أبدت قيادات رسمية وسياسية لبنانية قلقها من تصاعد وتيرة مسلسل إطلاق القذائف من نوع"لانشر"، بعدما امتد ليل السبت - الأحد، وللمرة الأولى، الى قلب الوسط التجاري لبيروت، مستهدفاً بناية العسيلي بثلاث قذائف أحدثت أضراراً مادية بسيطة جداً، فيما جرح ستة أشخاص إصاباتهم طفيفة، نجم معظمها عن شظايا الزجاج التي تطايرت بفعل القذائف. راجع ص6 و7 واستقبل خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز امس في قصر الصفا بمكة المكرمة، رئيس وزراء لبنان فؤاد السنيورة. وقالت"وكالة الانباء السعودية"ان الاجتماع الثنائي"تناول الأوضاع الراهنة في لبنان الشقيق"، قبل ان يقيم الملك عبد الله مأدبة افطار تكريماً لضيوفه وبينهم السنيورة. وما زاد المخاوف التي عبّرت عنها معظم القيادات السياسية والرسمية، في اتصالات أجرتها"الحياة"، وجود شعور بأن إطلاق ذلك النوع من القذائف، وهو الثاني خلال أسبوع بعد استهداف أحد المباني في ثكنة الحلو التابعة لقوى الأمن الداخلي كورنيش المزرعة في الشطر الغربي من العاصمة، قد يكون مقدمة لاستمرار مسلسل التفجير بتوجيه"رسائل"أمنية سياسية اقتصادية الى المعنيين، يراد منها تهديد الاستقرار العام وإثارة حال من الفوضى لإظهار الأكثرية في البرلمان، وذات الغالبية في الحكومة، بأنها عاجزة عن ضبط الأمن وتأمين الحماية للمواطنين. كما ان اختيار المكان الذي كان هدفاً لإطلاق القذائف، ينم عن رغبة الجهة التي تقف وراء هذا المسلسل، في تمرير إنذار مباشر وجدّي هذه المرة. إذ أن المبنى الذي استهدف يقع في قلب بيروت، على بعد عشرات الأمتار من مقر الاسكوا التابع للأمم المتحدة، والمقر الخاص برئيس الحكومة فؤاد السنيورة في"السراي الكبير"، ومبنى المجلس النيابي في ساحة النجمة. كما يقع في الوسط بين تجمع المقاهي والمطاعم في قلب العاصمة والمقرات الخاصة بعدد من السفارات الأجنبية، وبينها سفارات بريطانيا وبلجيكا واستراليا. كما ان اختيار المكان من وجهة نظر الجهة الفاعلة التي يجري التقصي عن هويتها، دليل على قدرتها على اختراق الوسط التجاري الذي يفترض ان يكون ممسوكاً أمنياً، على رغم ان الذين أطلقوا القذائف اتخذوا من جسر فؤاد شهاب المعروف ب"الرينغ"النقطة الأمنية التي سهّلت لهم فعلتهم، وهي لا تبعد أكثر من 300 متر عن المبنى الذي أصيب. وكان سقوط القذائف الثلاث على مبنى العسيلي مقابل تمثال رياض الصلح، طغى على المهرجان الذي دعا إليه"التيار الوطني الحر"لمناسبة الذكرى السادسة عشرة لإطاحة زعيمه العماد ميشال عون من القصر الجمهوري في بعبدا، في عملية نفّذها الجيشان اللبناني والسوري. وعلى رغم ان المهرجان تأجل قبل ساعات من موعده بسبب رداءة الطقس، فإن تأجيله لم يمنع آلافاً من أنصار عون من التوجه بسياراتهم الى المكان الذي كان مفترضاً ان ينظم فيه الاحتفال، في مجمَّع ميشال المر الرياضي في ضبية ساحل المتن الشمالي، إضافة الى تدفق الآلاف سيراً الى المكان ذاته لتأكيد تضامنهم مع عون. واستعاض الأخير عن المهرجان بإلقاء نص الكلمة التي كان سيلقيها للمناسبة في لقاء حاشد في دارته في الرابية. ولوحظ ان التهدئة السياسية كانت حاضرة في خطاب عون الذي أصرّ على إعلان مواقفه من دون أي تعديل في الأولويات. وهو شدّد على ضرورة المجيء بحكومة اتحاد وطني، تأخذ على عاتقها الدعوة الى إجراء انتخابات نيابية مبكرة، ينبثق منها مجلس نيابي جديد، يتولى انتخاب رئيس الجمهورية العتيد، على ان يبادر الأخير، وبحسب الأصول الدستورية المتعارف عليها، الى تشكيل حكومة جديدة. وبدا خطابه بمثابة برنامج سياسي لمرشح إلى رئاسة الجمهورية. إلا أن الهدوء الذي سيطر على النبرة الخطابية لعون لم يخفّف وطأة هجومه على الأكثرية في البرلمان والحكومة، معتبراً أنها منبثقة من"أكثرية وهمية تعيث فساداً في البلاد التي تعيش في فراغ، من خلال بيان وزاري لم ينفّذ منه حرف واحد". ونوّه بأهمية ورقة التفاهم المشترك التي كان توصّل اليها مع"حزب الله". وبالعودة الى القذائف التي أصابت مبنى العسيلي وتلاحق الحكومة تداعياتها الأمنية والسياسية من خلال وزير الداخلية بالوكالة أحمد فتفت الذي يترأس اليوم اجتماعاً استثنائياً لمجلس الأمن المركزي، قالت