قبل وصول وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس الى جدة في مستهل جولة في المنطقة، تشمل بالاضافة الى السعودية مصر واسرائيل والاراضي الفلسطينية، اشارت وسائل الاعلام الى ان الوزيرة الاميركية ستناقش في جولتها عناوين متعددة، من إحياء عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، الى الوضع في الصومال، مروراً بالعراق، والملف النووي الإيراني والوضع في لبنان ودور سورية، وأزمة دارفور السودانية. لكن الوزيرة ركزت في محادثاتها مع المسؤولين السعوديين على ثلاثة مواضيع هي العراق والملف النووي الايراني وعملية السلام. وكان واضحاً في المؤتمر الصحافي الذي عقده وزير الخارجية السعودي الامير سعود الفيصل مع نظيرته الاميركية ان وجهات النظر حول الموضوع الفلسطيني ليست متفقة تماماً، فالوزيرة الاميركية طرحت موضوع السلام من باب ذر الرماد في العيون، وأبدت رغبة في ان يجد الفلسطينيون طريقاً لحل أزمتهم السياسية، وتشكيل حكومة ملتزمة بمبادئ اللجنة الرباعية، المتمثلة بالاعتراف باسرائيل وتنفيذ الاتفاقات الموقعة معها، ووقف المقاومة المسلحة، التي تسميها اللجنة الرباعية ارهاباً، فضلاً عن أن كوندوليزا رايس تحدثت عن القضية الفلسطينية كنزاع داخلي، اما الأمير سعود الفيصل فقال ان القضية الفلسطينية"هي جوهر المشكلة واذا حلت هذه المشكلة فسيكون لها فوائد عديدة للمشكلات الاخرى في المنطقة"، ويعتقد ان هذا الاستنتاج يحظى بقبول عالمي. وهذا خلاف جوهري بين البلدين، فالسعودية ترغب في حل يعتمد تلازم المسارات، ان جاز التعبير، وواشنطن تجري محادثات بالجملة، لكنها تبيع في آخر النهار بالمفرق، وترفض بالمطلق اعتبار القضية الفلسطينية جوهر الصراع في المنطقة. الوزيرة الاميركية جاءت للحصول على دعم السعودية في قضية المصالحة العراقية، ودعم التوجهات الاميركية في مسألة الملف النووي الايراني، والرياض على استعداد للمضي في المساعدة في لجم العنف في العراق، ودعم خطة المصالحة بين العراقيين التي طرحها رئيس الوزراء العراقي نوري الماكي، لكنها لا تؤمن بالعصا السحرية في السياسة، ولا تنظر الى هذه الملفات في شكل منفصل، وتعتقد ان حل القضية الفلسطينية مطلب مهم قبل البدء في معالجة القضايا الاخرى في المنطقة. فحل المشكلة اللبنانية لا يمكن ان يتم بمعزل عن تهدئة الاوضاع في الاراضي الفلسطينية، وحل المشكلة الفلسطينية سينعكس ايجاباً على الموضوع العراقي، وتهدئة الساحة العراقية ستفضي بالضرورة الى افق اوسع للتعامل مع الملف النووي الايراني، وتمسك الاطراف بالحوار، ولهذا يخطئ من يعتقد ان حوار واشنطن مع الدول المعتدلة في المنطقة سيمضي كما تراه واشنطن. فمن الواضح ان الاختلاف حول جوهرية القضية الفلسطينية سيؤثر على تماهي الدول المعتدلة مع المساعي الاميركية، فضلاً عن أن هذه الدول لها تحفظات على ما يجري في العراق، وهي تعتقد ان دورها لا يمكن ان يكون فاعلاً ومؤثراً ما لم يتصف بالاستمرارية، أما ان تهرول واشنطن الى السعودية ومصر كلما واجهت ازمة في العراق، وتخضع دورها لاعتبارات غير مفهومة للآخرين، فإن تعاون هذه الدول لن يكون مؤثراً، فضلاً عن ان توتير العلاقة مع ايران ليس في مصلحة المنطقة، ومن يتابع الخطاب السياسي السعودي في هذه الازمة سيدرك ان الرياض لا تلتقي مع التوجهات الاميركية لحل الأزمة، رغم انها تتفق مع المجتمع الدولي على ضرورة خلو منطقة الخليج من اسلحة الدمار الشامل. من الواضح ان واشنطن تمارس قناعة مفادها ان قضايا المنطقة غرف معزولة عن بعضها، ولهذا فهي ليست متحمسة لعمل شيء مهم في الاراضي الفلسطينية طالما ان حكومة"حماس"موجودة في السلطة، فضلاً عن التصريحات الاميركية التي صدرت خلال اليومين الماضيين والتي تشير الى ان واشنطن على استعداد لإضعاف"حماس"حتى لو تم ذلك بطرق غير دستورية، ما يعني ان الأزمة بين"حماس"و"فتح"مرشحة للتصعيد. ولهذا فإن الاعتقاد بأن زيارة الوزيرة الاميركية للمنطقة دليل على تغير موقف الادارة الاميركية وشعورها بالخطر، وان الجولة الراهنة جزء من مشروع مراجعة السياسة الاميركية بعد الحرب الاسرائيلية على لبنان، وتفاقم الوضع في العراق، هو استنتاج متفائل في احسن الاحوال، وخاطئ في أسوأها. فواشنطن ماضية في دعم مسلسل الفوضى الخلاقة، وها هي الحرب على لبنان تهيئ هذا البلد لمرحلة تنذر بالفوضى، والأراضي الفلسطينية دخلت فعلاً مرحلة الفوضى، وبين زيارة رايس الراهنة وزيارتها القادمة سيكون المسلسل الاميركي قد وصل الى دول عربية اخرى.