السياحة في الدول الاسكندينافية، خصوصاً السويد، لها جمالياتها وطعمها الخاص، فالصيف هناك يختلف عن مثيله في كل بقاع العالم. يفاجأ المرء بأن نهار الغد سيبدأ قريباً بينما لم ينته نهار اليوم بعد، إذ تغرب الشمس في الثانية صباحاً لتشرق في الثالثة من دون أن يكون ليل السويد مظلماً. وتضج الطبيعة بخضرة عجيبة، فالنباتات تتسابق لترتوي بضوء الشمس قبل حلول الليل الاسكندينافي الطويل الكئيب. ويبلغ طول النهار ذروته في 23 حزيران يونيو، وعندها لا تغيب الشمس لأيام متواصلة، وهي الليالي البيضاء. ويحتفل الاسكندينافيون بهذه المناسبة في عيد يسمونه منتصف الصيف، يرفعون خلاله عموداً مزيناً بالزهور والأغصان كشجرة ويرقصون حوله بينما تصدح الموسيقى ويعلو الغناء الشعبي. وهذا العيد هو امتداد لتقليد قديم يحتفل بالخصب وبالطبيعة الأم. ويحتفل السويديون بهذا العيد كذلك في متحف سكانسن باستكهولم في عطلة نهاية الأسبوع على امتداد أيام ثلاثة من دون توقف حيث يتواصل النهار بالنهار من دون ليل. ومتحف سكانسن المقام على جزيرة اسمها يورغوردِن حديقة الحيوان أسسه أرتور هاسيليوس في العام 1891 بهدف تجميع التراث الشعبي السويدي والاسكندينافي وكذلك كل حيوانات ونباتات السويد في متحف واحد مكشوف وفي بيئة طبيعية خلابة. ولهذا الغرض أحضر إلى الجزيرة 150 من البيوت الريفية من مختلف أنحاء السويد، بكامل أجزائها وأثاثها، يعود معظمها إلى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. ويرتدي العاملون في المتحف الملابس الخاصة بكل منطقة من المناطق السويدية حسب المعرض الذي يعملون فيه، ويقومون بالأشغال الاعتيادية من زراعة أو مزاولة الحرف بما هو مميز لذلك المكان، ولذلك يمكن اعتبار سكانسن متحفاً حياً. ومنذ تأسيس متحف سكانسن، أصبح الإسم يطلق على المتاحف المماثلة في كل أنحاء أوروبا، مع أن الكلمة السويدية جاءت من كلمة تعني"الحصن الصغير"الذي كان قائماً هناك. وفي الجزيرة نفسها كثير من الأبنية المهمة وبيوت النبلاء مثل قصر الكونت برنادوت والمشاهير مثل أعضاء فرقة آبا ABBA ومتاحف ومدينة ألعاب تيفولي. وقد نقلت إلى سكانسن لاحقاً الأبنية القديمة لحي من أحياء استكهولم هو حي سودرمالم بعد أن قررت البلدية هدمه لبناء شقق سكنية حديثة بين 1926-1933، وبينها البيت الذي ولد فيه هاسيليوس مؤسس المتحف الذي يعتبر أول متحف من نوعه في العالم. ويمثل هذا الحي أحد أهم معالم المتحف سكانسن، وفيه محال الحرفيين والصيدلية ودائرة البريد وغيرها، بالإضافة إلى ورشة ميكانيكية بسيطة أسست في 1889. وتعتبر ورشة نافخي الزجاج من العلامات البارزة في المتحف، إذ تعج بالسواح الذين يمكنهم متابعة عملية صنع المزهريات والأواني الزجاجية الملونة من الزجاج المصهور في الأفران، ويمكن شراء المنتجات بأسعار معتدلة في المتجر الموجود في الورشة، وهي ذات قيمة فنية وجمالية عالية. والمطبعة التي تعود إلى العام 1725 تنقل الزائر إلى أجواء طباعة الكتب في الأيام الخوالي، فيجري الطبع على ورق صنع باليد في مطبعتين: الأولى صنعت من خشب البلوط القوي والثانية من الحديد. ويستخرج الحبر المستعمل في المطبعة من النيلج المغلي في زيت الكتان. وجلبت ورشة النجارة من منطقة سمولاند الواقعة في جنوبالسويد وقد انشأت في 1897-1898 قرب شلال صغير كان يستعمل لتدوير مكائن الورشة قبل أن تنبذ الطاقة المائية في عشرينات القرن العشرين بعد إدخال الطاقة الكهربائية. وتفوح في المخبز رائحة الخبز المشوي لتوه، وتنتشر رائحة القرفة أحد أهم التوابل التي استعملها السويديون في صنع الحلويات منذ قرون. وفي المتحف عدد من المزارع التي جلبت أبنيتها من أنحاء مختلفة، مثل مزرعة ألفروس من منطقة الحدود مع النرويج. ونجد كذلك حدائق الزهور مثل روسنغوردن أي حديقة الورد الجوري أو الدمشقي التي زرعت في 1964 وفيها 50 نوعاً من الجوري. ومخيم السامي الذين هم السكان الأصليون للمناطق الاسكندينافية الواقعة ضمن الدائرة القطبية الشمالية ويطلق عليهم كذلك اسم شعب اللاب، وهم رحل يعتاشون على تربية غزال الرنه وصيد الفقمة، ولهم لغتهم الخاصة وتقاليدهم الغنية التي عانت من الإهمال والانكار. وشيدت حديقة الحيوان على أعلى بقعة في الجزيرة، ونجد فيها 70 من أصناف الحيوانات الاسكندينافية النوردية مثل الأيل وهو أكبر الحيوانات ويصل وزنه إلى 700 كيلوغرام، والدب البني الذي يعيش في شمال السويد ويصل وزنه إلى 350 كيلوغراماً، وغزال الرنه الذي يربيه السامي المرتحلون في شمال اسكندينافيا، وأنواع الفقمات وأكبرها الفقمة الرمادية التي تعيش في بحر البلطيق ويصل وزنها إلى 300 كيلوغرام، والقنادس والثعالب والذئاب والقطط الوحشية والطيور البرية وغير ذلك. لكن أكثر أجزاء سكانسن إثارة بالنسبة الى زوارها من الأطفال هو الجزء المسمى بسكانسن الصغيرة، حيث يجد الأطفال متعة كبيرة في التجول بين الحيوانات الداجنة الطليقة مثل الخراف والأرانب والبط والدجاج، ويحظون بمتعة أكبر في مدينة ألعاب صغيرة قريبة. ويشرف على هذا الجزء برج بني من الآجر بست طبقات، في أعلاه مقهى متواضع تطل شبابيكه على الجزيرة وعلى كل استكهولم والخلجان المحيطة وكأنها الفنار على البحر. وعلاوة على الاحتفال بمنتصف الصيف، يحتفل متحف سكانسن بقدوم الربيع في 30 نيسان أبريل وهو عيد تعود جذوره إلى القرن الرابع عشر، حيث توقد شعلة كبيرة وتلقى الخطابات ويدوم الاحتفال حتى منتصف الليل بمصاحبة الموسيقى والغناء والرقص. ويجري الاحتفال بيوم العلم السويدي في السادس من حزيران يونيو، وهو عيد إسم غوستاف الذي حمله كثير من الملوك السويديين وأصبح هذا اليوم العيد الوطني السويدي منذ 1983. لا بد من تخصيص يوم كامل لزيارة سكانسن، فالمتحف يمتد على مساحة واسعة وفيه من المعروضات والأبنية والحدائق المتنوعة ما يستحق ذلك. وهو يفتح أبوابه بين العاشرة صباحاً والرابعة مساء خلال الفترة بين تشرين الأول اكتوبر ونيسان ابريل، وفي أيار مايو بين العاشرة صباحاً والثامنة مساء، وفي الصيف بين العاشرة صباحاً والعاشرة ليلاً، وبين العاشرة صباحاً حتى الخامسة مساء في أيلول سبتمبر.