مصادر أمنية رسمية ل"الحياة"ان القذائف انطلقت من جسر فؤاد شهاب، تحديداً من النقطة التي يطلّ منها الجسر على أسفل منطقة الخندق العميق، المحاذية للوسط التجاري. وإذ لم تستبعد المصادر ان يكون الذين أطلقوا القذائف اتخذوا من أرض خلاء قريبة من الجسر موقعاً لإطلاقها، ذكرت ان إطلاقها لا يتم مباشرة وإنما في شكل عمودي، ما يفسر انحناء مسار القذائف لحظة سقوطها وهي طالت ثلاث طبقات من المبنى، تقع على خط مباشر. وقدّرت المصادر ان يكون الذين أطلقوا القذائف"من المحترفين"، مشيرة الى ان شخصاً واحداً بإمكانه ان يطلقها دفعة واحدة، ولم تستبعد فرضية كونه في سيارة مع مجموعة من الأشخاص، وعمد الى فتح سقفها ليتسنى له إطلاق القذائف بسهولة. وأكدت أن لا رابط مع الحوادث التي شهدتها الضاحية الجنوبية قبل أكثر من أسبوع، على خلفية إزالة الدرك مخالفات بناء فيها. واعتبرت ان أي ربط بين هذه الحوادث وإطلاق القذائف هو"محاولة لتجهيل الفاعل أو التشويش على التحقيق الذي بدأ بعد دقائق على الحادث، على رغم ان"هناك من يحاول استخدام التوقيت كذريعة لإرباك الأجهزة المعنية في تقصّيها عن الفاعل الذي تتعامل معه باعتباره معروفاً، على الأقل لجهة الهدف، وإن كان لا يزال مجهول الهوية". وأشارت المصادر الى ان لتوقيت تسارع مسلسل إطلاق القذائف، علاقة مباشرة بمحاولة ضرب المبادرة التي يتولاها رئيس المجلس النيابي نبيه بري لإيجاد المخرج من التأزم السياسي في لبنان. وأكدت ان استخدام الصواريخ هو بمثابة قصف مباشر على هذا الدور، واحتجاج على النتائج المرجوّة منه، بعدما نجح بري إثر زيارته المملكة العربية السعودية، في التوصل الى تفاهم على خفض التوتر الإعلامي والسياسي، لمصلحة البحث عن حلول توافقية للأزمة. الى ذلك، قال فتفت ل"الحياة"ان القذائف التي أطلقت على مبنى العسيلي هي من النوع ذاته الذي استهدف ثكنة الحلو، مؤكداً أنها تأتي في سياق"خطة تتجاوز الإرباك الأمني الى افتعال فتنة، يراهن من يقف وراءها على قدرته على تفجير الوضع، لقطع الطريق أمام وجود رغبة جامعة في دعم الدور الذي يقوم به الرئيس بري". وأضاف ان"التفجيرات هي جزء من البرنامج التفجيري الذي يهددنا به البعض، من حين الى آخر، وهو معروف من قبلنا". وتساءل فتفت:"لماذا لم تصدر هذه الجهات أيّ بيان حول مسؤوليتها عن إطلاق القذائف؟"، وقال:"إنها رسائل سياسية وفي حال عرفنا من يقف وراءها سيكون في إمكاننا كشف هوية هذه الجهة، خصوصاً انها أخذت تفقد كل أمل بإحداث فوضى في الشارع، بسبب وعي جميع الأطراف، وإدراكهم أهمية عدم اللجوء اليه لحل المشكلات في ما بينهم". وكان فتفت ذكر في حديث الى وكالة"رويترز"ليل أول من أمس، انه تلقى أخيراً رسالة من أحد المقربين من السوريين، أبلغه فيها ان عليه وعلى رئيس الوزراء فؤاد السنيورة"الانتباه"، موضحاً ان الرسالة تفيد بأن السوريين غاضبون أكثر من فترة ما قبل الرابع عشر من شباط فبراير 2005 تاريخ اغتيال الرئيس رفيق الحريري. وأكد فتفت انه واثق بأن لسورية حتى الآن مرشدين في لبنان. سورية والقرار 1701 وفي دمشق، قال وزير الخارجية الاسباني ميغيل انخيل موراتينوس بعد لقائه الرئيس بشار الاسد انه تلقى"رداً ايجابياً جدا"يفيد بأن سورية تريد التعاون ب"طريقة بناءة"لتنفيذ القرار 1701 وإنجاح الوضع اللبناني. وكان موراتينوس اجرى مساء اول امس محادثات مع الاسد ونظيره السوري وليد المعلم. وقال قبل مغادرته صباح امس :"ان اسبانيا مشاركة في قوات الطوارئ الدولية المعززة يونيفيل، وتلقينا رداً ايجابياً جداً من السلطات السورية عن انها تريد التعاون في طريقة بناءة لتطبيق 1701"، مضيفا :"سنتبادل وجهات النظر وسنتعاون في مختلف المجالات كي نجعل الوضع في لبنان يحقق نجاحا". واضاف الوزير الاسباني ان محادثاته مع الجانب السوري اظهرت ان دمشق"تريد ان تكون جزءا من الحل وليس جزءا من المشكلة". وعلمت"الحياة"ان المحادثات تناولت ايضا المسار السوري مع اسرائيل، اذ وعد موراتينوس الجانب السوري بالسعي لدى الادارة الاميركية والاتحاد الأوروبي ل"تشجيع"حكومة ايهود اولمرت ب"الإقدام نحو السلام"على المسار السوري، ذلك بعدما لاحظ ان اولمرت يفتقد الى"الجرأة لأن حكومته ضعيفة".