يتوقع ان تتولى الغرف الاستثنائية في المحكمة الخاصة والمختلطة، الكمبودية والدولية، النظر في أعمال إبادة الخمير الحمر وهم الشيوعيون الكمبوديون الذين تولوا حكم كمبوديا في 1975 - 1977 ربع السكان الى ثلثهم، في تشرين الأول اكتوبر الجاري. واقتضى انشاء المحكمة الخاصة الكمبودية والدولية، ثمانية أعوام، صرفتها الهيئات الحقوقية والقانونية الدولية في مناقشات داخل الهيئات، وبينها وبين الدولة الكمبودية. وتنظر المحكمة في جرائم متهمين يبلغ الثمانية من العمر من بقي على قيد الحياة منهم. ولما كانت المحاكمة أخلاقية فوق ما هي قانونية، وتنظر في حوادث ماضية وليس في جرائم جارية، لم تنط بمحكمة الجزاء الدولية أنشئت في 1998. والى اليوم، لم يناقش جمهور الكمبوديين علناً، ولم يتداول الرأي والنظر في المرحلة المروعة هذه من تاريخه. وتعود الإبادة الى دخول حركة المقاومة الكمبودية الشيوعية بنوم بنيه، العاصمة في نيسان ابريل 1975، بعد 15 عاماً من الاعتصام في الغابات. والمقاومة الكمبودية كانت مقاومتين مجتمعتين: واحدة ناصبت العداء الحكم الانقلابي والعسكري الذي أوعزت به السياسة الأميركية المتورطة منذ 1965 بفيتنام، والثانية حملت السلاح على الأميركيين الذين كانوا يجاهدون في سبيل قطع طريق السلاح والتموين من فيتنام الشمالية الشيوعية عن أنصارها ومواليها في الجنوب. وانتصرت المقاومة، وتوجت نصرها بإخلاء بنوم بنيه قسراً من اللاجئين اليها، والمعتصمين بها، وكانوا يعدون حوالى 4 ملايين من 8 تعدهم كمبوديا. وأنشأ الحكم الجديد 189 معسكر اعتقال وتعذيب ساق اليها السكان. وخلف، حين انهياره في كانون الثاني يناير 1979، تحت وطأة اجتياح فيتنامي، 20 ألف مقبرة جماعية أحصيت في العقود الثلاثة الماضية، وأحصت الدولة الكمبودية 3 ملايين و315 ألف ضحية من 8 ملايين يومها. وطاول القتل، في المرتبة الأولى، النخب المهنية والعلمية والمدينية: فقتل 91 في المئة من الاطباء، و83 في المئة من الصيادلة، و45 في المئة من الممرضات... جراء الارهاق والجوع والاهانة والتضييق والتعذيب وتسترت على فظائع المقاومة الكمبودية بكين حيث تتلمذ قادتها ولجأ عظماؤها، وواشنطن التي توسلت بعدوها السابق الى التضييق على هانوي وموسكو، وبانكوك ممر مساعدات بكين وواشنطن، والأمم المتحدة. والى اليوم، تسكت بكين عن الحقبة السوداء هذه، وأدت دوراً راجحاً في تأخير انشاء المحكمة المختلطة. ولا يتوقع أن تنظر المحكمة في دور بكين الايديولوجي والسياسي والمادي 5 آلاف"خبير"صيني الى 8 آلاف ساعدوا رفاقهم الخمير الحمر في توجه النظام الوجهة التي انتهجها. ويذهب قاضي التحقق الدولي المشارك، الفرنسي مارسيل لوموند، الى ان المشكلة العصية التي يتوقع ان تعترض عمل المحكمة هي التنسيق بين القانون الكمبودي، ويغلب عليه الروح الفرنسي، وبين القانون الإنساني الدولي، ويغلب عليه الاشتقاق الأنغلو - ساكسوني. ومضي الزمن وتقادمه عقبة في الوسع تذليلها. والحق ان المؤرخين سبقوا القضاء الى التحقيق في الإبادة، واقتصوا آثارها. ولكن المحكمة لا تؤرخ، بل تنظر بعين الشك في المسؤوليات التي ينسبها المؤرخون الى الفاعلين والمرتبكين. وينبغي، الاقتصار على عدد معقول من المظنونين لا ترزح تحت المحكمة، ولا يخنق عملها. ويرصد أهل القانون نتائج القضاء المختلط هذا وأثره في الحق الإنساني الدولي الجديد. عن فرنسيس ديرون وجيريمي فولون، "لوموند" الفرنسية، 29 / 9 / 2006