها. ومن مركبات الفضاء التي ارسلها الانسان منذ منتصف القرن الماضي لسبر اغوار الفضاء، الى ان يتوقف المؤلف عند الاستنتاجات العلمية التي يرى بأنها تتطابق مع الآيات القرآنية ذات الصلة بعلم الفلك. وتساءل من خلال بعض الآيات التي أوردها في الكتاب عن احدث النظريات التي تقرها الغالبية العظمى من علماء الفلك عن ولادة الكون، وما مدى تطابقها مع قوله تعالى:"أولم يرى الذين كفروا ان السماوات والارض كانتا رتقاً ففتقناهما"وتفسير قوله تعالى:"وان يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون"وما علاقة ذلك بالنظرية النسبية المشهورة؟ متنقلاً في تساؤله عن النجوم التي نراها في السماء، ولماذا اقسم الله تعالى بمواقعها ووصف قسمه بها بأنه عظيم حين قال في سورة الواقعة:"فلا أقسم بمواقع النجوم وانه لقسم لو تعلمون عظيم". ثم تتطرق الى الثقوب السوداء التي حيرت العلماء، والى الفارق بين ضوء الشمس ونور القمر بدليل قوله تعالى:"هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا"، كما أشار الى ما هو المقصود من قوله تعالى:"يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل"وما هي حقيقة تلك المشارق والمغارب التي اقسم الباري تعالى بها حيث قال في سورة المعارج:"فلا أقسم برب المشارق والمغارب". وما هي الميزة أو الميزات التي خص بها الله تعالى الارض دون بقية الكواكب السيارة الاخرى. اذ يخبرنا تعالى بأنه جعل غلافها الجوي سقفاً محفوظاً. فما هي المخاطر التي تتهدد الارض التي يحفظها الله منها؟ كل هذه التساؤلات التي يطرحها المؤلف نجد لها في كتابه أجوبة الى جانب غيرها من الاسئلة. كما ان ما شده اثناء بحثه في الآيات القرآنية الكريمة هو معجرة الرقم 7 في مخلوقات الله، اذ لاحظ ان الله تعالى قد ذكر سبع سموات في سبع آيات في سبع سور. كما لاحظ ان الذرة وهي لبنة الكون مؤلفة من سبعة مستويات للطاقة. وان الغلاف الجوي للارض وطبقات الارض الجوفية كل منهما مؤلف من سبع سماوات. كما ان هناك سبعة كواكب سيارة في النظام الشمسي عدا الارض كونه بلوتو لا يعتبر كوكباً كما تشير اقوى النظريات الحديثة. وان الشمس وكل النجوم توجد لكل منها سبع سماوات. وان القمر يمر بسبعة اطوار. والكثير من خلق الله له علاقة بالرقم 7. يقودنا ذلك الى التوقف عند نقطة مهمة اوردها مؤلف الكتاب، اذ انه لم يكتفي فقط بالشرح العلمي للآيات الكونية التي تطرق اليها، ولكنه استعان بالتفسير الديني لتلك الآيات بحيث تبين له بأن لا يوجد أي تناقض بين ما توصل اليه العلم الحديث وما يقوله علماء الدين في تفسيرهم للآيات القرآنية الكريمة. ولا يتسع المجال في هذه المداخلة لاستعراض كل المواضيع التي تطرق اليها الكاتب، الا ان ذلك لا يمنعنا من التوقف عند إحدى النقاط المهمة التي اشار اليها وهي موضوع حركة الجبال مستهلاً الحديث عنها بقوله تعالى:"وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي اتقن كل شيء انه خبير بما تفعلون"فهذه الآية تخبرنا ان الجبال ليست ثابتة بل هي متحركة مثلها في ذلك مثال السحاب الذي نراه فوقنا في حركة دائمة، وحركة الجبال هذه تعود الى حركة الارض التي تتواجد عليها، بحيث ان قشرة الارض تطفو فوق طبقة الوشاح ذات الكثافة العالية. وهنا يشير المؤلف الى ما اورده عالم الجويولوجيا الالماني ألفرد واغنر في بداية القرن العشرين ان قارات الارض السبع كانت يوماً ما رتقاً متلاصقة عند بداية تكونها ثم انجرفت بعد ذلك في اتجاهات مختلفة بفعل العوامل الطبيعية وبسبب تحركها الدائم. والغريب في الامر ان علماء الجويولوجيا لم يأخذوا كلام واغنر محمل الجد الا بعد خمسين سنة، وتحديداً في بداية الثمانينات من القرن الماضي حين تحققوا علمياً مما قال. والذي اشار اليه واغنر في مقالة نشرت له عام 1915 ان الكتل الارضية القارات السبع كانت مجتمعة مع بعضها البعض قبل 500 مليون سنة. وهذه الكتل الرئيسة هي الارض والتي سميت البانجيا كانت متواجدة في القطب الجنوبي. وقبل 180 مليون سنة انقسمت البانجيا الى قسمين انحرافاً باتجاهين مختلفين، الى آخر ما توصل اليه واغنر وبعده علماء الجويولوجيا في موضوع حركات الارض، والذي يجد فيها تطابقاً مع التفاسير الدينية لعلماء الدين في موضوع حركة الارض كقوله تعالى:"والجبل اوتادا"و"الجبال ارساها". وما اورده تفسير ابن كثير لمضمون تلك الآيات القرآنية الكريمة. ليتابع المؤلف ابحاثه مشدداً على ان ما ورد في هذا الكتاب ما هو الا محاولات للاجابة على اسئلة تراود ذهن كل انسان وعالم متدين. كما انه شرح لأحدث ما توصل اليه العلماء من إثبات حقائق علمية حول الارض والكون، وذكر للآيات التي اشارت اليها، وإيراد ما قاله بعض أئمة المفسرين المعتمدين منها. ونخلص للقول بأن هذا المؤلَّف يمكن اعتباره في مصاف الكتب التي توسع آفاق ذهن الانسان وتضيف الى علومه بعض ما يجهل. كما يلقي اضواء على معاني آيات قرآنية كريمة كثيرة يقرأها الانسان ولا يدري معانيها كما يجب، فيساعده هذا الكتاب كي يعقل ويدرك ويتدبر ويتفكر.. من خلال ما يقرأ من معلومات ربطت بالآيات. انها محاولة جادة افرد لها الاستاذ علي محمد غصن ابحاثاً قيمة لاثبات ما توصل اليه العلم الحديث على صعيد الانجازات العلمية الهائلة وعدم تعارضها مع ما ورد في القرآن الكريم من آيات توفر اجابات حول العديد من الاسئلة التي تتعلق بأسرار الكون.